الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

من أقوال الملحدين

خه

"أغلب الناس تفضل الموت على التفكير
وأغلب الناس تموت بدونه
وأنا لاأريد أن أكن منهم"
000
"فكرة أن الأشياء لابد أن يكون لها بداية
تعزى إلى فقر خيالنا"
ااا
"السبب الأساسي للإضطرابات في العالم اليوم
أن الغبي جازم والذكي مشكك"
ااا
"المطلوب ليس الإيمان
ولكنه البحث
وهذا عكس الإيمان تماماً"
000
"من العجيب أن تعتقد الناس
أن هذا العالم بكل نواقصه
هو أفضل ماأنتجه رب
يتمتع بكامل القدرة والعلم
خلال ملايين السنين"
ااا
"ديانتي بأكملها هي هذه:
قم بكل واجباتك
ولاتتوقع أي مكافأة
لاقبل الموت ولابعده"

بيرترَند رَسل  1872 - 1970

الأحد، 15 نوفمبر 2009

روجر لاتغريه الجنة

ين

يوجد عندي سكن في بريطانيا ألوذ إليه لنشقة من النفس وفترة من التنفيس كلما ثَخُنت خِرق التكميم وثَقُلت أغلال التكبيل وطال أمد الصمت وتصاعدت آهات القمت في مجتمع مختنق محبط مشلول يحاول اللحاق بفراريات التقدم العلمي والحضاري التي تسارعت على رمال صحراء جهله إبتعاداً عنه ونفوراً منه واختفت الآن خلف آفاقه الضحلة ، ممتطياً جواداً سقيماً أعور العين ، أعرج بقدم ومكبل بقدمين ، غاطساً إلى بطنه في الطين ، يجر خلفه توابيت أثرية حجرية ، تشغلها مومياء النصوص السماوية ، يصارع تيارات لحيوية مقصقصية ، تعترضه من الجهة المقابلة لتحد من سرعته ، لا بل من بطئه وطياحة حظه ، خوفاً من سقوط المومياء المهترئة العفنة وتهشمها.

ومن قرأ موضوعي السابق ، "أوقفني عن هرولتي سنجاب" ، يعرف أن أحد البيوت المجاورة لملجأي هذا يسكنه رجل متقاعد أسمه بوب. والكلام عن هذا الجار ، بوب ، لايكفيه بوست واحد إنما يستحق رواية كاملة أسرد فيها طرائف تجاربي معه خلال الثمان سنوات التي قضيتها بجواره. ولكن موضوع اليوم ليس عن بوب ، إنما عن جاري الذي يحاذيني من الجهة الأخرى ، وهو إنسان ، أو بتعبير أدق ، ظاهرة بايولوجية إجتماعية ، قلما تراها ، أطلق عليها منتجينها ، أبوه وأمه ، أسم روجر.

وماالغريب في روجر هذا الذي يُشبه بظاهرة نادرة الحدوث لعلكم تتسائلون ، دعوني أبدد غمامة حيرتكم.

هو مجرد رجل ، في العقد الثالث من عمره ، إنجليزي المولد ، يعمل في إحدى الهيئات المالية ، متزوج من سيدة في منتهى الخلق والثقافة الجمال ، له منها ولدان لم يبلغى العاشرة بعد ، ويملك البيت المجاور لبيتي بالإضافة إلى أملاك أخرى متناثرة هنا وهناك. هذا باختصار روجر.

إنما الصفات التي تجعل هذا الرجل أقرب مايكون إلى إله منه إلى إنسان هو تمتعه بميزات وخصائص وقدرات تسربت من عالم الأمنيات التي يعيش أغلبنا فيها وتجسدت فيه. فأول مايُبهر أي شخص يراه للمرة الأولى هو درجة جمال وجهه ، ولاأقول وسامته لأن هذه العبارة لاتعطيه حقه في الوصف ، بل جماله ، إذ لو رأى النبي يوسف عيونه الفيروزية البراقة ، وشعره الذهبي المنسدل إلى أكتافه ، وملامحه الدقيقة المتكاملة لاستشاط غيرة وغضباً منه واحتج بسببه إلى ربه.

يحمل هذا الرأس الميثولوجي جسم طويل أثليتي ممشوق ، نحتته سنوات من الممارسة والتفوق الرياضي ، وتوجته صحة ونشاط وحيوية لم يعاني بحياته من فضلها حتى من صداع ، ويملأه عقل ثاقب متوقد ضخم غذته ثقافات جامعتي ييل وأوكسفورد الدسمة.

أما عن الأصالة والجاه والمال ، فهو غاطس فيها إلى أذنيه ، كونه سليل طبقة العروق الزرقاء الأوربية ، وله حصة من الثراء الموروث مايغطي نفقات عيشته البذخة هو وأولاده وأحفاده دون الحاجة إلى المنصب الوظيفي المالي الذي يحتله الآن والذي يسكب في حساباته البنكية راتب تتعدى أرقامه لكثرتها أرقام هواتفه.

هذه هي صفات روجر ، الظاهرة البايولوجية الإجتماعية.

عندما قابلت هذا الرجل لأول مرة قبل خمسة سنوات ، كانت من خلال دعوة منه ومن زوجته لي لتناول العشاء معهم في بيتهم كمناسبة للتعارف حين نزلا فيه ، عرفت من خلالها خلفيته الطبقية والإمتيازات التي يتمتع بها ، ولكني لم أدرك إلاّ بعدها بفترة المستوى الشاهق لهذه الإمتيازات المتكدسة فيه. فبدأ يتبلور حينها سؤال في ذهني عما إذا كان روجر ، ومن في وضعه ، بحاجة إلى أي شئ آخر من الدنيا ، أو من الآخرة ، فمن الواضح أن كل مايطمح إليه أي رجل في آخرته يمتلكه هذا الإنسان في دنياه ...

