::
صدر وجع جديد لقناعات المؤمن، يدعم نظرية التطور اللعينة هذه اللاصقة في حلقوم قناعاته، والتي لاتزال حية ونشطة رغم أن عمرها يفوق المئة وخمسون سنة الآن، ولاتزال تقاوم، بل وتزداد نشاط وحيوية، مقابل الهجمات الدينية العنيفة التي توجه ضدها، والتكهنات الأحلامية من معارضيها، المتدينين طبعاً، بقرب موتها.
وسبب هذا الكره الشديد من المتدينيين لهذه النظرية العلمية الصلبة وتمنياتهم بموتها هو، كما تعرفون، مضمونها واستنتاجها الذي يثبت أن قصة خلق الحياة التوراتية/القرآنية ماهي إلاّ:
هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراء، من إنتاج مؤسسة دار الفراغ المعرفي، المسمى أيضاً بدار الجهل، التي كانت تهيمن منشوراتها على ثقافة الإنسان القديم.
هل قلت لكم من قبل أنه لا يوجد دليل واحد، من تلال الأدلة المتراكمة خلال المئة والخمسون سنة الماضية من أبحاث ودراسات واكتشافات، يناقض النظرية؟ ولا دليل واحد. وهل قلت لكم أيضاً أن جمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيع الأدلة الصادرة من تلك الدراسات والبحوث، والمكتشفة من الحفريات، تدعمها، أو على الأقل لا تناقضها؟ طبعاً قلت لكم، والكثير منكم يعرف ذلك أيضاً، ولكني أتلذذ بإعادة كتابة هذه الحقائق التي تعري بشرية هذه النصوص الكارثية.
وأود في هذا البوست أن أضيف إحدى الدراسات الأخيرة الى تلال الأدلة الأخرى التي تدعم النظرية، وهي دراسة تبين سهولة تطور إحدى أعقد الأجهزة في جسم الحيوانات البرية، وهو حوض الوسط وأربطته، الذي يمكن تلك الحيوانات، ومنها البشر، من المشي على الأرض.
توجد في نظرية التطور، كحال النظريات العلمية الأخرى، بعض الثغرات والجزئيات الغير مفهومة تماماً، يحاول العلماء أن يسدوها من خلال البحوث والدراسات المتواصلة التي تجري على أي نظرية علمية. وهذه الثغرات والجزئيات هي إحدى المماسك القليلة التي تحاول المعارضة لها، والتي تقوم على دافع ديني في أساسه وليس علمي، التشبث بها والإنطلاق بالهجوم منها. وإحدى تلك الجزئيات التي يذكرها المتدينون في نقدهم للنظرية هي كيف تطور الحوض وأجزائه الشديدة التعقيد في الحيوانات البرية إذا كانت أصولها سمك بدون حوض؟
هذا النوع من الأسئلة التي يستخدمها المتدينون بشكل يكاد يكون حصري لإقحام كيان ميتافيزيقي لتفسير ظاهرة ما، هو في الحقيقة مغالطة منطقية تمسى بـ : الإستناد إلى الجهل Appeal to Ignorance أو الإستناد إلى رب الثغرات، تقود مستخدمها إلى الإنكباب على وجهه دائماً بعد حسمها علمياً.
ففي مثال تعقيد حوض الوسط في أجسام الحيوانات البرية وحيرة العلماء بكيفية تطوره من أجزاء سمكية بسيطة للغاية خلال الفترة القصيرة التي تحولت بعض الأسماك فيها إلى حيوانات تنتقل بالمشي على اليابسة، ومنها تفرعت الأصناف المذهلة التي نشاهدها في كل مكان حولنا، اكتشف طاقم من العلماء من جامعة موناش في أستراليا وجامع أبسالا في السويد في بحث نشر مؤخراً أن تطور الحوض في الحيوانات البرية لم يكن في ذلك التعقيد الذي يبدو على الظاهر، إنما الخط التطوري الذي مر به كان أبسط بكثير مما كان يعتقد في السابق، وكان من الممكن أن يتطور الحوض بتعقيداته من أجزاء أولية بسيطة موجودة في الأصول السمكية.
لن أدخل في شرح مفصل عن الآلية التي اتبعها خط تطور الحوض من السمك فلا توجد لدي تفاصيله وليس هذا الهدف من البوست، إنما الهدف هو طرح هذه الدراسة كمثال لإبراز هشاشة المعارضة الدينية المقنعة بوجه العلم حين تستخدم للدفاع عن مفاهيم خاطئة بشكل واضح وفاضح. فالنتيجة دائماً تكون التقهقر والتنطط للجانب الديني ومحاولته في التنقيب عن ثغرات أخرى يستخدمها لصيانة خرافته والدفاع عنها. وهذا البحث أزال بكل بساطة إحدى قوائم المعارضة التي كان يستند عليها المؤمن في رفضه لحقيقة أغرقتها البحوث بالدلائل على صحتها. رفضها لا لسبب سوى تمسكه بأفكار وتقاليد موروثه وخوفه من مواجهة الواقع.
إنما حيز التقهقر والتنطط ينكمش وثغرات معارفنا تتناقص طوال الوقت مع تقدم العلوم والإكتشافات، وسوف يأتي يوم لن يكون هناك حيز أو ثغرات كافية لأن تتحرك فيها المعارضة. وأنا أشاهد هذا اليوم يقترب بسرعة مذهلة.
* * * * * * * * * *