::
لي صديق قديم أعرفه منذ أيام المدرسة ولاأزال على اتصال معه بشكل منتظم إلى اليوم بالرغم من أن حياة كل منّا أخذت منعطف معاكس تماماً للآخر، فهو يبدو أنه قد نبذ إغوائات الدنيا واختار أن يسير على درب العبادات والورع، وحرص على اتباع تعاليم الدين بحذافيرها عملاً على كسب رضوان الله من بعد أن أرشده وأنار له سُبل الهدى، وأنا قد اعتنقت الدنيا بكل ملذاتها بعد أن اخترت درب الكفر والإلحاد وحرصت على رمي تعاليم الدين بحذافيرها في المزبلة عملاً على كسب رضى نفسي بعد أن أغواني الشيطان وجَمّل لي قبح العصيان واقتراف الذنوب ... لاسيما كبائرها كشرب الخمر والذي أتلذذ به وأحرص على اقترافه بشكل منتظم.
وبالرغم من هذا التباين الصارخ بين منهجي أنا الإلحادي الطليق في الحياة ومنجه هو الإسلامي المتزمت، إلاّ أنني شخصياً أستمتع بزياراتنا المتبادلة ومرافقتي وجلوسي معه كلما سنحت لنا الفرصة، ولكنني أجد نفسي في حيرة حقيقية عن موقفه هو الودود منّي وتشبثه في هذه العلاقة التي يبدو لي أنها تشبه في نظره كمتدين ملتزم وحريص بأنها صداقة بين ملاك وأبليس، والتفسير الوحيد الذي أرى فيه شيئ من الجاذبية، وليس بالضرورة أي معقولية، هو من الأرجح أنه يستمد نوعاً من الإستمتاع في الإستماع إلى نقدي المتكرر وسخريتي المتواصلة للطقوس الفارغة والمفاهيم المطعوجة التي تتحكم في كل دقيقة من حياته، إذ أنه من النادر أن يُبدي أي غضب أو يُشيّد أي دفاع نشط ذوداً عن عقيدته، بل يكتفي بالنفي أحياناً والضحك أحياناً أخرى على سيول النقد والسخرية المتدفقة من فمي وكأنه يسمح لاشعورياً (أو متعمداً) بهجومي الشرس على دينه إنتقاماً منه على القيود العقائدية الفكرية التي وجد نفسه مغللاً بها بحكم محيطه الذي نشأ فيه.
والذي يحدني على التوصل إلى هذا الإستنتاج الذي قد يبدوا أنه مستبعد للوهلة الأولى إنما يصبح محتمل بعد التدقيق بما يعانيه المسلم بالذات من تعب وإزعاج وإضاعة للوقت في الإلتزام بأداء طقوسه اليومية، خصوصاً في السفر، وما يفتقده من الملذات والفرص التي تهيؤها له الحياة فيرفضها، ليس بخيار منه ولكن من أحكام العقيدة التي فرضت قسراً عليه. وهو مايحدث عندما يأتي صديقي هذا في زيارتي إلى لندن، أحدى أرغب المدن السياحية في العالم. وهذه عينة من القيود التي تكبل المسلم الملتزم وتضيق عليه حرية الإستمتاع بدنياه بغض النظر عما يدعيه من عدم الإهتمام بها مقارنة مع الحرية التامة التي يتمتع بها الملحد.
جائني صديقي هذا، وسوف أسميه بوسبحة وهذا مصطلح خاص بيني وبينه من أيام المدرسة، في زيارة له إلى لندن لقضاء أسبوعين فيها قبل شهر مضى فخرجنا معاً لقضاء يوماً كاملاً في التنزه برفقة صديقين آخرين من نفس "الحضيرة" الفكرية التي أنتمي أنا إليها، وجرت أحداث ذلك اليوم هكذا كما أتذكرها بدون زيادة أو نقص:
تقابلنا في الصباح حوالي الساعة العاشرة، واتفقنا فيما بيننا أننا في حاجة الى ضخ بعض العقاقير المنبهة في عروقنا حتى نبدأ اليوم في نشاط وحيوية، فاتجهنا إلى فرع ستاربكس عبر الشارع لتناول القهوة الإسبرسو الثقيلة كونها أقوى عقار متوافر بأقل نسبة من الأضرار، ولكننا تفاجأنا برفض بوسبحة لدخول ستاربكس بحجة أن هذه الشركة لها علاقات وطيدة مع إسرائيل ولايجوز التعامل معها، مما اضطرنا إلى المشي لمسافة غير قصيرة حتى عثرنا على مقهى أخر لم يكن ضمن لائحة المقاطعة التي يحرص على الإلتزام بها، فدخلنا وجلسنا حول طاولة فاضية بينما تبرع أحد الأصدقاء بإحضار القهوة.