فهل تُغري روجر الجنة ؟

قطعاً لا ، وإلاّ لما ألحد. آآآه ، المعذرة ، لقد نسيت أن أذكر أن روجر ملحد ، ولم لا ، فهو لايحتاج إلى إله كونه هو إله ، أو شئ من هذا القبيل ، ولكن هل يدرك روجر أبعاد هذا المفهوم ، أقصد الجنة ، من المنظور الإسلامي "المتكامل" ، وإغراآته الربانية التي يتوقع منها أن تتعدى قدرة البشر ، والآلهة الأخرى مثل روجر ، على مقاومتها ، وهو الكائن الذي وُهِب في هذه الدنيا ، على مايبدو ، بكل المكافآت التي تنتظر المؤمن في الجنة حتى لم يتبقى فيها مايشد أمثال روجر إليها ؟

لم يتسنى لي أن أطرح هذا السؤال عليه بسبب نفوره الشديد من الخوض في بركة النفايات اللاهوتية ، وظل التساؤل معلق يتدلى من سقف ذهني كالمصباح ، يشتعل وينطفئ بين حين وآخر ، إلى أن أتتني الفرصة تهرع مادة يديها لتعانقني من جهة لم أتوقعها عندما رافقته في إحدى أمسيات الصيف الماضي إلى إحدى جلسات تذوق النبيذ في إحدى بارات البيانو الفاشنوبل الأنيقة في لندن ، حيث تُقدم فيه خلاصة عصارات أعناب أقاليم برغندي وبوردو ، وتعبق أجوائه عطور نغمات دوبوسي وساتي ، وتتمايل لوقعها خصور حسناواته الباهرة ، وتتراقص على جدرانه أطياف أضوائه الساحرة. وبينما أنا ذائب في نشوة الخمر ورومانسية النغم ، أختلس النظرات وأتبادل البسمات مع الجميلات الجالسات على الطاولة المقابلة ، إذا به يسألني هو بنفسه وبدون أي مقدمات عن مدى صحة الإثنين وسبعين حورية التي تنتظر شهداء العقيدة الإسلامية في الجنة ...

"ماذا قلت ياروجر ؟ .... العقيدة الإسلامية ؟؟؟ .....

"يــــاإلـه ســـــبينوزا .... "

إنطلقت صرخة مكبوتة مني دوى صداها في أجواء عالم الأحلام والنشوة التي كنت أتمرغ في ملذاتها قبل وهلة ، لم يسمعها أحد غيري ..

"وهل هذا وقت نقاش ديني تطرد فيه ملائكة السعادة المحرمة ؟" همست لنفسي رداً على سؤاله المقيت بسؤال إسعافي عاجل رجوت منه أن ينتشلني من منزلق الإنحدار إلى هوة حوار ديني بائس ليرجعني إلى فردوس الملذات الآثمة التي كنت هائماً في ربوعها ، ولكن لحظة ... أليست هذه هي الفرصة التي كنت أتطلع إليها منذ سنوات ، مدت يدها لي الآن ، فهل أدفعها عني ؟

يالتعاستي وعثرة حظي ، ليت تلك الحورية الأرضية الشقراء ، ذات العيون الناعسة الزرقاء ، والوجنات الناعمة الورداء ، والخصر المائل النحيل ، والنهد الغاوي الثقيل ، والكتف العاري الجميل ، الجالسة أمامي ، تحيط بها هالة نورانية تتوهج دلعاً ، كلما مالت برأسها نحوي يشتبك بريق عيناها الساحرة بلمحات نظراتي التائقة في عناق شهواني متقد يتمرغل على سحب الغزل ، تضطرم على وساداته نيران الرغبة وتحتدم لهفة الأمل ، أتت لتعانقني بدلاً من تلك الفرصة المتطفلة. ولكن لاضير ، فالنخرج من ربوع الفردوس ونتخوض في أوحال المستنقع لبرهة إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لغمس شعلة الفضول في مياهه العكرة وإطفائها ، بشرط أن نرجع إلى دنيا الطرب والخمر والوجه البهي ، ونغتسل من أرجاس اللاهوت في أحواض ملذاتها.

وهكذا ، إقتلعت نفسي من غفوتي وأحلامي واستدرت لأواجه روجر رافعاً الكأس إلى فمي لجرعة ثقيلة من نبيذ الشاتونيف دو باب رددت عليه بعدها :

"نعم روجر هذا صحيح ، يكافئ الإله الإسلامي الشهيد بمنحه 72 فتاة عذراء في الجنة"

أجبته بنبرة حازمة لأؤكد صدق الرواية ، أتبعتها بجرعة ثقيلة أخرى من النبيذ المعتق الأحمر أحسست معها بالدفئ ينزلق في جوفي وينتشر في عروقي.

"72 فتاة ، بكر .... هممممم"

تمتم روجر الرقم مكرراً ردي وكأنه لم يستوعبه في المرة الأولى ، سكت بعده للحظات قصيرة محدقاً في ماتبقى من النبيذ في كأسه ، ثم أدار رأسه لي وقال بعد وهلة من التردد :

"ولكن 72 فتاة عدد كبير ، ولماذا 72 بالذات .... هل لهذا الرقم أهمية ؟

يالغباء السؤال ياروجر .... هذه بلاهة لم أعهدها منك ، أنت بالذات صاحب الفكر الثاقب ، ألم ترى أهمية هذا الرقم وهي جلية واضحة ؟"

أجبته بنبرة ساخرة متعمدة لأستفزه عسى أن أحصل منه على أحد تعليقاته الهزلية اللاذعة لتبهج الحوار الذي كان يجول في ربوع المرح قبل أن يأخذ منعطف الجد مدركاً الصعوبة البالغة في استفزازه.

