::
إحدى المشاهدات الكليشيهية الروتينية التي لم تتوقف إلى اليوم من إثارة دهشتي وحيرتي وطبع إبتسامة ساخرة على شفتي كلما سمعتها، هي عندما أسمع إنسان أكاديمي أو مفكر يصف بعفوية وقناعة (ظاهرة على الأقل) محمد بأنه "النبي الكريم" أو "رسول الله". ومضمون صفة النبوة التي يؤمن بها ذلك الإنسان للغرابة البالغة هو، كما يحتم الإيمان بتلك العقيدة، أن محمد وسيط تم اختياره من قبل كيان ميتافيزيقي خارق لاداء هدف ذروي، وهو توصيل رسالة مصيرية من ذلك الكيان إلى البشر.
فكرة من الصعب تصور أن العقل الناضج يصدقها: لإيصال بيانات مصيرية تمس الحاضر والمستقبل الأزلي لكل فرد على وجه هذه الأرض، يرسل ذلك الكيان الخارق لهم إنسان برسالة شفهية!!!! ياسلام على الإفشنسي.
إنما في الحقيقة، هناك فكرتين حول الخلق المتعمد المستهدف (مقابل العشوائية والصدفة)، تفصلهما فجوة هائلة، لم أصادف أحد إلى اليوم نجح في تشييد جسر بينهما. فكرة وجود كيان خارق خلق الكون ومن فيه، وفكرة أن هذا الكيان الخارق هو نفس الإله الذي تنسب إليه الديانات الإبراهيمية. الفكرتان منفصلتان تماماً.
الفكرة الأولى تدور حول وجود قوة ميتافيزيقية أو حتى ربما طبيعية، ربما واعية أو ربما ليست واعية بالمفهوم البشري، وليس من المهم معرفة ماهيتها، إنما يعزى إليها خلق الكون بقوانينه ومكوناته، وتتوقف مهمتها عند هذا الحد. فهذه الفكرة لاتمتد إلى تدخل هذه القوة الجبارة في عمل الكون نفسه أو في سلوكيات سكانه، بل تحصر مهمتها على خلق الوجود ووضع قوانينه فقط، ثم تركه ليجري وفقاً لهذه القوانين.
أما الفكرة الثانية، فهذه تختلف جذرياً، وإن بدى هناك تشابه أو تطابق بينها وبين الأولى، فهذا التشابه زائف. هذه الفكرة تزعم بوجود كيان ميتافيزيقي خارق، تعزي إليه خلق الكون، ولكنها تلبسه طبيعة بشرية محظة. فهو يتواصل مع الناس ويتدخل في حياتهم، ويتفاعل معهم بنفس أحاسيسهم، فيغضب ويفرح ويعاقب ويكافئ، وله مرتبة أيضاً بينهم، مرتبة إمبراطورية بعرش وبلاط وحاشية وجنود ومراسلين، ويستخدم جميع الأساليب البشرية في التعامل مع خلقه، فهو تارة يتفاوض ويعقد هدنات معهم وتارة أخرى يدخل في حروب ومعارك ضدهم، ويحث أتباعه على الإنصياع له وتلبية أوامره، بالضبط كما يفعل القادة البشر في الأزمن الغابرة (ولايزال بعضهم إلى اليوم). فالفكرة الثانية ماهي إلا تجسيد بشري للقوة الخالقة، ومن الواضح أن هناك فاصل كبير بين هذه الفكرة والفكرة السابقة.
لا أستغرب من أن عوام الناس تخلط الفكرتين، ولكني أتوقع من الطبقة المثقفة المفكرة أنها تعريفياً قد حققت درجة أعلى من معدل إنسان الشارع في مستوى تقليب الأمور وتقييمها تمكنها من رؤية الفارق، والحقيقة أن نسبة كبيرة من الشريحة المثقفة في المجتمعات المنفتحة تتمتع بهذه الرؤية الفاصلة بين الكيانين، وهذه حقيقة تدعمها الكثير من البحوث كما أشرت لها في الكثير من البوستات السابقة. إنما تبقى هناك نسبة مخيفة من المثقفين في مجتمعاتنا الإسلامية لاتزال تعاني من قصور في هذه الرؤية بالذات. فهل الفكرتين حقاً عند هذه النسبة تحيطهما ضبابية لاتمكن بعض المفكرين والمثقفين من الفصل بينهما؟
هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي وضع لكم الغلاف الجوي بغازاته وانعكاساته الزرقاء (الناتجة عن التفاوت في طول الموجات الإشعاعية)، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي يهين عقولكم بهذا الهراء: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج (ق - 6)، الله الذي رفع السماء بغير عمد ترونها (الرعد - 2)، وجعلنا السماء سقفاً (الأنبياء - 32).
هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي خلق الكون ولم يضع في مساحاته المذهلة سوى فراغ شاسع بارد، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي يطلب منكم تصديق هذه الكذبة الطفولية: جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع (فاطر - 1)
هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي خلق الألكترون وحدد حجمه بدقة 1/1836 من حجم البروتون، ثم جعله يدور في مسار حول النواة ببعد يعادل 4 كيلومترات لو كان حجم النواة 10 سنتمترات لكي تتوازن قوى الوجود، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي لجأ إلى المفاوضات وعقد الهدن وقطع الطريق والحروب والغزوات، وإلى اليوم لم ينجح في توصيل رسالته إلى خلقه؟
هل من المعقول يامثقفين المسلمين، أن الرب الأول هو نفس الرب الثاني؟
لا يمكن تفنيد الفكرة الأولى، طالما الرب الذي تشير إليه لايتدخل في أمور الوجود، فتبقى قائمة رغم أن تقدم العلم والمعرفة ليس بحاجة لها. أما الفكرة الثانية فأنا في حيرة ودهشة من أن هؤلاء الناس لاتزال تصدقها.