جائت القهوة على صينية وتوزعت فيما بيننا كل حسب طلبه، وشرعنا نحتسي هذا العقار المنبه اللذيذ في خضم قرقعة الأكواب وهمهمة الحاضرين وضحكات الجالسين حول الطاولة، ومرت اللحظات والدقائق، لاحظت بعدها أن بوسبحة لازال لم يلمس قهوته. فملت برأسي نحوه، إذ كان جالساً قربي، وهمست في أذنه باستفسار جرنا إلى هذا الحوار:
أنا: بوسبحة، ماجست القهوة (لم تلمس القهوة)؟
هو: والله اسمح لي، مااقدر اشربها
أنا: ليش؟ شفيها (مابها)؟
هو: ياأخي ماادري، يمكن غاسلين الكوب في ماي فيه بقايا خمر، نسيت أقول لكم أني ماأشرب بره إلاّ في كوب ديسبوزبل علشان أتفادى هذي الخطورة
أنا: مو مشكلة، أجيب لك وحدة ثانية - وقمت ....
هو: لالالا، أقعد أقعد، والله مابي، مولازم .....
فتجاهلت ندائاته ووقفت في الطابور لأطلب له قهوة أخرى، في كوب ورقي هذه المرة.
خرجنا من المقهى بعد عدة جولات من شرب الإسبرسو، وبينما كنا ننتظر مرور تاكسي، أعرب بوسبحة عن احتياجه إلى حذاء آخر يكون أريح من الذي برجليه لأنه لايصلح للمشي الطويل لضيقه، فأخذنا تاكسي لنرافقه في جولته على معارض الأحذية التي تتناثر على طول شارع أوكسفورد ستريت وأغتنمت أنا تلك الفرصة لأبحث لي عن حذاء آخر للعمل بدل حذائي الحالي الذي بدأت تظهر عليه تجاعيد الشيخوخة.
وصلنا إلى الشارع الشهير، ودخلنا عدة محلات لاحظت خلالها أن بوسبحة كان يتجاهل الأحذية المصنوعة من الجلد ويصب تركيزه على الأنواع المصنوعة من القماش أو المطاط، فأثار ذلك استغرابي لأنه تجاهل الكثير من الأحذية الممتازة المخصصة للمشي الطويل والمصنوعة من الجلد، فسألته بالرغم من أني خمّنت السبب:
أنا: بوسبحة (وبيدي حذاء جلد وعلى شفتي إبتسامة ساخرة لم يبدو أنه لاحظها)، اشرايك في هالجوتي (الحذاء)؟ شكله مريح
هو: لا، ماابي جلد، أدور خام (قماش) أو بلاستيك.
أنا: ليش، شفيه الجلد؟ (مابه الجلد)
هو: جلود الجواتي (الأحذية) هاذي ماادري منيين جايبينها. يمكن البقر مومذبوح إسلامي فيكون الجلد نجس.
أنا: !!!!!!!! ... وشالمشكلة؟ خله يكون نجس، خو ماراح تاكله ... هههههه.
هو: هههههه، لأ ماراح آكله بس راح ألبسه، وفي الحر راح تعرق رجلي وتتسرب الرطوبة إلى جلد الجوتي وتتنجس رجلي.
أنا: آآها، وياك حق، خلّك على جواتي البلاستيك إذاً .. أبرك لك.
لم يستقر خيار بوسبحة على أي حذاء بالرغم من تغطية جميع معارض الأحذية في الشارع، أما أنا فقد أشتريب حذاء جلد إيطالي لم أهتم ببقرته حتى لوكانت هندوسية مقدسة.