ولكن روجر ، بعكس توقعاتي ، جمد في مكانه من وقع جوابي الوقح ، وأخذ يتفرس في وجهي تارة وتارة أخرى يحدق في الأرض في محاولة يائسة للبحث عن قشة عذر أو حجة يكنس بها شظايا كبريائه المنسوف. ولكن وقع الصدمة لم يدم إلاّ لحظات وجيزة عادت بعدها البشاشة إلى وجهه ، فأمسك قنينة النبيذ وملأ النصف الخالي من كأسي قبل أن يملأ كأسه ويسند ظهره مسترخياً على الكنبة ويشير بأصبعه لي والكأس بيده :

"أنا أستسلمت ، أنت أنرني ياصاحب القداسة ، فأنت أعلم بمغريات دينك مني"

وأخذ رشفة من النبيذ ، ووضع كأسه بعدها على الطاولة وشبك يديه خلف رأسه ينتظر ردي.

"ديــنــي ياروجر ؟ ..... ديــــنــــي ؟؟؟

رميته بنظرة عاتبة على زلة لسانه التي يبدو أنها متعمدة لمبادلتي بالإستفزاز؟

"إليك هذا الإشعار الأهم من مدلول رقم 72 الذي فتحنا هذا الحوار بسببه ... لم يكن لي خيار في قبول أو رفض مانسبته لي من دين ، فقد جاء في نفس الحزمة التي احتوت على لغتي وحضارتي وأسمي ، وبينما أفتخر بالإحتفاظ بمحتويات هذه الرزمة ، إلاّ أن هذا هو العنصر الوحيد الذي التقطته منها بقرصة إصبعين ، حفظاً على باقي أصابعي من التلوث ، ورميته في برميل القمامة ليأخذ إلى المحرقة. فعندما تشير إلى الإسلام كـ "ديني" فأرجو أن تسبقه بحرف الـ "لا" مراعاة للدقة والأمانة في وصف موقفي منه وتفادياً لتلوين قميصك الأبيض الأرماني الثمين بالصبغ الأحمر الذي ملأت للتو به كأسي .. ياصديقي العزيز روجر"

لم ينجح أحدنا في استفزاز الآخر ، فهو لم يكترث بتهديدي الأجوف بسكب النبيذ على قميصه المفضل وقام إلى البار ليرجع بقنينة نبيذ جديدة مع كأسين نظيفين وضعهم على الطاولة وجلس بهدوء يتكأ بكوعه على يد الكنبة ويرمقني قائلاً بلهجة ساخرة :

"لازلت أنتظر .. لعلك الآن تمنحني شرف معرفة أهمية الرقم 72 في لادينك الإسلامي ؟"

شعرت ، في الحقيقة ، بأنني محاصر في زاوية يتحتم علي أن أجد لها مخرجاً لتفادي آلام لسانه اللاذع وسخريته الحارقة إذا ماأبحت له بجهلي التام عن معنى هذا الرقم ، فقد فشل عباقرة التفسير وجهابذة التأويل من فك الطلاسم والرموز الربانية التي أحكم الإله محمد تشفيرها ، ولم أرى لي مخرج سوى أن أصطنع لي سبباً أتملص فيه من هذه الورطة وأتخلص من مراودة الفضول القابع في ذهني عن رغبة روجر في الجنة. مالي ومال الاخرون والجنة حتى أعكر صفاء هذه الأمسية وأبدد بهجتها ، ولكني لابد أن أتخلص من طنين هذا السؤال في أذني ، فأعدلت جلستي وملت بجسمي نحوه وصَمَت لوهلة لأرفع من حدة تحسبه وترقبه للرد ... وهمست :

"لأن الله يريد ذلك"

لم أذكر له حالة الإفراز التستستروني المفرط الذي يعاني منه ذكور المجتمعات المحمدية وأساليبها الوقائية والعلاجية المستمدة من نصوصها وأحكامها الإرضوسماوية الشعوذية ، والتي أكدت بدورها قدرتها الفعالة بامتياز رفيع في تسبب هذه الحالة المحرجة أصلاً ومايترتب عليها من هوس جنسي جامح ، مصاحب بتشنج وتوتر عضوي مزمن ، مما يفسر الزيادة المبالغة في عدد الوصفات ، أو بالأحرى الوصيفات ، الدوائية المخصصة لكل مصاب ، والتي لايمكنه تناولها لإسعاف حالته الراهنة إلاّ بعد موته وذهابه إلى عالم لايحتاج فيه إلى دواء من أي نوع. أرأيتم المنطق الذي يتبعه ربع سكان العالم ؟؟؟

"الــلــه يــريــد ذلــك ؟"

كررها روجر ممدة وبصيغة سؤال حتى أأكدها له مرة أخرى.

"نعم ياروجر ، الله يريد ذلك ، ولو سألت أي مؤمن ، من الطفل إلى الشيخ ، لماذا البطيخ كروي وليس مربع أو لماذا القرع أصفر وليس أزرق أو سألته عن أي سبب أو علة أخرى فسوف تحصل على نفس هذا الرد. ألم أقل لك أن أهمية هذا الرقم ، بل إهمية كل الطلاسم الرموز ، واضحة وجلية ؟"

إسترخى روجر في جلسته بعد استيعابه لهذه القنبلة المعرفية وأخذ يهز رأسه صامتاً في أيمائة إيجابية أفرغ بعدها نصف كأسه الممتلئ في جوفه ثم شرع يتمتم معاتباً نفسه :

"صحيح ... لايمكن الإختلاف على هذه النقطة ، فهي الشماعة التي يعلق عليها كل مؤمن مغدور شكوكه وتساؤلاته - الله بربد هكذا - سُدت الثغرات وأُزيح التساؤل وانتهى الأمر ، نعم هذه بلاهة مني ، كان علي أن أكون أفطن من ذلك"

ورفع الكأس إلى فمه ليغرغ فيه النصف المتبقي من النبيذ بجرعة واحدة غاص بعدها في نوبة من التأمل ينظر فيها إلى زاية السقف وكأنه يتفرس فيما تخفيه ورائها.