فكرة من الصعب تصور أن العقل الناضج يصدقها: لإيصال بيانات مصيرية تمس الحاضر والمستقبل الأزلي لكل فرد على وجه هذه الأرض، يرسل ذلك الكيان الخارق لهم إنسان برسالة شفهية!!!! ياسلام على الإفشنسي.
إنما في الحقيقة، هناك فكرتين حول الخلق المتعمد المستهدف (مقابل العشوائية والصدفة)، تفصلهما فجوة هائلة، لم أصادف أحد إلى اليوم نجح في تشييد جسر بينهما. فكرة وجود كيان خارق خلق الكون ومن فيه، وفكرة أن هذا الكيان الخارق هو نفس الإله الذي تنسب إليه الديانات الإبراهيمية. الفكرتان منفصلتان تماماً.
الفكرة الأولى تدور حول وجود قوة ميتافيزيقية أو حتى ربما طبيعية، ربما واعية أو ربما ليست واعية بالمفهوم البشري، وليس من المهم معرفة ماهيتها، إنما يعزى إليها خلق الكون بقوانينه ومكوناته، وتتوقف مهمتها عند هذا الحد. فهذه الفكرة لاتمتد إلى تدخل هذه القوة الجبارة في عمل الكون نفسه أو في سلوكيات سكانه، بل تحصر مهمتها على خلق الوجود ووضع قوانينه فقط، ثم تركه ليجري وفقاً لهذه القوانين.
أما الفكرة الثانية، فهذه تختلف جذرياً، وإن بدى هناك تشابه أو تطابق بينها وبين الأولى، فهذا التشابه زائف. هذه الفكرة تزعم بوجود كيان ميتافيزيقي خارق، تعزي إليه خلق الكون، ولكنها تلبسه طبيعة بشرية محظة. فهو يتواصل مع الناس ويتدخل في حياتهم، ويتفاعل معهم بنفس أحاسيسهم، فيغضب ويفرح ويعاقب ويكافئ، وله مرتبة أيضاً بينهم، مرتبة إمبراطورية بعرش وبلاط وحاشية وجنود ومراسلين، ويستخدم جميع الأساليب البشرية في التعامل مع خلقه، فهو تارة يتفاوض ويعقد هدنات معهم وتارة أخرى يدخل في حروب ومعارك ضدهم، ويحث أتباعه على الإنصياع له وتلبية أوامره، بالضبط كما يفعل القادة البشر في الأزمن الغابرة (ولايزال بعضهم إلى اليوم). فالفكرة الثانية ماهي إلا تجسيد بشري للقوة الخالقة، ومن الواضح أن هناك فاصل كبير بين هذه الفكرة والفكرة السابقة.
لا أستغرب من أن عوام الناس تخلط الفكرتين، ولكني أتوقع من الطبقة المثقفة المفكرة أنها تعريفياً قد حققت درجة أعلى من معدل إنسان الشارع في مستوى تقليب الأمور وتقييمها تمكنها من رؤية الفارق، والحقيقة أن نسبة كبيرة من الشريحة المثقفة في المجتمعات المنفتحة تتمتع بهذه الرؤية الفاصلة بين الكيانين، وهذه حقيقة تدعمها الكثير من البحوث كما أشرت لها في الكثير من البوستات السابقة. إنما تبقى هناك نسبة مخيفة من المثقفين في مجتمعاتنا الإسلامية لاتزال تعاني من قصور في هذه الرؤية بالذات. فهل الفكرتين حقاً عند هذه النسبة تحيطهما ضبابية لاتمكن بعض المفكرين والمثقفين من الفصل بينهما؟
هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي وضع لكم الغلاف الجوي بغازاته وانعكاساته الزرقاء (الناتجة عن التفاوت في طول الموجات الإشعاعية)، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي يهين عقولكم بهذا الهراء: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج (ق - 6)، الله الذي رفع السماء بغير عمد ترونها (الرعد - 2)، وجعلنا السماء سقفاً (الأنبياء - 32).
هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي خلق الكون ولم يضع في مساحاته المذهلة سوى فراغ شاسع بارد، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي يطلب منكم تصديق هذه الكذبة الطفولية: جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع (فاطر - 1)
هل من الصعوبة التمييز أن الرب الذي خلق الألكترون وحدد حجمه بدقة 1/1836 من حجم البروتون، ثم جعله يدور في مسار حول النواة ببعد يعادل 4 كيلومترات لو كان حجم النواة 10 سنتمترات لكي تتوازن قوى الوجود، لايمكن أن يكون نفس الرب الذي لجأ إلى المفاوضات وعقد الهدن وقطع الطريق والحروب والغزوات، وإلى اليوم لم ينجح في توصيل رسالته إلى خلقه؟
هل من المعقول يامثقفين المسلمين، أن الرب الأول هو نفس الرب الثاني؟
لا يمكن تفنيد الفكرة الأولى، طالما الرب الذي تشير إليه لايتدخل في أمور الوجود، فتبقى قائمة رغم أن تقدم العلم والمعرفة ليس بحاجة لها. أما الفكرة الثانية فأنا في حيرة ودهشة من أن هؤلاء الناس لاتزال تصدقها.
* * * * * * * * * * *