::
كنت أود منذ فترة طويلة التطرق إلى موضوع الروح لأدلي بدلوي فيه، ولكني وجدت أنه موضوع طويل ومكثف وعميق، له أبعاد دينية وفلسفية وعلمية متشعبة جعلتني أنفر منه لما يتطلبه من وقت وجهد لتحضيره. ولكني لازلت عازماً على تناوله في بوست آخر مسهب لما له من أهمية شخصية لي، ولاشك لشريحة كبيرة من القراء الكرام، حالما يسمح لي الوقت بذلك. فإلى ذلك الحين، هذه بعض الأفكار المقتضبة عنه أطرحها للوقت الحاضر.
لنتخلص أولاً من بعض التعريفات، الهامة بلاشك ولكنها بسبب طبيعتها فهي بلاشك مملة أيضاً، ولذلك فسوف أختصر هذا الجزء من البوست وأحصره على مايعنينا منها فقط. أريد أن أعرّف ماهي الروح.
أعتقد سوف يكفينا أن نعرف مايتفق عليه عامة الناس، في مجتمعاتنا نحن على الأقل، وهو أن الروح هي ذات، والبعض يصفها بأنها طاقة، قائمة بنفسها، تمنح الحياة وينتج عنها الإدراك والوعي والشعور. ومن الأهمية أن نعرف أيضاً أن الروح خالدة لاتموت ولاتتلف كما يتلف الجسد، ولو أمكن أن تتلف فمن الممكن أن تموت أيضاً، وهذا طبعاً يناقض طبيعتها الأزلية.
ماموقف العلم من الروح؟
هل أكد وجودها، أم نقضه؟
حسب تعريف الروح، فالإدراك والوعي والشعور ينتج عنها وليس عن المخ، ولكن العلوم النيورولجية (العصبية) لاتتفق مع هذا الفهم بل تذهب إلى أن هذه الخصائص هي من إنتاج المخ، فأين تقع الحقيقة؟
إن كانت الروح هي مصدر الإدراك والوعي والشعور فما يحدث للمخ من ضرر لايجب أن يؤثر على هذه العناصر لأنها تنبثق من ذات غير قابلة للتلف كالمخ ومنفصلة عنه، وإن لم تكن الروح هي المصدر فمعنى هذا أن وظيفتها تقتصر على منح الحياة فقط وليس لها أي دور أخر، وهذا يناقض المفاهيم التي تؤيد وجودها.
لنطرح هذا المثال من أحد الحالات الطبية ونرى إلى أين يوصلنا:
بعد إصابة مسز بلانفورد بجلطة في الدماغ، إنتابها شلل تام في النصف الأيسر من جسدها فقدت معه شعورها وقدرتها على تحريك أعضائها في ذلك الجانب. فلم تعد تشعر بالنصف الأيسر من وجهها أو يدها أو رجلها اليسرى، أو أن تحرك أي من تلك الأعضاء. وعندما جائها الدكتور الإخصائي، بعد نقلها إلى المستشفى، رفع ذراعها اليسرى ووضعها أمام وجهها حتى تراها وترى أصابعها ودبلتها الزوجية عليها، وجرت هذه المحادثة الغريبة بينهما مع التنبيه أن مسز بلانفورد كانت بكامل وعيها وأن الجلطة لم تؤثر على قدرتها على المخاطبة والكلام:
الدكتور: هذه ذراع من؟
مسز بلانفورد: هذه ذراعك يادكتور.
الدكتور: ولماذا أنا لابس دبلة زواجك؟
مسز بلانفورد: هذه الدبلة موجودة على أصبع مسز بلانفورد.
الدكتور: إذاً لمن هذه الذراع؟
مسز بلانفورد: هذه ذراعك يادكتور.
مسز بلانفورد لم تفقد الشعور والقدرة على تحريك النصف الأيسر من جدسها فحسب، بل فقدت إدراكها أيضاً لوجود هذا الجزء من بدنها، فهي لم تتعرف حتى على يدها. هذه الحالة ليست نادرة إنما شائعة لمرضى الجلطة التي تصيب النصف الأيمن من المخ، وتسمى طبياً "إهمال" أو "تجاهل" Neglect. وفي هذه الحالات لايمكن إقناع المريض بأن ذراعه اليسرى تنتمي له حتى لو رآها موصولة بجسده. فما تفسير هذه الظاهرة الغريبة؟
ينقسم الدماغ إلى جزئين، لكل نصف وظيفة مميزة ومختصة، فالنصف الأيسر يختص في المخاطبة والتعامل مع حركة وإحساسات الجانب الإيمن من الجسم واستيعاب جميع المعلومات التي تأتيه من الجانب الإيمن لمحيط الإنسان وعالمه الخارجي. أما النصف الإيمن من الدماغ فهو للتعامل مع المعلومات الغير خطابية Non-verbal واستيعاب مايجري في الجانب الإيسر من عالمه. جلطة مسز بلانفورد أصابت النصف الأيمن من مخها وأوقفت عمله، ففقد القدرة على التعامل مع المعلومات التي تأتيه من النصف الأيسر من محيطها، بما فيه النصف الإيسر من جسدها. ولكن ليس من وظيفة النصف الأيسر السليم من المخ أن يميز ذراع مسز بلانفورد الأيمن، وليس باستطاعته أيضاً أن يعوض فوراً عن هذا النقص. فالنصف الأيسر من المخ لايعرف أن النصف الإيمن لجسد مسز بلانفورد موجود، ولا حتى إن كان الجزء الإيمن من عالمها الخارجي التي تعيش فيه موجود أصلاً. فالنصف الإيمن من دماغ مسز بلانفورد قد أخفق في وظيفته بسبب الجلطة في التعرف على ذراع مسز بلانفورد الأيمن، وأخفق أيضاً لنفس السبب في إبلاغ النصف الأيسر أنه يعاني من مشكلة. فكنتيجة لذلك الإخفاق، أن عقلها كله لايعرف إطلاقاً مالذي يحدث في عالمها الإيسر.