خيّم الصمت على فناء الكنبة التي تحتضنا وكأنما فقاعة شفافة من السكون قد غلفتنا وعزلت عنا نسمات النغم والهمس والضحكات وقرعات الكؤوس التي تهب تارة وتعصف تارة أخرى حولنا. فاستدرت إلى روجر لأنتشله من غرقه في أجواف تأملاته ولأخرق الفقاعة التي عزلتنا عن العالم الذي جئنا لنبدد همومنا في أجوائه و نمرح في أحضانه.

"روجر" ، ناديته بصوت خافت ، "مارأيك في الجنة ؟"

"الجنة ؟ ... أي جنة تقصد ، هذه الجنة ؟" ملوحاً يده حوله ، "أو تلك الجنة ؟" مشيراً إلى الأعلى.

"تلك الجنة" ، وأشرت بأصبعي إلى الأعلى.

"آآآه ، لاأدري ، فلم أذهب هناك قط ، ولاأعتقد بأنني مرحب بي عندهم حتى لو أوصلني نيافته إليها بنفسه بتذكرة الدرجة الأولى على متن جناح جبرائيل. ولكن على أي حال ، لاأرى شئياً ينتظرني لأتمتع به في السماء لاأستطيع الحصول عليه لأتمتع به هنا على الأرض ، فلست بحاجة إلى 72 حورية ، إذ تكفيني حوريتي التي تنتظرني في البيت ، أحبها وتحبني حتى الموت ، وإن أغوتني الشقاوة لغيرها فهاهم تلك الحوريات أمامنا جالسات على طاولة الإنتظار وغيرهن اللاتي تعج بهن هذه الدنيا ، كما أنني أملك أكثر من كفايتي من الممتلكات المادية وصحتي أقوى من الفرس ، فهل توجد إغراءات أخرى في تلك الجنة الموعودة تعرفها أنت ولاأعرفها أنا ؟

وأتى أخيراً الجواب الذي قضيت خمسة سنوات في انتظاره مطابقاً لتوقعاتي ، ولم يستحق كل هذا التطلع والإنتظار فقد خمنت صحته مسبقاً ، ولكن مهلاً ، دعني أرى إذا كانت هناك جوائز ربانية أخروية ما قد تغري روجر في الدخول في مسابقة الأولومبياد الدنيوي الديني للحصول عليها.

"أو كي روجر ، وماذا عن الخلود ، ألا تغريك حياة تتدغدغ فيها كل شعرة من بدنك ، وتفرح فيها كل خلية من لحمك ، وتُبهج كل قطرة من دمك ، تنام وتصحى عليها باستمرارية أزلية متواصلة لاتتوقف ولاتنتهي ؟"

نظر لي روجر بصمت لبرهة ثم رفع كأسه وقال :

"هل أفهم من كلامك أن هذا النبيذ لايعجبك ؟"

وهكذا ألحق جوابه الأول الحاسم برد آخر قاطعاً كالموس وإن حاول إخفائه خلف قناع الإبهام ، فالرجل لايفرق بين السعادة الأبدية والنشوة العابرة التي يشتقها من كأسه ، شعرت بعدها أنه من العبث أن أتابع هذا الخيط من التساؤلات بعدما أشبع ردوده فضولي حتى التخمة ، فمددت يدي ورفعت قنينة النبيذ وملأت كأس روجر ثم كأسي واستدرت لأواجه تلك الحورية الأرضية الشقراء ذات العيون الناعسة الزرقاء والتي أثملتني نظراتها أكثر مما أثملني نبيذ الشاتونيف المعتق الذي استنفذنا منه قنينتان إلى الآن رغم أن المساء لايزال مبكراً. هذه المسكينة التي اقترفت بحقها ، وحقي ، جريمة كبرى حين أدرت رأسي عنها وأهملتها كل هذه الدقائق ، لاتغفرها إلاّ دعوة شخصية مني لها ، ولصديقاتها ، لمشاركتنا في قنينة من الشمبانيا.

فاستدرت مرة أخرى إلى روجر لأسأله :

"شمبانيا ياروجر ؟"

"ولم لا"

"هلا يشاركنا بها أحد ؟" مشيراً إلى البنات أمامنا.

"لاأمانع"

"عظيم"

وقمت تحملني سحابة السعادة ويدفعني نسيم النشوة لأدعوها لتجلس بقربي وأنا أتمتم لنفسي :

"جنة أرضية بيدي خير من عشرات الجنات في السماء"

السبت، 31 أكتوبر 2009

المصادم - خطوات على درب الأمل

خههع



أنصح القارئ بقرائة البوست السابق أولاً لفهم أفضل لهذا الموضوع إذا لم تكن لديه معرفة كافية عن المصادم الهدروني الكبير

تقدم المارد العلمي خطوة أخرى للأمام في سعيه الدؤوب لسبر أغوار المجهول وكشف خباياه حين نجح المهندسون في إطلاق حزمات من الجسيمات في جزئين من المصادم الهدروني الكبير خلال يومي 23 و 25 من أكتوبر الشهر الحالي ، وهذه أول محاولة تجريبية يقوم بها المسؤولون منذ توقف العمل فيه خلال سبتمبر من العام الماضي.

خلال تلك التجربة ، أُطلِقَت حزمتان إشعاعيتان من البروتونات وآيونات الرصاص في جزئين من النفق يبلغ طول كل منهما 3.5 كيلومتر من الثمانية أجزاء الكلية للمصادم ، نجح المهندسون خلالها من توجيهما في إتجاهين متضادين. وصرح السيد جيانلويجي أردويني ، نائب رئيس المشرفين على العملية ، لموقع البي بي سي الإخباري أن "هذه التجربة أثبتت أن أجهزة التصادم تعمل بشكل صحيح" وأضاف "أن نجاح عمليات الإرتطام يعتمد على ضبط تزامن الحزمات الإشعاعية من خلال التحكم في تزامن القطع المغناطيسية لتسريع هذه الحِزمات ونقلها من مسارع إلى آخر حتى تصل إلى المصادم نفسه والذي يجب أن يكون بدوره متزامن مع هذه الخطوات حتى يتمكن من استلام الإشعاعات. هذه العملية بأكملها تحدث خلال 100 بيكوسكند فقط ، والبيكوسكند يعادل واحد على الترليون من الثانية".