استغرغت اللفة على تلك الأحذية اللاإسلامية من الوقت إلى أن حان موعد صلاة الظهر والذي صادف حوالي الساعة الواحدة، فالتفت بوسبحة إلينا بعد أن نظر إلى ساعته، واعتذر على مغادرتنا إلى الصلاة حتى لايفوته فرض الظهر، على أن يرجع إلينا ليكمل البرنامج السياحي معنا لذلك اليوم. ثم أخذ تاكسي واختفى في زحام الشارع. وبينما اقتطع بوسبحة تلك الشريحة من عمره للعبادة، قضينا نحن شريحتنا في أحد المطاعم المصفوفة في شارع ديوك ستريت بمحاذاة سلفرجز لوجبة غداء خفيفة مصحوبة بقنينة من النبيذ الأحمر، تمنينا ونحن ننتشي منها لو شاركنا بوسبحة فيها .... أقصد الوجبة وليس النبيذ.
إلتقينا ببوسبحة مرة أخرى، بعد مرور حوالي ساعة من غيابه، خارج بوابة متحف العلوم الطبيعية في كنسزينغتون حسب برنامجنا ودخلنا جميعاً إلى القاعة الفارهة. مروراً بالهيكل العظمي (نسخة في الواقع وليس الأصلي) لديناصور الديبلودوكَس الجاثم بغباره في وسط القاعة، وصعوداِ إلى الطابق الأعلى حيث تعمدت أن أمر معه على قسم نماذج حفريات تطور الإنسان، توقفت عن قصد لأتمعن في جدتنا الأوسترالوبيثيسين القردية لوسي الواقفة باعتزاز دخل الصندوق الزجاجي تستعرض للزوار أهميتها ومكانتها في تاريخ التطور البشري غير عابئة بنظرات الإعجاب أو السخرية من حفيدها الإنسان الحديث. فالتفت إلى بوسبحة آملاً منه أن يرمي بتعليق أو ملاحظة عنها تجرنا إلى نقاش قد يفيده، ولكني وجدته قد وقف بعيداً عنّا ينتظرنا. فمشيت إليه وسألته:
أنا: ليش ماوقفت ويانا؟ تعال طالع الحفريات اللي اكتشفوها العلماء عن تاريخ تطور البشرية، شوف جدتنا لوسي.
هو: شفتها وأنا مار، وواضح أنها تزوير الهدف منه الطعن في الدين، وأستغرب أنك أنت الواعي المثقف اطوف عليك هاللعبة. إذا أنت تبي تعتبرها جدتك قلعتك أنت وياها، لاتنسبها لي، جدتي أنا أسمها حواء، أحلى من الحور، وينها من هالقزمة الشاذية الجكر؟ (قلعتك = تستاهل، شاذي = قرد، جكر = قبيح ، وينها = أين هي)
أنا: ياأخي عندنا أدلة علمية دامغة على أن هالشاذية الجكر فعلاً تمثل أحد أسلافنا.
هو: رجاءً، أسلافك أنت، موأسلافي ... لاتغرك اللحية، ترى أنا أملس، هاذي لايمكن أنها تكون جدتي وهي مشعرة إلى هالدرجة، أنت تبيها تكون جدتك كيفك، بس أنصحك أنك ماتقول حق أمك .. إذا ماتبيها تتبرى منك.
ومشى بعدها بعيداً عني ... فناديته ساخراً:
يعني تقبلها كجدة لو حلقناها لك؟
فأجابني بنصف إلتفاتة وهو لايزال يمشي:
تبيني أبدّل جدة حورية بشاذية صلعة؟ .. أنت مجنون؟
قضينا وقتاً ممتعاً نتجول خلاله في أرجاء المتحف، لاحظت فيه أن بوسبحة كان يتفادى الوقوف عند أي قسم له علاقة بتطور المخلوقات أو مايراه طعناً في الدين، حتى حان وقت صلاة العصر، فاستأذن منّا مرة أخرى وخرج من المتحف لأداء صلاة العصر، وخرجنا نحن بدورنا بعده نتمشى في الشارع حتى وصلنا إلى أحد المقاهي المقابلة لهارودز وجلسنا نحتسي جرعات أخرى من القهوة ونتسامر في انتظاره.
