::
لم تمر بضعة أيام من حادثة التفجير الإنتحاري الأخير في مسجد الدمام الذي ذهب ضحيته خمسة شباب في مقتبل العمر (من ضمنهم الإنتحاري نفسه الذي قاده فكر التمجيد بالذبح إلى حتفه) ، إلاّ تصاعدت أصوات الحث على الوحدة بين طوائف المسلمين، حتى من أفواه المنكوبين من ذوي المقتولين الشيعة. هذه النداءات ترتفع حدتها بعد كل مأساة من هذا النوع تحدث على أي بقعة من تلك الأرض التي تشبعت بدماء الفكرة المحمدية عبر التاريخ.
على افتراض أن هذه المناشدة الملحة نابعة عن صدق وقناعة للرغبة في التعايش السلمي بين طوائف المسلمين على اختلافها، ألا ترون أن هذه ندائات غريبة؟
أنا أجدها غريبة لعدة أسباب، أهمها منطقي محض أطرحه بأسلوب إستفساري:
كيف يأمل أحد في التعايش السلمي بين طوائف بدأ التناحر بينها قبل 14 قرن ولايزال مستمر إلى اليوم لنفس الأسباب التي أشعلته أصلاً؟
لم تتغير النصوص أو الأحاديث التي مهدت لـ وحرضت على البغض الشديد المتبادل بتفريقها للبشر على أساسات فكرية محضة وإبهامها في تعريف من هو المختلف والحث على أقسى أنواع العنف ضده. فعندما صرخ النص: اقتلوهم من حيث ثقفتموهم، والقرآن يطفح بمثل هذه الأوامر الدموية السافرة، لم يحدد النص نفسه ماهو بالضبط المقصود من هذا الأمر بقتل الآخرين رغم وضوحه الربوبي المزعوم، بل تركه لأهواء المفسرين على اختلاف توجهاتهم ليصبغونه باللون الذي يحلو لهم، فمنهم من يحلل قتل الجار لجاره والأخ لأخيه ومنهم من يحرمه وآخرون يتذبذبون بين هذا وذاك. وعندما قال محمد: تختلف أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة، فهذا تحريض صارخ على التفرقة وحث مبطن على التقاتل ليس بين المسلمين والمخالفين بل بين المسلمين أنفسهم. لماذا لم يقل نبي الوحدة والرحمة مثلاً: تجتمع أمتي بمختلف فرقها على كلمة لا إله إلا الله، فيكون هذا الحديث حث صريح وتشجيع واضح على الوحدة بين مختلف الطوائف؟
فما الذي تغير منذ ظهور تلك النصوص والأحاديث إلى اليوم حتى يغير المسلم نظرته وسلوكياته تجاه ماتعتبره عقيدته أسوء وأحط أنواع الخلق ويبدأ بتقبيل واحتضان ذلك المخلوق كأخيه في الدين وحبيبه في الإنسانية؟ لم يتغير شيئ، فنفس النصوص ونفس الأحاديث ونفس الأفكار التي كانت سائدة في تلك الفترة الدموية لا تزال سائدة اليوم بنفس عنفها ودمويتها. هذا البغض والتناحر عقائدي المصدر متجذر بالتوارث في ثقافة المجتمع، وليس بقانون وضعي يسهل تغييره بفرقعة إصبع.
فعندما ينادي أحد بوحدة صفوف المسلمين، فهذه المناداة إما أن تكون كاذبة لهدف ما إذا كان المنادي يعرف الحقيقة الجلية أن عقيدة كل طائفة تكفر الآخر، أو أنها نابعة عن جهل مطبق بأمور العقيدة أو سذاجة مدهشة بقوة التعاليم الدينية وشدة تجذرها في رأس المؤمن.
طالما هناك معتنقات ينظر لها بأنها ثوابت ومسلمات ألوهية مقدسة يتوجب على كل مؤمن بها الإلتزام بها وتنفيذها وإن تعارضت مع الفطرة الإنسانية والضمير وجميع القيم السلمية الأخرى، فلن يكون هناك أي أمل للإستقرار والتعايش السلمي بين المذاهب، الإسلامية بالخصوص.
هذا التناحر المتواصل بين الطوائف الدينية الذي يلطخ تاريخ البشرية منذ بدأ تدوينه، بحد ذاته أكبر دليل على بشرية منبع هذه العقائد التي تثيره. ليست هناك حاجة لتقديم دلائل علمية دامغة لكشف بشريتها، إذ يكفي النظر فقط إلى تاريخها الدموي المؤسف لتدرك أنها من إنتاج الإنسان.
* * * * * * * * * *