وقد أطلقت هذه الحزمات في هذه التجربة بقوة 450 بليون فولت اليكتروني تمثل جزء صغير من القوة الكاملة التي سوف تستخدم للإرتطام والتي سوف تبلغ 3.5 ترليون فولت اليكتروني ترتفع خلال عدة مراحل حتى تصل إلى 7 ترليون فولت اليكتروني سنة 2011.

وعلى صعيد تقني آخر ، تقف الكويت شامخة رافعة الرأس في المحفل الدولي إستعداداً للإنظمام إلى مصاف الدول المتقدمة لتأخذ دورها للمساهمة في دفع عجلة تطور العلوم الطبية إلى أبعاد لم تحققها أياً من زميلاتها في العالم المتحضر وذلك بإنشاء مراكز طبية متخصصة للـحـجـامـة ....

عفواً .... ماذا قلت ؟ متخصصة في ماذا ؟

في الـــــ حــــ جــــ ا مـــ ة

وعذراً على التكرار فهو لي وليس للقارئ في محاولة يائسة مني لإفاقة نفسي من صدمة الخبر الذي وصلني متأخراً من زميل لي يحاول هو الآخر الإفاقة من وقعه عليه منذ شهور بدون نجاح ...

وتحسباً للقطعان الغفيرة التي سوف تساق إليه من قبل أخصائيي الشعوذة ونقلة القال والقيل المقدس ، فإن مركزاً واحداً لن يفي بالغرض ولذلك سوف تنشر هذه المراكز في جميع محافظات الدولة. وحيث أن هذا المشروع الطبي المتطور يتطلب أعلى الكفائات العلمية لإدارته والإشراف عليه ، فأننا نناشد المسؤولين بتعيين البروفيسور العبقري عبدالمجيد الزنداني مكتشف العلاج الإعجازي لمرض الأيدز والدكتور النابغة زغلول النجار مكتشف كل إعجاز آخر لتولي هذه المناصب الـ(لا)سامية اللائقة بهما. وبهذا الإنجاز الطبي الرائع وطاقم الإشراف الإداري المعجز سوف تكون الكويت سباقة في تقديم أفضل الخدمات التقنية الطبية لرفع المستوى الصحي لمواطنيها وللبشرية جمعاء حين تتسارع باقي الدول خلفها للحاق بها ومواكبتها.

ومما لاشك فيه أن هذا المشروع يمثل الحلقة الأولى في سلسلة من المشاريع الطبية المتطورة التي سوف تأتي تُباعاً وتشمل إنشاء مراكز لصيدلة بول البعير والمعالجة بالكي وطرد الجن وفك السحر ودرء الحسد وغيرها من التخصصات الطبية الرائدة التي تزدهر في مجتمعاتنا بينما تتخلف فيها الدول الأخرى. ونحن على يقين بأن الزمرة التحديثية والعقول النابغة المنفتحة التي حثّت على هذه الخطوة التقدمية العظيمة سوف تأتينا قريباً بالخطط المستقبلية لهذه التخصصات لطرحها على مجلس الأمة.

وبينما تحبس المجتمعات الطبية الكويتية والدولية أنفاسها تطلعاً وانتظاراً للبت في إقتراح إنشاء مراكز الحجامة المقدم إلى مجلس الأمة من قبل النائب مرزوق الغانم والذي ننصحه بأن يُكثر من التبخر بالشب دفعاً للعين على عقليته المستنيرة ، إسم الله عليها ، نحن هنا في هذه المدونة سوف نحصر إهتمامنا المتواضع على تتبع التجارب القائمة في مصادم الهدرون ، وسوف ننشر آخر التطورات عنها حينما تعلن.

الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

عند التصادم ، بداية النهاية

pp


تجري هذه الأيام عملية تبريد لمصادم الهدرونات الكبير Large Hadron Collider لتخفيض حرارته إلى مايقارب الصفر المطلق وذلك إستعداداً لإعادة تشغيله بعد العطل الذي أصابه العام الماضي من جراء تسرب طن من سائل الهيليوم المبرّد إلى النفق الذي يحتويه والذي أدّى إلى تأخير برنامج التجارب المقررة له إلى منتصف نوفمبر من هذه السنة. واستناداً إلى الخبر الذي نقلته محطة البي بي سي الإخبارية مؤخراً ، فقد أوصل المهندسون درجة برودته الآن إلى 271 درجة تحت الصفر وهو المعدل المخصص لتشغيله. وهذا المستوى الحراري المنخفض هو أيضاً ، بالمناسبة ، أبرد من أي درجة يمكن الوصول إليها طبيعياً في أي مكان من الفضاء الخارجي. ولأحبائي وأعزائي القادمين للتو من سفرهم إلى المريخ والذين لم يسمعوا بهذا الجهاز لغيبتهم على أرض الصخور الحمراء ، فقد أضفت في الفقرة القادمة نبذة قصيرة عنه يمكن تجاوزها ، تفادياً للتكرار ، إلى الفقرة التي تليها لهؤلاء الذين لم يحالفهم الحظ للسفر هناك وظلوا مثلنا على الكرة الأرضية غير قادرين على الهروب من ملاحقة أخباره لهم ..

هذا المصادم هو آلة علمية لاستكشاف ودراسة مايحدث عندما تصطدم نواة الذرات أو البروتونات Protons ببعضها وتنفصل من شدة الإرتطام أجزائها الأولية المكونة لها. لتحقيق ذلك ، بُني هذا الجهاز ليُطلق حزمتان إشعاعيتان من البروتونات في إتجاهين معاكسين بسرعة تدنو من سرعة الضوء لترتطم ببعضها ، وفي نقطة الإرتطام ، تُلتقط صور الجسيمات الناتجة عن هذا التصادم لدراستها والتعرف عليها ومنها إختبار صحة الفرضيات التي تصف الإطار النظري لفيزياء الجسيمات المكونة للمادة. ولكن لتفتيت الذرة إلى مكوناتها الأولية تتطلب هذه العملية آلات في منتهى التعقيد والقوة والضخامة وهذا مايمثله المصادم ، إذ يتكون من نفق دائري تحت الأرض يبلغ طوله 27 كيلومتر ويتألف من عدة أجزاء من أهمها القطع المغناطيسية التي تغلّف الحزمات البروتونية ويبلغ عددها 1232 قطعة طول كل منها 15 متر ووزنها 35 طن وظيفتها تقويس هذه الحزمات ضمن المسار الدائري المقرر لها وتعجيل سرعتها وتوجيهها إلى نقطة التصادم ، وقد وصفت عملية توجيه الحزمات البروتينية للإرتطام ببعضها رأساً برأس في النفق كمن يطلق إبرتي حياكة من جهتين مختلفتين عبر المحيط الأطلسي ليتصادم طرفيها ببعض. ولرفع فعالية هذه المغناطيسات ، تُبرّد بواسطة غاز الهيليوم المسيّل إلى 271 درجة تحت الصفر.

إنتهينا من الجزء التكنيكل الممل ، لنلتفت الآن إلى الجزء المثير من الموضوع. يقول العنوان "... بداية النهاية" ، ولاشك في أن القارئ قد تسائل قاطباً جبينه تعتري وجهه لمحة من القلق المبرر على هذا التصريح الدراماتيكي ، بداية ونهاية ماذا ؟

البداية هي عملية واقعة قيد التنفيذ لامفر منها وهي بداية تشغيل هذا المصادم ، والذي كما قلنا أعلاه ، قد باشر المهندسين القائمين عليه بتبريده وتحضيره استعداداً لإطلاق الحزمات الأولى من البروتونات بسرعات تجريبية منخفضة خلال هذه المراحل الأولية من الأسابيع القليلة القادمة ، ترتفع إلى السرعات القصوى المقاربة لسرعة الضوء خلال شهر يناير فما بعده من العام المقبل يخرج فيها علم الفيزياء من إطار المعلوم ويدخل إلى عالم الإستكشافات المجهول.

أما النهاية فهي تخضع إلى احتمالين ، كلاهما نظري ، والثاني أقرب إلى التحقيق من الأول. فأما الإحتمال الأول فهو يتعلق بالخطورة الكارثية التي قد يسببها هذا التصادم حيث من الممكن أن ينتج عنه أنواع من الجسيمات الغريبة التي قد تسبب خطر على الحياة أو على الكرة الأرضية نفسها ، وأحد هذه المخاطر هي ظهور ثقوب سوداء صغيرة Black Holes ، إذ تشير المعادلات الرياضية إلى إمكانية حدوثها ، ولكن نفس هذه المعادلات تتوقع منها أن تتبخر وتتلاشي فور تكوينها مما يحصر خطورتها ضمن الإحتمال النظري المستبعد وخارج الإحتمال الوارد الحدوث. والسؤال المرعب الذي يطل علينا بوجهه القبيح من بين صفحات دفاتر هذه المعادلات هو : ماذا لو أخطئت الحسابات الرياضية ولم تتلاشى هذه الثقوب كما يتوقع بل بقت لوهلة أطول تسقط فيها القيَم الرياضية التي أنفق العلماء عقود من أعمارهم في الوصول إليها ؟ هل يُجدي الإعتذار Oooops ... sorry , I made a mistake حينذاك ؟

في هذه الحالة سوف يتحقق السيناريو الكارثي المستبعد ويسقط أول سايكوباثيك جينيسايدل ثقب أسود إلى مركز الكرة الأرضية خلال جزء من الثانية من تكوينه ويلتقمها بمن عليها ، بهذه السرعة وهذه البساطة. وبهذاا يُسدل الستار السرمدي الذي حاكه الإنسان بيديه على مسرحية الحياة ومسرحها. وتجد الشمس نفسها بعد هذه الصدمة الكونية حائرة هائمة في شُعب درب التبانة تتسائل أين ذهب حمّام العين الحمئة التي تغطس فيها كل ليلة قبل أن يأتي دورها هي الأخرى لتصبح لقمة في فم وحش كوني كاسر لايفلت منه حتى نور وجه خالقه الكريم.

قبل أن يهرع بعضكم جزعاً وهلعاً للوضوء والصلاة والإستغفار تحصناً لاستجوابات نكراً ونكير الوشيكة وخوفاً من الشجاع الأقرع الذي يمكن أن يرتشى بباروكة ، أود أن أطمأنكم بأنه بالرغم من وجود هذه الإحتمالات نـــظـــريـــاً إلاّ أنها غير واردة الحدوث ، إذ لايوجد شخص واحد من العشرة آلاف عالم ومهندس ممن قاموا بتصميم وبناء وإدارة وتشغيل هذا المشروع أو هيئة واحدة من مئات الجامعات والمختبرات المشاركة فيه تعتقد بأن أي من هذه الإحتمالات الخطرة ممكنة الوقوع.

أما الإحتمال الثاني فهو أقرب إلى التحقيق ، وسوف يقدم ، إن تحقق ، أثمن وأعز وأغلى خدمة للبشرية جمعاء منذ ظهور اللوشن الدارويني ليبرء رمد العقول ويبدد الغشاوة التي أعمتها منذ أن نظر الإنسان إلى الدنيا حوله فلم يرى إلاّ نفسه وعمي عن موقعه منها ، وهو ، أي الإحتمال الثاني ، في الوصول إلى مايطلق عليه بكل تعظيم "نظرية كل شئ" The Theory of Everything في علم الفيزياء. ولكن قبل أن أتوغل في هذا الدرب ، دعوني أولاً أنغمس ، من خلال بعض السطور ، في نشوة تكسير الصنم الذي نُفخ فيه الحياة ليصبح أول وأوضع وأغبى حرامي ابتلى الإنسانية ، أدى تصرفه المتهور الأحمق إلى مآسي وآلام ومعاناة لنسله البريئ يعجز الخيال عن وصفها امتدت من تاريخ إخراجه ذليلاً من الجنة إلى يوم إدخالنا نحن في النار بسببه ، وكل هذا نتاج سرقته لتفاحة ، تخيلوا ماكان ليحدث لو مسه الشيطان بلحظة جنون قطع فيها الشجرة !!!

لازالت الدوغمائية اللاهوتية الخلقية تترنح من وجع الضربة التي وجهتها لها نظرية تشارلز داروين للتطور بواسطة الإنتخاب الطبيعي منذ أن ظهرت على الساحة لتزيح ، مدعمة بصلابة النهج العلمي ، المفاهيم اللاهوتية البالية عن المصطبة التي جثمت فوقها لعشرات القرون ، وترتقي إلى عرش المعارف التي حققتها البشرية. ولكن هذه الدوغمائية العنيدة لاتزال واقفة تتقلقل على قوائم ضعيفة خائرة تترقب في أي لحظة الضربة القاضية التي سوف تسقطها على مرتبة الخرافة الموثقة وتبقيها ملقاة هناك بلا حياة تطأها أقدام التقدم المعرفي وتتغذى عليها ديدان الزمن.

هذه الضربة سوف تأتي لامحالة ، إما من مختبرات علوم الأحياء أو من أنفاق التجارب الفيزيائية كالمصادم الهدروني ، وهي مسألة وقت فقط. إن جائت من مختبرات الأحياء ، والأبحاث قائمة ضمن هذا التخصص في مختبرات كثيرة ، فسوف تكون من خلال خـــلـــق تركيبة كيميائية عضوية شُكِّلت من مركبات جماد غير حية تنطبق عليها شروط الكائن الحي وقادرة على التكاثر والتطور ، وليس من الضروري أن تكون خلية متكاملة بل يكفي أن توفي بشروط الحياة أياً كانت طبيعتها. أما إن جائت من التجارب والأبحاث الفيزيائية ، فسوف تأتي من خلال التوصل إلى نظرية كل شئ الشاملة السابق ذكرها. هذه النظرية سوف تمكن العلماء من تفسير جميع الظواهر الطبيعية بشكل كامل ومترابط وهذا يعني معرفة كيف ومن أين نشأ الكون ، أي بعبارة أخرى ، سوف نحصل على أطار من المعلومات نتوصل من خلاله إلى تفسير لعملية الخلق نفسها بدون اللجوء إلى النصوص المقدسة لتفسيرها ، كمثال المطر الذي نعرف حسب التفسير العلمي أنه ينتج عن تكثف أبخرة البحار في طبقات الجو العليا الباردة وتشكلها كقطرات ماء تنزل كأمطار وليس بسبب رش الملائكة أو الآلهة المختبأة خلف السحب.

إذا كان هناك أحد لم يستوعب مضمون نتائج هذه الأبحاث ، إن تحققت بالشكل المتوقع لها ، فسوف أبسطه أكثر : يعني أن الإله سوف يفقد جميع وظائفه التي احتكرها منذ أن عينه الإنسان كخالق وحاكم وقاضي وجلاد ، وينزل من عرشه لينظم إلى طابور العاطلين عن العمل في دوائر التوظيف. وهذه هي النهاية المقصودة من العنوان.

مصادم الهدرونات الكبير الذي سوف يبدأ تشغيله الشهر القادم سوف يعطينا فرصة حقيقية للوصول إلى مثل هذه النظرية. وسوف أنشر أهم الإكتشافات التي يتم التوصل لها أول بأول في هذه المدونة.

Watch this space

السبت، 17 أكتوبر 2009

من أقوال الملحدين




عِش حياة صالحة
إن كان هناك آلهة ، وهي عادلة ، فلن تهتم بدرجة تقواك وسوف ترحب بك بناءً على فضائلك في حياتك
وإن كان هناك آلهة ، وهي ظالمة ، فلايتوجب عليك أن تعبدها
أما إن لم يكن هناك آلهة ، فتكون قد رحلت ولكنك عشت حياة نبيلة تظل ذكراها باقية في أذهان أحبابك
ولهذا فأنا لست خائف

الإمبراطور الروماني ماركَس أوريليَس
121 - 180م
حخ

الاثنين، 12 أكتوبر 2009

يعوذ بالله من الإله

خخ
خلال بحث لي في غوغل لموضوع ليس ذو صلة بهذا ، وقع نظري على مقالة قصيرة في صحيفة الشرق الأوسط للكاتب أنيس منصور تحت عنوان :
"أعوذ بالله من هذا الإله" يعبر فيها عن الهزة النفسية (تعبيري) التي سببها له كتاب ريتشارد دوكنز "وهم الإله" بعد قرائته له.

في الواقع ، حدة ردود الفعل هذه وتأثيرها البالغ على نفسية الإنسان حين ترتطم مفاهيمه العقائدية التي يعتبرها من المسلمات والثوابت التي لاتقبل أدنى اعتراض لها أو شك بما يزعزها ، ليست مستغربة لو صدرت من مؤمن مغيب الإدراك عن المنظور العلمي المدعم بالدلائل المادية الدامغة التي تعج بها كتب ريتشارد دوكنز ، ولكن أن تصدر من شخص بالمستوى الأكاديمي كأنيس منصور فهذا الذي يستدعي الإستغراب في نظري.

