::
كان الإنسان في قديم الزمان، في العصور البدائية المطوية الغابرة، يشاهد الظواهر الطبيعية كالبرق والرعد والخسوف والكسوف والزلازل والأعاصير، فيخاف ويرتعب منها، ويلتمس لها تفسير يقتطفه بانتقائية متعمدة من دائرة معلوماته المتواضعة، التي تمتلأ بالجهل وتفتقر لأي معرفة مفيدة، أو في الغالب يختلقه من خياله، وذلك لكي يريح به باله ويهدأ به من روعه ويوهم نفسه باكتساب بعض السيطرة على مايراه ويرعبه مما يجري حوله.
فكان يعزي تلك الظواهر إلى أرواح طيبة أو شريرة، يخصصها حسب فائدة أو مضرة هذه أو تلك الظاهرة له، أو إلى كيانات وهمية يلبسها هالة قدسية ويمنحها قوة ميتافيزيقية ويسميها آلهة.
ولكن بعد توصلنا إلى المنهج المثدولوجي العلمي، واستخدامه في البحث والتمحيص لكشف خبايا الوجود، والذي أدى بدوره إلى القفزات المعرفية الهائلة التي نتمتع بنتائجها الآن، والتي بددت بدورها أيضاً هالة الغموض التي نسجها عقل الإنسان البدائي حول هذه الظواهر الغريبة عليه، وعرّت حقيقتها الطبيعية، أصحبت هذه الظواهر التي كانت مخيفة وغامضة بالأمس، مجرد وجوه مختلفة عادية تعكس ديناميكية الطبيعة، يعرفها اليوم حتى الأطفال قبل دخولهم المدارس.
ولكن للأسف، الدين (هل يوجد غيره؟)، يرغم قطعانه المغيبة البسيطة الساذجة على اتباع نفس النهج البدائي الذي كان يتبعه أسلاف البشر البدائيين في تعزية قوى الطبيعة إلى الأرواح والكيانات الوهمية الخارقة المسماة بالآلهة.
هذا فيديوكليب عرضه علي أحد الأصدقاء قبل كم يوم ليريني شدة الفيضانات التي أصابت السعودية في أحد الأعوام السابقة (لا أدري أي سنة). والحقيقة أن عنف سيول مياه الأمطار مروع. ولكن هذا جانباً، ما لفت نظري ليس الفيضانات، بل الهتافات الكليشيهية التسبيحية التعظيمية للآلهة،والتي تنطلق بعفوية تامة من فم أحد المشاهدين الواقفين بجانب الفيضانات في الفيديو. شاهدوا المقطع أولاً قبل أن تكملوا قراءة باقي البوست.
رغم أن سيول المياه المتدفقة في المشهد تبدو مروعة، إنما تحكمها عدة عوامل طبيعية عادية للغاية وهي:
* دورة المياه المطرية التي تتسبب عن تبخر مياه المحيط وتكثفها في طبقات الجو العليا.
* عدم وجود قنوات مناسبة لتصريف المياه المتدفقة في المناطق التي تسقط فيها الأمطار.
* الجاذبية الأرضية التي تتحكم في اتجاه سير السيول.
هذه معلومات بسيطة وروتينية مملة يعرفها القاصي والداني اليوم عن ديناميكية الطبيعة، فلماذا تسبح الناس بالألهة وتعظمها على هذا المشهد؟ أين بالضبط يد الآلهة في هذا المنظر؟ هل رأى أحد يد ربوبية تنزل من السماء بسطل ماء تسكبه على رمال السعودية؟ أو عفريت سليمان يمسك خرطوم ماء؟ أو ملائكة تنفخ على السيول لتوجيهها في مجرى معين، ضد الجاذبية مثلاً؟
إنما المؤمن الناظر لهذه الظواهر، يلجأ بشكل تلقائي إلى نفس أسلوب أسلافه البدائيين في تعزيتها إلى قوى خارقة، يسبح لها ويعظمها ويبتهل إليها. والدين بالطبع يشجعه ويحثه على تبني والحفاظ على وممارسة هذه الرؤية البدائية الجاهلة. لماذا؟
لأن ليس من صالح الدين أن يقترب الإنسان في فهمه من حقيقة مايجري حوله، ففهمه الصحيح للطبيعة وعملية آلياتها سوف يبعده عن هالة الغموض والتحسب والترقب التي تمنح الدين مرتبته التفسيرية المهدئة المطمئنة في عقل الإنسان، ويكشف له كيف أن أمور الحياة من حوله ماهي إلاّ حالات طبيعية عادية لا تتطلب تفسير ماورائي وقرابين وصلاة وتضرع وابتهال لقوى خفية ...
فتبني هذا الموقف المعرفي لاشك بأنه تقويض هادم للأساسات التي يقوم عليها الدين، وإبعاد للآلهة عن ساحة التفكير في آليات الطبيعة ومكوناتها، الطبيعة التي يفترض أن الآلهة قد خلقتها وسيرتها ولاتزال تتحكم بها. فهل من المستغرب أن يوصى المؤمن بالإكثار من التسبيح والتبجيل والتعظيم لربه في كل ظاهرة يشاهدها؟
* * * * * * * * * *
هناك 3 تعليقات:
مبروك الحساب الجديد لك في يوتيوب صديقي بصيص العقلاني .
شكراً عزيزي/تي، الحساب قديم إنما هذه أول مرة أستخدمه.
مرحباً بصيص.
لمجرد التصحيح فقط هذا الفيديو لسد بيشة ، الذي انهار قبل ايام بسيطة فقط في يوم 1-5-2013.
اشكرك ياصديقي.
إرسال تعليق