::
قصة إلحاد أستاذة جامعة في الجزائر، مع وافر الشكر لها على إرسالها لنا.
لقد ولدت وتربيت في كنف عائلة مسلمة بالوراثة وفي بيئة محافظة، وخصوصاً في ما يتعلق بالمرأة وحريتها. ولكني حظيت بوالدين محبين للعلم رغم أميتهما وذلك لأنهما قد حرما منه في طفولتهما لظروف إجتماعية قاهرة. أهم ما في الموضوع هو كوني قد حبيت بحب كبير للمطالعة وكانت القراءة هوايتي منذ الصغر، بل وهوسي كما تقول أمي، حتى أن معلمتي بالإبتدائي قد لاحظت أنني في حصة المطالعة ألتهم قصتي ثم أتبادلها مع زملائي، فلا تنقضي الحصة حتى أكون قد قرأت نصف القصص الموزعة علينا. وقد حملها هذا على أن أهدتني كتاب عقيدة المؤمن لأبي بكر الجزائري، فكان ذلك أول كتاب أقرأه وأنا بسن العاشرة.
وفي المرحلة المتوسطة كان الإنفجار على الكتب الدينية، فقد كانت المكتبة تسمح باستلاف ثلاثة كتب وكذلك في الثانوية. ولكني لا أخفي عليك أن مطالعتي في تلك المرحلة كانت ممزوجة بكتب الأدب والشعر، فلم تمر تلك الفترة حتى كنت قد قرأت الكثير للعقاد والمنفلوطي وأحمد أمين وتوفيق الحكيم وجرجي زيدان وأنيس منصور ونجيب محفوظ والطاهر وعبدالحميد بن هدوقة و... و... و... والقائمة طويلة. كما قرأت لدعاة وشيوخ معتدلين خصوصاً الشيخ محمد الغزالي الذي أستطيع القول أني قد قرأت جل ماكتب.
ثم جائت الجامعة. ودعني قبل الحديث عن الجامعة أن أصارحك بأن الجو في بيتنا لم يكن متشدداً بل منفتحاً، فأنا قد ارتديت الحجاب بإرادتي عند حصولي على شهادة البكالوريا وكان تشدد أبي وأخوتي يدور حول رفضهم التام للإختلاط بين الجنسين. كما أن أهلي قد لاحظوا شغفي بالدراسة وتفوقي، فلم يصدر مني أي تصرف يجبرهم على تقييدي. الجامعة كانت أملي وفرصتي لأرى العالم بعيداً عن المنطقة التي كنت أسكنها، حيث الجميع يعرف الجميع، والجميع يراقب الجميع.
تعرفت على الكثير من الأصدقاء وكانت هواية الجميع التعرف على المدينة [التي أسكنها] وأحيائها وجسورها. فكنا في أوقات فراغنا نذهب مباشرة في نزهة من الجامعة إلى المدينة. وذات يوم ونحن نتجول، وجدنا أطفالاً يحملون كتباً تبدو دينية ويمزقونها ويطؤونها بأرجلهم، وعندما سألناهم أخبرونا أنها أناجيل أعطوها لهم في الكنيسة البروتستينية. وفعلاً فقد كانت الكنيسة قرب المدرسة، وقررنا الدخول والإستكشاف، فوجدنا امرأة ورجل (مسلم سابق من بلاد القبائل عندنا)، رحب بنا الزوجان وحدثانا طويلاً وقدحا في ديننا برواية قصة تحول الزوج من الإسلام إلى المسيحية. لقد قال لنا أن أهم أسباب تركه للإسلام هو كونه لا يتكلم اللغة العربية (لغته الأم هي الأمازيغية ويحاورنا بالفرنسية). أخبرنا أنه لم يستطع يوماً أن يحب أو يتواصل مع رب لا يفهم غير العربية ولا يعبد إلا بها. المهم أننا خرجنا من الكنيسة مجروحين وخائبين، فرغم ثقافتي الدينية وقفت واجمة أمام الكثير من حججه ضد ديننا، وخصوصاً ضد نبينا وسمعته الجنسية الطيبة؟؟؟؟؟
لقد كانت تلك الزيارة نقطة تحول في حياتنا وأخذنا عهداً على أنفسنا أن نكرس حياتنا دعاة ومدافعين عن الإسلام. ورغم أن تخصصي في الجامعة كان اللغة والحضارة الإنجليزية، إلا أنني كنت أنفق معظم وقتي في تحصين إسلامي بمطالعة الكتب الدينية، وقد أوحى لي عقلي أن الدعاة والشيوخ المعاصرين لا يسمنون ولا يغنون من جوع، فالتفت إلى كتب الدين القديمة وهنا بدأت رحلتي من ابن تيمية وابن قيم الجوزية والغزالي والنووي والذهبي وابن الجوزي والبخاري وابن كثير والقائمة طويلة كما تعلمون ومؤلفاتهم لا تعد ولا تحصى. ولكن قبل قرائتي لهذه الكتب جميعها، كانت صديقة لي قد أهدتني كتاب قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن لنديم الجسر، وإن كنت قد اطلعت عليه فلا بد أنك تعلم كيف أن الكاتب يأخذك في رحلة ساحرة علمية منطقية إلى الإيمان بالله. وثغرة كل مسلم تكمن في عدم انتباهه للقفزة التي يقفزها كل دعاة الإيمان من اثبات ان الله حق إلى ادعاء أن الإسلام حق؟؟؟؟ فالكاتب لم يزعج نفسه بجمع الأدلة الفلسفية والعلمية ليثبت صحة الإسلام، بل استعمل الإسلام نفسه كدليل على وجود الله. إنما كانت قراءة هذا الكتاب الفاصل في حياتي وصار إيماني جبلاً لا تهزه الرياح.
