هذه "قنبلة القيصر" الهايدروجينية، أكبر قنبلة نووية فجرتها البشرية، تعادل قوتها 58 ميغاتون:
::
::
وهذا إنفجار شمسي يسمى بـ سوبرنوفا، أكبر إنفجار طبيعي يحدث في الكون، تعادل قوته 28^10 (واحد على يمينه 28 صفر) ميغاتون:
::
::
وهذه قنبلة تعبيرية شهيرة للعالم الفيزيائي والروائي العلمي آرثر سي كلارك، وبالرغم من ظاهر بساطتها فهي تمثل برأيي أشد فكرة ناسفة لمفهوم الإله ... لاتقاس قوتها بشيئ:
Any sufficiently advanced technology is indistinguishable from magic
أي تكنلوجيا متقدمة بشكل وافي لايمكن تمييزها من السحر [أي بينها وبين السحر. وكلمة السحر في العبارة تشمل أي قوة ميتافيزيقية أو غيبية أو ماورائية].
ومضمون العبارة يتضح في هذا التشبيه:
قدراتنا التكنلوجية اليوم، متمثلة في إنجازات كالتلفزيون والسيارة والطائرة مثلاً، سوف تبدو كالسحر للبشر قبل عشرة آلاف سنة، والقدرات التكنلوجية للبشرية بعد عشرة آلاف سنة قد تبدوا لنا (أو لبعضنا على الأقل) كالسحر لو رئيناها اليوم.
هذا على المستوى التكنلوجي الناتج عن عشرة آلاف سنة من التقدم العلمي، ولكن يكفي النظر إلى ماتم تحقيقه من طفرة علمية/تكنلوجية خلال المئة سنة الماضية فقط، من إختراع الكمبيوتر والموبايل وفلق الذرة والهبوط على القمر، لتكوين فكرة عن المستوى التكنلوجي الذي سوف تصل إليه البشرية بعد مليون سنة، أو عشرة ملايين سنة، أو مليار سنة (على أفتراض أيضاً أن البشر سوف يبقون أحياء إلى ذلك الوقت).
مايعنيه آرثر سي كلارك في مقولته، وهو واقعي وصحيح قياساً بماحققه البشر خلال القرون الماضية فقط، أن التقدم التكنلوجي في المستقبل البعيد من الممكن أن يصل إلى مستوى من الصعوبة أو حتى من الإستحالة التمييز بينه وبين أعمال الإله. إذ مايستطيع الإله عمله، سوف يستطيع البشر عمله أيضاً ... ربما حتى خلق كون آخر ببشر آخر فيه. وهذا ليس مبالغة، إذ أننا على عتبة خلق الحياة في المختبرات اليوم، والمصادم الهادروني الكبير حالياً قادر على خلق ثقوب سوداء، ونحن لانزال في مهد الحضارة المستقبلية المقصودة في المقولة.
هذه الإمكانية محتملة، ليست بالضرورة من قبلنا نحن البشر في المستقبل، بل ربما هي موجودة الآن تم الوصول إليها من قبل كائنات أخرى غير بشرية في مكان ما في مجرتنا، أو خارجها في الكون الواسع. وهذا يطرح إشكال فلسفي ديني مقفول لايمكن، برأيي، التملص منه، وهو:
أن مجرد وجود إحتمال، الإحتمال فقط دون الحاجة إلى حدوثه، أن هناك حضارة متقدمة بشكل وافي في مكان ما في الكون، يثير الشكوك فيما إذا كان وجودنا نحن على الأرض هو نتاج لتقدمهم التكنلوجي أم نحن نتاج خلق رباني أو تطور دارويني. كيف لنا أن نعرف أننا لسنا مكونات لبرنامج كمبيوتر متطور تديره كائنات متقدمة عنا بملايين السنين؟
والأدهى من ذلك هو هذا التساؤل:
كيف للإله نفسه أن يثبت لنا بأنه هو خالقنا ولسنا في الواقع نتاج كائنات أخرى أكثر تقدماً منا؟ مالذي يستطيع الإله تقديمه لنا كبرهان على وجوده؟
هل يفلق القمر أمامنا؟
هل يطفئ الشمس؟
هل يوقف دوران الكرة الأرضية؟
هل يطوي السماء؟
هل يبخر البحار من مياهها؟
هل يكتب على السماء آيات قرآنية؟
هل يرسل لنا جبرائيل بجيوش من الملائكة؟
أي عمل خارق يحدث أمامنا، أياً كانت عظمته، من الممكن تعزيته إلى مخلوقات أخرى متقدمة حضارياً - علمياً وتكنلوجياً - بشكل وافي، وليس بالضرورة نسبه إلى إله، سواء تحققت تلك الأعمال الخارقة فعلياً أو أوهمنا بها بواسطة تحكم تلك المخلوقات بما تستقبله أمخاخنا.
فمن الإستحالة إذاً التمييز بين ماإذا كان الفاعل هو الإله أو أنها مخلوقات أخرى. وحتى محاولة إدخال الإيمان الرباني بشكل مباشر إلى عقول البشر بواسطة الإله لو قام بذلك، سوف تتمكن من نفس العمل تلك المخلوقات المتقدمة إذا رغبت في ذلك، ولكن في هذه الحالة سوف تنتزع منا حرية التفكير وسوف يكون قناعتنا بوجود الإله، سواء كانت تلك القناعة ناتجة عن تدخل الرب أو المخلوقات المتقدمة، قناعة مرغمة وليست ناتجة عن إختيار منا لها مبني على تقييم وتفكير حر.
هذه الخاطرة ليست مجرد تمرين ذهني فلسفي الهدف منه إثارة الجدل أو الخيال، بل هي تعبير جاد يتناول وضع دنيوي محتمل الوجود. فعمر الكون يفوق الـ 13 مليار سنة، وعمر البشرية بقدراتها العقلية الحالية لاتتعدى المليون سنة بالكثير. ولكن ماتوصلنا إليه من تقدم حضاري يتمثل بمعرفة علمية وإنجازات تكنلوجية مذهلة، حدث خلال حقبة تقاس بومضة عين نسبةً لعمر الكون، فتصوروا مدى التقدم العلمي والتكنلوجي الذي حققته مخلوقات حضارية أخرى في الكون بدأت منذ مئات الملايين أو ربما حتى منذ مليارات السنين.
فلاتوجد لدينا أي وسيلة للتحقق، بأي دليل أو برهان مهما يبدو مقنعاً، من وجود الإله. ومن الإستحالة أيضاً على الإله نفسه أن يقنعنا بوجوده طالما كان هناك إحتمال بوجود تكنولجيا متقدمة بشكل وافي في مكان ما في الكون، وطالما أتيحت لنا حرية التفكير بتلك الإحتمالات.
* * * * * * * * * *