مرت أكثر من ساعة ونصف على غياب بوسبحة، فاتصلت به لأتحرى عن سب تأخيره ولكن بدون جدوى، فلم يرد على أي من مكالماتي. وبعد عدة محاولات، أجاب أخيراً معتذراً بأنه قد جرح إصبعه وهو يلتقط شظايا كأس مكسور ولم يستطع تأدية الصلاة بعد بسبب عدم توقف نزيف الدم الذي منعه من الوضوء والصلاة بسبب نجاسته، ووعدني بأن يأتينا لتناول العشاء معنا حالما يتمكن من أداء فريضتي العصر والمغرب معاً طالما هو موجود في الشقة.
لم أستلم مكالمة من بوسبحة بعدها إلاّ حين قاربت الساعة على العاشرة مساءً، أي بعد أن غادرنا المتحف بستة ساعات قضاها من عمره محبوس في شقته ينتظر وقوف النزيف حتى يتمكن من تأدية صلاته. بعد أن مللنا من انتظاره في أحد المطاعم العربية، وشبعنا من تناول الخفايف التي كان يعاد تقديمها لنا كلما نفذت، أخبرني خلال المكالمة أنه في تاكسي في طريقه إلينا، وفعلاً لم تتعدى دقائق حتى دخل علينا في المطعم وسلّم واعتذر على التأخير وجلس يعاين لائحة الطعام.
بعد جولة الإستجواب المطولة التي فرضها على الجرسون والذي لم يبدي بدوره أي ملل أو اعتراض على هذا التطفل في شؤون إدارة المطعم، كونه اعتاد على أسلوب التحري هذا من زبائنه المسلمين، والتي تكونت من لائحة أسألة تتعلق في مدى التزام المطعم بتقديم اللحوم الإسلامية وعدم بيع أو استخدام الخمور أو أي من مشتقات الخنزير أو المستوردات الإسرائيلية في الطبخ، أخذ أخيراً يطلب ماحلى له من مؤكولات شامية وهو مرتاح البال وعلى ثقة من أنه لن يغضب الله أو رسوله في تناوله لوجبة الطعام من مطعم في دولة الكفر.
إنتهينا من تناول الطعام، وبقينا بعدها نتسامر بعض الوقت حتى قربت الساعة على الحادية عشرة، موعد صلاة العشاء. فاستأذن بوسبحة منّا مرة أخرى، وهو لم يكاد يجلس معنا، حتى يلحق على تأدية فرض العشاء في موعده، وغادرنا. وبينما هو يتجه إلى شقته ليحبس نفسه فيها لما تبقى من المساء، يؤدي طقوساً لم تكن من خياره بل فرضها عليه محيطه، أخذنا نحن تاكسي وذهبنا إلى أحد البارات في سوهو لنعيش في أجواء الطرب وننغمس في نشوة الخمر ونتلذذ بالرقص مع الحسناوات.
* * * * * * * * * *
كم عدد المسلمين في لندن؟ كم عدد السياح المسلمين في لندن؟ أين يذهب السياح المسلمين في لندن؟ لماذا يزور المسلمين لندن؟ ماهي نسبة السياح المسملين في لندن؟ كم عدد السياح العرب في لندن؟ لماذا يفضل العرب السفر إلى لندن؟ أين يذهب السياح العرب في لندن؟ هل عدد السياح المسلمين يزداد في لندن؟ لماذا لايقاطع السياح المسلمون لندن؟ ماهو التأثيرات الإقتصادية للسياح العرب في لندن؟ ماهي التأثيرات الإقتصادية للسياح المسلمين في لندن؟ ماهو حجم الإستثمارات الإسلامية في لندن؟ ماهو حجم الإستثمارات العربية في لندن؟ ماهو تأثير الإستثمارات العربية على الإقثصاد البريطاني؟ ماهو تأثير الإستثمارات الإسلامية على الإقتصاد البريطاني؟ ماهو تأثير سحب الإستثمارات العربية من بريطانيا؟ ماهو تأثير سحب الإستثمارات الإسلامية من بريطانيا؟ هل لايزال المسلمون يستثمرون في بريطانيا؟