قرأت على موقع البي بي سي قبل يومين، أن القائد الطلباني مُلاّ نظير قد لقى حتفه في غارة لأحد الدرونات الأمريكية (طائرة مسلحة بدون طيار، في الصورة أدناه). وهذا القائد يمثل أحد الأربعة فرق الطلبانية الرئيسية التي تقاتل قوات التحالف في أفغانستان. وقتله الذي شمل نائبه راتا خان أيضاً وأربعة من أتباعه المقاتلين يعتبر ضربة كبيرة ضد هذه المجموعة الطلبانية.
ما أثار خواطري في هذا الخبر، ليس مستوى الإنجاز العسكري الذي حققته إزالة هذا الرجل ونفوذه من الساحة، أو درجة الخسارة الإستراتيجية للمقاتلين الطلبان بغيابه، فهو ليس بانتصار أو خسارة تحدد مصير الحرب القائمة هناك، رغم أن البي بي سي قد نشرته كالخبر الأول في صفحتها الرئيسية لأهميته بنظرهم. إنما أهمية الخبر بالنسبة لي هو فكرة أن السماء نفسها قد خسرت، فخسارة أعوان الرب هو خسارة للرب. أن الرب قد فقد لواء كبير في المعارك الطاحنة المستمرة التي تدور بين جنوده وجنود أعدائه. هو سقوط أحد أهم الجنرالات العسكريين التابعين لقيادة أركانها العسكرية في حربها القائمة لسيادة رسالتها وهيمنة كلمتها.
وكيف تكبدت القيادة العليا في المقر الأعلى قرب سدرة المنتهى هذه الخسارة؟ تكبدتها كنتيجة للفرق الشاسع في الإمكانيات التقنية الحربية بين أولياء الله وأعدائه، وفي مستوى تطور وقوة وأداء وفعالية الجهاز العسكري المنظم للمشركين والكفار، الذي يتمثلون في قوات التحالف. تكبدت السماء خسارة فادحة بسقوط أحد أهم جنرالاتها المدافعين بكل صدق وأمانة عن رسالتها، والعازمين على تطبيقها بحذافيرها، رغم ما يشاع عن إمكانيات القيادة السماوية وقوتها وجبروتها الميتافيزيقية اللامحدودة. فمن الواضح أن معيار النجاح العسكري والمدني على حد سواء بين مخلوقاتها البشرية يقاس بدرجة التقدم التقني العلمي العلماني اللاديني الذي لايهتم بصلاة أو زكاة، وليس بدرجة القدرة الربوبية الداعمة أو الإعتراف بها والسير على منهجها. فنتائج الأولى محسوسة وملموسة، ونتائح الثانية مزعومة ليس لها دليل. وهذا يجعل وجود الرب نفسه، إن كان موجود، وعدم وجوده سيان، فلا قوة الإيمان ولا شدة الدعاء ولا سحر خاتم سليمان سوف يستطيع إيقاف فتك صواريخ الدرونات القناصة.
الرب الذي لايتدخل لنصرة عباده إلاّ من خلال درجة إيمان عباده له، فهذا الرب لا يتواجد إلا في مخيلة الموهومين به. وأي نصر تحققه درجة الإيمان، فهو نصر ناتج عن عوامل سايكولوجية وليست سماوية.
فكرة أن هناك رب كامل العلم والقدرة، وأنه يحاول توصيل تعليماته إلى رعيته بواسطة سلسلة طويلة من الأنبياء والرسل عبر العصور، وأن محاولاته قد بائت بالفشل الواحدة تلو الأخرى، ولاتزال مستمرة إلى اليوم، رغم كمال علمه وقدرته، وكثرة إغرائاته وتهديداته وعقوباته، التي شملت جميع أنواع الكوارث الطبيعية من زلازل إلى أعاصير إلى فياضانات غطت الكرة الأرضية بأكملها، وإلى هذه الساعة تتكبد قواته على الأرض الخسائر العسكرية الفادحة المتلاحقة، هي فكرة تستحق جائزة أوسكار لو تبنتها هوليود لفلم كوميدي.
ولا يزال رغم ذلك الدليل الفاضح، البنس لم يسقط في ذهن المؤمن.
* * * * * * * * * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق