::
كما سمع عنها أو شاهدها أكثركم، وقعت حالة خسوف كامل للقمر الأسبوع الماضي شاهدها سكان اوروبا الغربية وبعض أجزاء افريقيا وامريكا. وكانت نوعية هذا الخسوف من الحالات القليلة الحدوث لأنها تجمع بين حالة الخسوف الكامل مع اقصر مسافة تفصل القمر عن الأرض في دورانه حولها مما يظهر حجمه للمشاهد أكبر من مظهره العادي يحوالي 8%.
وحيث أني كنت متواجد حينها في نطاق الخسوف الكامل في بريطانيا، فقد قررت أن أسهر تلك الليلة لمشاهدة هذا الحدث النادر وخصوصاً أنه يصادف أيضاً حالة مايسمى بـ القمر الدموي لتغير لونه خلال تظليله الكامل إلى اللون الأحمر وكون هذه الصدفة لا تحدث إلاَ كل ثلاثون سنة. فأخذت طبق من المكسرات وطبق أكبر من النفيش (الفشار) ونصف قنينة من النبيذ الأحمر وخرجت إلى الحديقة الخلفية للمنزل لأقضي الليلة على العشب أشاهد الخسوف على شاشة السماء.
كانت سماء تلك الليلة صافية ومزينة بالنجوم، على غير عادة الجو البريطاني الضبابي الغائم، وكأن الإدارة السماوية العطوفة أرادت أن تصفي الجو لنا لكي تبهرنا بإحدى آياتها العظيمة في محاولة كريمة منها لتغيير أفكارنا وإعادتنا مذهولين ومنصاعين إلى حضيرتها.
ولكن إن كانت تلك نية السماء فقد فشلت تماماً في إقناعي، فمشاهدة الخسوف بالكامل تلك الليلة لم تزحزني ملليمتر واحد عن موقفي السلبي تجاهها. فقد قضيت أكثر من ساعة أشاهد قرص ظل الكرة الأرضية وهو يزحف ببطئ ليغطي وجه القمر حتى أكتنفه بالكامل وحوله إلى لون إحمراري أقرب إلى لون صدء الحديد من الدم.
رغم شدة الإثارة في الإعلام وحجم التوقعات التي سبقت وقوع ذلك الخسوف النادر، إلاّ أني لم أشعر خلالها أو بعدها بأي حالة من الرهبة أو الإعجاب أو حتى التساؤل، بل الإنطباعة الوحيدة التي خرجت بها من تجربة تلك الليلة هي فكرة أني قد شاهدت حدث يصنف بأنه نادر الوقوع، بدون أي تأثير فكري أو عاطفي امتلكني خلال تلك التجربة. ربما لأني كنت أعرف مسبقاً ماهية العوامل المسببة لحالتي الخسوف والكسوف، وهي أسباب بسيطة وعادية في نطاق المعلومات الفلكية التي يعرفها اليوم حتى تلاميذ المدارس، وهي صدفة مرور القمر بين الشمس والأرض في حالة الكسوف ومرور الأرض بين القمر والشمس في حالة الخسوف. وأما احمرار لون القمر في خسوفه الكامل فهو بسبب أن الطيف الأزرق والأخضر من أشعة الشمس يتم تبعثرهما بالغلاف الجوي لقصر موجاتهما، فيتسرب اللون الأحمر عبر الغلاف الجوي لطول موجته وينعكس على سطح القمر فيراه المشاهد خلال الخسوف أحمر اللون.
فلماذا يفزع رسول الله إلى الصلاة إذاً ويطيل فيها كلما شاهد هذه الظاهرة الفلكية العادية؟ أو بصيغة أدق، ماهو بالضبط وجه الإعجاز في مرور الأرض بين الشمس والقمر خلال دورانها لكي يعتبرها ربه آية من آياته الإعجازية العظمى، يبهر بها عباده ويفزعهم بها إلى الصلاة الطويلة رغم أن هذه الأحداث المتكررة يعرف هو ورسوله أنها مجرد ظواهر طبيعية موجودة بالمليارات، تتكرر ملايين المرات كل يوم في مجرتنا فقط، ناهيك عن الكون بأكمله؟
* * * * * * * * * *
هناك تعليق واحد:
شكرا جزيلا على هذا الطرح المتميز..جزاك الله خير
إرسال تعليق