::
ألم تشعروا أحياناً برغبة عارمة في توجيه لكمة حامية لوجه أحد؟
لست عنيف الطباع، وميولي مسالمة، ولكني أشعر أحياناً برغبة في استخدام الأسلوب اليدوي عوضاً عن المنهج الحواري الهادئ في التعامل مع بعض الحالات. ويوم أمس الماضي، انتابتني هذه الرغبة في استخدام الكف ضد شاب في حالة حدثت أمامي بينما كنت مصطفاً في طابور الكاشير في الجمعية (السوبرماركت).
الشاب كان واقفاً في الطابور الموازي لي وبجانبه فتاة محجبة لايبدو أن سنها يزيد عن 18 عاماً. وخلال لحظة إلتفاتي العفوية تجاههما، زعق الشاب في وجه الفتاة بغضب:
"غطي غذلتك [ناصية الشعر] ياحمارة". ثم أتبع نهيقه المسموع بصفعة، مسموعة الصدى أيضاً، على وجهها. فتلفتت البنت حولها بذهول لتشاهد الزبائن يحدقون بها، ثم طأطأت رأسها من الإحراج ووقفت ساكتة بعدما لملمت خصلة شعرها المتدلية من تحت حجابها لتخفيها. ولم تحاول الدفاع عن نفسها أو الرد على مهاجمها بكلمة واحدة.
شعرت في تلك الحظة برغبة عارمة في رد الصفعة على ذلك المغير الحقير، ولكن المبدأ والقانون، والأخلاق التي تتطلب تفادي الرد على فعل سافل بمثله، اجتمعوا ليحيلوا بيني وبين ذلك المجرم. لأن مافعله هو اعتداء جسدي يدينه القضاء. فلتزمت الصمت بدوري، ودمي يغلي غضباً.
ومايثير الغضب والإستغراب أكثر مما أثاره ذلك الإعتداء نفسه، هو درجة ضحالة وهشاشة الفكر الذي يسند فرض تغطية الشعر على المرأة، وسهولة إنصياع البشر له ... إلى درجة العقاب الجسدي على من يخالفه كما حدث أمامي. لأن التخوف من تفشي الفساد وانحلال المجتمع بسب أن إناثه تكشف شعرها، هو فكر سخيف وخاطئ بجميع المقاييس التاريخية والإجتماعية.
فأي مجتمع في تاريخ البشرية كلها، قد فسد وانحل وتهاوى بسبب أن نسائه قد كشفن رؤوسهن؟
وماذا عن التعري الكامل الذي مرت فيه البشرية منذ ظهورها قبل ملايين السنين والذي استمر إلى حوالي مئتي ألف سنة فقط حين بدأ الإنسان حينذاك في ارتداء الملابس؟ لماذا لم تنحل وتنفني المجتمعات البشرية بسببه؟
وماذا عن المجتمعات البدائية التي لاتزال تعيش عارية تماماً إلى اليوم في الكثير من البقاع النائية؟ لماذا لاتزال باقية، مترابطة ومستقرة إجتماعياً، رغم "الفساد" المزعوم الذي يسببه كشف العورة، ناهيك عن كشف الرأس فقط؟
باستنثاء القلة المتطرفة التي توجب تغطية جسد المرأة كله وإظهار عينيها (أو عين واحدة) فقط، فالحكم السائد لدى أغلب الفقهاء المسلمين، هو وجوب تغطية شعر الرأس وتحليل كشف الوجه. فعلى إفتراض أن هذا الحكم الشبه إجماعي هو مايفهمه غالبية الفقهاء من تشريع الإله، فنفهم من ذلك أن خالق البشر ومصمم أجهزتهم التناسلية، بكامل علمه ومعرفته، قد قرر أن بؤرة الإثارة الجنسية للرجل في المرأة، والدافع الرئيسي للإنحلال والفساد هو شعر رأسها حين تكشفه له!!!
خطأ سماوي آخر في المسلسل الطويل لحلقات أخطاء السماء. لأن بؤرة الإثارة الجنسية تتركز في الواقع في وجهها، المحلل كشفه، وبالتحديد في عينيها وشفتيها، وليس في شعر رأسها المحرم إظهاره. فبؤبؤة العين تتسع والشفاة تنتفخ بسبب زيادة هورمون الإيستروجين عند إثارة المرأة جنسياً، بالإضافة إلى احمرار وجنتيها. وهذه كلها علامات تظهر في وجهها المحلل كشفه لتشير إلى استعدادها التناسلي، تجذب بها الرجل نحوها. ولكن السماء تركت هذه المؤشرات الفسلجية الهامة كلها، وحصرت التحريم لجهلها على تغطية شعرها.
ففرض الحجاب وارتدائه ماهو إلاّ إلتزام أعمى بأفكار ركيكة بالية وخاطئة، مزينة بحلية التقديس. والإلتزام بأي أفكار، مهما ظهرت أهميتها على السطح، دون التوغل في خفاياها لتمحيصها، وتقييمها بمحك المقارنة مع أبسط الأساسات المعرفية ومع ماهو ملاحظ وواضح في المجتمعات الأخرى، لهو مؤشر قوي يبين درجة ضحالة التفكير وتدني الثقافة، وسهولة الإستسلام للمقاييس والقيم المجحفة السائدة في ذلك المجتمع الخنوع المسلوب الحرية والإرادة.
ومعاملة إنسانة، بالحط من كرامتها واحترامها، في مكان عام، على مرأى من الجميع، بسبب تدلي شعرها من الحجاب، لهو وصمة عار على ذلك المجتمع المتخلف، الذي لايزال يمتثل لنصوص بدائية تشجعه على ذلك.
* * * * * * * * * *