::
سألني أحد الأخوة/الأخوات في تعليق على بوست سابق (لا يحضرني أيهم)، في محاولة منه/ا لفهم كيف أتعامل كعضو منتمي إنما خارج عن التقاليد الدينية للمحيط المسلم المتدين الذي أعيش فيه، عما إذا كنت أصلي أو أصوم بينهم، وكيف يتعامل أفراد ذلك المحيط مع رفضي لو كان مكشوفاً.
وكان ردي عليه هو أن موقفي الرافض للإمتثال لخرافتهم الموروثة والإنصياع لشرائعها مكشوف ومفتوح بين جميع أفراد أسرتي القريبة، فلا أنفق دقيقة من عمري في ترنيمات سجع كهان كنعان أو أداء مراسيمها، ولا أجوّع جسدي أو أحرم عقلي إرضاءً لآلهتها. ولكني في نفس الوقت لا أنتقد أفراد عائلتي على تمسكهم بمفاهيمها والإلتزام بطقوسها. فبيني وبينهم هدنة صامتة غير معقودة، تقضي بألاّ يتدخلوا بنمط حياتي، ولا أتدخل بشعائر خرافاتهم. والهدنة بيننا، إلى حد الآن، ناجحة.
إنما، رغم نجاح الهدنة في الحفاظ على الترابط الأسري وتوطيد حالة الإستقرار والسلام بيننا، إلاّ أنها هدنة مؤرقة للطرفين. مؤرقة بالنسبة لهم لقناعتهم بأن مصيري سينتهي على باربكيو الخلود، ومؤرقة بالنسبة لي لأني أرى حياتهم تنحسر أمامي يوماً بعد يوم وهم يبعثرون أدراج الرياح شريحة هائلة منها في مراسيم فارغة، ويحرمون أنفسهم من ملذاتها وفرصها. فلا هم يستطيعوا وعظي، ولا أنا أستطيع تنبيههم، وكلانا يعيش في حالة من التوتر والقلق المزمن أسفاً على الآخر.
ولكن من جانب آخر، ربما يكون هذا القلق الصامت المتبادل غير متساوي بين الطرفين. فمن طرفي، أشعر أحياناً أن وهم الإيمان بوجود حياة أخرى أفضل وأسعد وأغنى من هموم ومشقات وحرمان حياة بعض الأفراد، من داخل الأسرة وخارجها، قد ترسخ وتجذّر في تفكير حامله حتى أصبح جزءً مصيرياً من كيانه ووجوده، يتعدى بكثير مجرد طموحه وأحلامه، خصوصاً إذا كان ذلك الشخص متقدماً في السن. وانتزاع هذا العمود الأساسي من بنية قناعاته وتطلعاته التي شيدها فوقه لربما يسبب تداعي مدمر في نفسيته تكون نتائجها أسوء بكثير من دمار العقيدة لها. فإحساسي باحتمال وقوع هذه النتيجة الخطرة يخفف علي نوعاً ما هموم رؤية أقربائي وأصدقائي وهم يتخبطون في عتمة ضباب الوهم والخرافة.
أذكر هذه الخاطرة العابرة اليوم ونحن في نهاية مطاف سنة كاملة من الحياة وعلى عتبة الدخول في حقبة جديدة منها. ولكن كلما ألتفت حولي في هذا الوقت من كل عام، أرى في الغالب نفس السلوكيات ونفس الأفكار والعقائد، لم تتغير، سوى أن نفس الرؤوس المؤلوفة التي تحملها قد بدأت أخاديد الكبر والشيخوخة تظهر على وجوهها، وتزداد عمقاً ...
وهذا هو المؤشر المرئي الذي ينبأ بدنو حياة سجناء الوهم والخرافة، ليس من دار السعادة والبقاء، إنما من حتمية العدمية والفناء.
* * * * * * * * * *
هناك 7 تعليقات:
I am impressed of what you wrote. I also do the same thing. And I feel sad about family as they waste their lives following a fairy tale..
يراودني نفس الاحساس
راق لي ما كتبت, رائع كالعادة
شعراوي
شر البلية ما يضحك .!!
قد أتفق مع جل ما قلت خصوصا عدم تدخل العائلة أو الأسرة في أحد قرارات أبنائها الشخصية, لكن بخصوص عدم تجويع نفسك: كل الدراسات العلمية تثبت أهمية الصيام للجسم, سواءا في بعده الديني أو كنمط موازنة معادلات القوى داخل الجسم. ألا تجوع نفسك و لو مرة في العام يشبه المحرك الذي يعمل دون توقف. بالطبع سيتعطل من كثرة الاجهاد, كما أن الذين يأكلون أقل يعيشون أطول. هذا لا يعني بالطبع حرمان النفس من الملذات المشروعة و المتاحة لكن بشكل مقنن D:
سلام
نحن منتهين من قضيه بشرية الاديان
لكن كالذي يجعلك تؤمن بالعدميه؟ لاتقسي على نفسك كثيرا
فانا اعتقد ان هناك قصه ومرحله تنتظرنا بعد الموت
انه انتقال من بعد الى ابعاد اخرى
شكرا
شكرا
إرسال تعليق