فعندما نظرت مسز بلانفورد إلى ذراعها الأيسر، كانت تعتمد على النصف الأيمن من دماغها للتعرف عليه وإخبارها عنه لأن هذه هي وظيفته، ولكن ذلك الجزء من مخها لم يعمل بسبب التلف الذي أصابه من الجلطة، فوقعت مهمة فهم مايدور حول مسز بلانفورد على النصف الأيسر من دماغها الذي حاول جاهداً تفسير مايجري حوله وفقاً للمعلومات الناقصة المتوافرة لديه والتي تخلو ممايحدث في النصف الأيسر من جسد وعالم صاحبته. وهذا ما دفعه إلى تقديم تفسير وجده هو معقول، كما أظهرت المحادثة التي جرت بينها وبين الدكتور، إنما كان في واقع الأمر خاطئ.
هذه الحالة، وحالات أخرى كثيرة غيرها، تُثبت أن وعي الإنسان ليس بكيان واحد كامل بل هو في الحقيقة حصيلة أجزاء متفرقة، ينبع كل جزء منه من منطقة مختلفة من مخه، فإذا تلفت إحدى تلك المناطق ذهب معه ذلك الجزء من وعيه. فعندما تلف النصف الأيمن من مخ مسز بلانفورد أختفى النصف الأيسر من عالمها بما فيه جسدها هي. فكيف يتوافق هذا الكيان الإدراكي المجزّء المعرض للضرر مع مفهوم الروح الواحدة المتكاملة التي لاتتعرض للموت ولا للتلف والتي يُفترض أنها تُنتج الوعي والإدراك؟ لماذا يتأثر جزء معين من الإدراك عندما يتلف ذلك الجزء المعين من الدماغ إذا كان الوعي كعنصر واحد كامل يصدر من ذات هي مستقلة بنفسها؟
في الواقع لايوجد توافق، لأن لو كان الإدراك والوعي والشعور نابعين عن الروح لما تأثروا بالجلطة التي أصابت المخ، ولما فقدت مسز بلانفورد إدراكها لنصف محيطها ووعيها حتى بما إذا كانت ذراعها ملكها أم ملك الدكتور بالرغم من أنها لاتزال تراها متصلة بجسدها. إنما هذه الحالة تُثبت بأن الإدراك والوعي والشعور هم نتاج المخ وليس أي شئ آخر غير قابل للقياس مثل الروح ...
في الواقع لايوجد توافق، لأن لو كان الإدراك والوعي والشعور نابعين عن الروح لما تأثروا بالجلطة التي أصابت المخ، ولما فقدت مسز بلانفورد إدراكها لنصف محيطها ووعيها حتى بما إذا كانت ذراعها ملكها أم ملك الدكتور بالرغم من أنها لاتزال تراها متصلة بجسدها. إنما هذه الحالة تُثبت بأن الإدراك والوعي والشعور هم نتاج المخ وليس أي شئ آخر غير قابل للقياس مثل الروح ...
فهل قتل العلم الروح إذاً؟
في الواقع أنه منذ بدأ العلم التجريبي وإلى الآن لم يظهر دليل علمي واحد يُثبت وجود الروح، ولايعني هذا طبعاً أن الروح ليست موجودة لأن العلم لم ينقضها بالدليل القاطع، أي أنه لم يقتلها. إنما لايمكن تجاهل أن جميع الأدلة الموجودة إلى الآن، كما رأينا من حالة مسز بلانفورد، تشير إلى عدم وجودها. فيبقى مفهوم الروح مسألة إيمان فقط غير مدعم بالعلم.
ماهي الروح؟ ماهو تعريف الروح؟ مامعنى الروح؟ هل الروح موجودة؟ أين الروح؟ أين تتواجد الروح؟ هل تموت الروح؟ ماهي دلائل وجود الروح؟ ماهو دليل وجود الروح؟ هل التفكير في الروح؟ هل مركز التفكير في الروح؟ هل الوعي في الروح؟ هل مركز الإدراك في الروح؟ هل مركز الإدراك والوعي في الروح؟ هل مركز الشعور في الروح؟ لماذا لانرى الروح؟ لماذا لاتموت الروح؟ ماهي خواص الروح؟ هل رأى أحد الروح؟ هل يمكن رؤية الروح؟ هل من الممكن قتل الروح؟ ماهي أوصاف الروح؟ هل للروح وزن؟ هل للروح شكل؟ ماهو شكل الروح؟ أين تسكن الروح؟