ولا أخفي عليك أنني طيلة حياتي كانت تنتابني الشكوك والتساؤلات التي تعتري كل مسلم، خصوصاً قضية وجود الشر في وجود رب قادر عليم، وكنت ككل مسلم أبررها بأنه ابتلاء، ثم أعود فأسأل نفسي ولم الإبتلاء؟ وأسئلة أخرى كثيرة سأطرحها كلها في مدونتي التي سميتها bigquestions لأنها الأسئلة التي لم ولن أجد لها إجابة في الإسلام. كنت الداعية إينما ذهبت، في الجامعة وفي البيت وفي الحافلة.
أكملت دراستي وحصلت على شهادة الماجستير متخصصة في اللسانيات وتحقق حلمي في أن أمتلك منبراً للدعوة عندما أصبحت استاذة في الجامعة. لم أفوت أي فرصة إلا ومررت رسائل دينية للطلبة، فمهما كانت المادة التي أدرسها، سواء Oral expression أو Research methodology أو TEFL كنت أستعمل أمثلة إسلامية لتقريب المعلومات إلى أذهان الطلبة، وكنت أستغل فرصة احتياج الطلبة لمصادر وكتب في بحوثهم حتى أملأ الـ flash disk بمختلف الكتب الإسلامية. ولا أخفي عليك أنني إنسانة مرحة ومحبوبة وجميلة، كما أن حجابي أنيقاً ولا يوحي بتزمت أو تشدد، كلها عوامل ساعدتني على تحقيق مأربي.
وذات يوم وفي عملية تبادل للمصادر العلمية كالعادة مع صديقة لي، وجدت في الـ flash disk مجموعة متنوعة من الكتب التي لم أقرأها من قبل: سدنة هياكل الوهم لعبد الرزاق عيد، يكذبون لكي يروا الله جميلاً للقصيمي، التفكير في زمن التكفير لأبو زيد .... واستيقضت الشكوك المكبوتة بعنف، فالقصيمي يصعقك وعيد يزعزع كل مسلماتك وبديهياتك ونصر يوقضك. فقررت أن أغير مجرى مطالعتي، لابد أن هناك خللا ما. بدأت أول الأمر بتجميع كل تساؤلاتي ودونتها، ثم بدأت قراءة الكتب التي ترد عليها، وكانت المفاجأة: ليس هناك أي أجوبة مقنعة، الكل يلفق، الكل يلف ويدور. فمثلاً كتاب سليمان بن صالح الخراشي الذي يجمع فيه ردود أهل العلم على القصيمي، لا يحتوي على أي إجابة على أي من القضايا التي أثارها القصيمي. وجائت العطلة الصيفية وجاء رمضان، وكانت فرصتي للمطالعة، فالنهار طويل والزوج غير متطلب في الأكل. تفرغت للإنترنت وأخذت أبحث في المدونات والمواقع، عثرت عليك وعلى ابن كريشان والراوندي وابي لهب والشلة كلها، يتسائلون نفس تساؤلاتي ويفكرون بالقضايا نفسها التي تشغلني، بل وفي سلاسة ويسر يجيبون ويحللون. يكفي أن تنزع فكرة أنك مسلم من رأسك وتبدأ التفكير النقدي حتى تنهار الأسطورة أمامك بيسر وبدون ضجة حتى.
يارب أين أنا من كل هذا؟ لم لم أعثر على أي من هؤلاء من قبل، إلى هذه الدرجة كنت في غيبوبة؟ تركت الإسلام بفضلكم، لقد مر حوالي شهر ونصف منذ أن تحررت، سعادتي لا توصف. أين أنا طيلة ثلاثون سنة من عمري، قضيتها في لوم نفسي على تأجيل الصلاة وترك الذكر وعدم إيجاد الوقت لقراءة الورد (أم لبنتين) والطاقة الضائعة في الدعاء وكره واحتقار غير المحجبات.
أنا في بداية المشوار، ولكني أريد فقط أن أؤكد أنه كلما كان اطلاعك على الإسلام واسعاً وعميقاً، كلما كان تركك له عنيفا ونهائياً. للحديث بقية وأعتذر على الأخطاء الإملائية واللغوية.
وتوجد روابط لجميع البوستات في سلسلة مقالات لماذا أصبحت ملحد، تجدونها في أسفل الهامش على يمين الصفحة.
حدثنا عزيزي القاريئ/عزيزتي القارئة عن أسباب إلحادك حتى ننشره في المدونة. يمكنك إرسال قصتك بواسطة الإيميل إلى basees@ymail.com أو كتابتها كتعليق على أي بوست في المدونة.
* * * * * * * * * *