لم أكن لأعير مقالة أنيس منصور أي إهتمام لأنه ليس المفكر الوحيد الذي يستاء من فكرة إناحة الإله جانباً ليُستبدل بعشوائية الطبيعة وقوانيها الباردة اللامكترثة ، ولكن ماحدني على كتابة هذا التعليق هو أســبــاب إستياء أنيس منصور من كتاب ريتشادر دوكنز كما عبر عنها في مقالته. فكأكاديمي على درجة عالية من الثقافة والمعرفة والإطلاع ، يتوقع من أنيس منصور أن يتجرد من عواطفه وانفعالاته وان ينظر إلى الدلائل العلمية المطروحة بقدر من الموضوعية وينتقي بعضها كأمثلة من الكتاب محل الجدل ويحاول أن يفندها بالحجة بصرف النظر عن وزن الدليل أو قوة البرهان الذي يقدمه ، فتقييم الأدلة المطروحة يحدده المستوى الثقافي للقارئ. ولكن هذا الأكاديمي والمفكر البارز لم يقدم ، لدهشتي ، أي دليل أو برهان كسبب لإستيائه البالغ للكتاب سوى تعبير مؤثر لسيل العواطف الجياشة التي غمرته عند قرائته له.

ما "أتعس" أنيس منصور و"عذبه" و"أظناه" ، على حد تعبيره ، هو فكرة أن لو كان هناك إله ، حسب مفهوم دوكنز في كتابه ، فهو قطعاً ليس إله اليهود والمسيحيين والمسلمين ، أو أي طائفة أخرى في الواقع مما يضع المسلمين في نفس مصاف باقي البشر ... مقدسين الحجر مع مقدسين البقر ... ياللعار ، وليس هو الإله الذي "يستحق العبادة" ، أي أن عبادة عمر كامل قد ذهبت أدراج الريح في سبيل إله مزيّف ... فكرة لاتطاق ، وأن هذا الإله "لن يعنيه مصير الإنسان ولا الهوام ولاالحشرات ولاحتى المايكروبات" ، إهمال تام لنا من رب العزة الحقيقي حتى لو تمزغت وجوهنا تمريغاً على الأرض من الصلاة له ليلاً ونهاراً ، وأنه قد خلقنا "وألقى بنا وتركنا لمصيرنا لأننا لانساوي شيئاً عنده" ، ياحسرتنا ... من يفرّج عنا مصائب الدنيا وأهوالها التي ابتلانا هو بها ؟

هذا الكتاب ، المدعم بالبراهين العلمية ، جّرد أنيس منصور من أعز مايملك :

"الدفئ والأمل والحب والعدل والخير"

وهذا مالايطيق الإنسان فقده ، وسحقاً لجميع الأدلة العلمية التي تحرمه منها.


مقالة أنيس منصور :
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=434885&issueno=10502

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

أوقفني عن هرولتي سنجاب

من ت
تعودت على الركض (الهرولة) على امتداد شاطئ البحر القريب من بيتي في مدينتنا الساحلية البريطانية ، مصيفي المفضل ، كلما توقفت الأمطار واعتدل الجو خلال الفترة القصيرة التي تمر علينا من كل سنة والتي يعبر الناس في هذه البقعة من الأرض عن تقديسهم وتبجيلهم لها وحبهم وشوقهم وتطلعهم لقدومها بتأليهها وتلقيبها بــ (((( الــصــيــف )))) ، إنظر كيف هي مدوية هذه العبارة ، وهو موسم يمتد لشهور عديدة في أقاليم أخرى ولكن ، لأسباب مناخية جغرافية ، فإن مدته شحة قصيرة هنا في بلد الضباب والسحاب والمطر ، لاتتعدى بضعة أسابيع تتقلص في بعض المواسم وتنكمش حتى لاتتجاوز أيام قليلة إذا ماازداد إستياء الآلهة ونفذ صبرها من سلوك القوم الإنجليزي السائب وقررت أن تصب جام غضبها عليهم لتعجل بهم إلى غياهب ظلام الشتاء وآلام برودته. ولذلك تراهم يحتفلون بقدوم هذا الفصل المبارك بممارسة طقوس غريبة تبنوها عبر الأجيال تستلزم تعذيب ماسوكي للذات لإرضاء هذه الآلهة ودرء سخطها وذلك بتعرية البدن وطهيه تحت أشعة الشمس الطاهرة المباركة إلى حد الإحمرار ، والإنسلاخ إذا تعمق الخشوع ، يصل في بعض الحالات إلى حد النضوج والموت للفئة القليلة الأصولية المتعصبة منهم. أما الفئة القليلة المارقة منّا فلا تعير إهتمام يذكر لهذه الممارسات وتبقى على جحودها مغطاة بـ تي شيرت وشورت كحد أدنى للمشاركة في طقوس التعرية الزكية خلال هذا الموسم المقدس.

فذات عصرية من يوم صيف بهيج مشمس ، خرجت كعادتي مرتدياً الطاقم الرياضي الكامل ومتسلحاً بعدة الهرولة بدأً من خزانة الوقود المتمثلة بقنينة الرد بُل وكاب البيس بول الواقي من الشمس ونظارة الأوكلي السوداء لإخفاء ملامحي حتى لايستوقفني أحد يعرفني ويقطع تواصل هرولتي وانتهاءً بسماعات الأذن الموصولة بالآيبود لدغدغت الأحاسيس ورفع المعنويات ، بدأت بالهرولة الخفيفة كتسخين خارجاً من بوابة الحديقة ومارّاً بجاري المستر بوب وينزويرث المتقاعد وهو منهمك في تقليم شجر الكونيفر المحيط ببيته والذي ما أن لمحني من فوق نظارته المتأرجحة على طرف أنفه حتى هتف بأحد العبارتين التي لازال يكررها عند رؤيتي منذ سكني بجواره قبل أكثر من ثمانية سنوات :

Hello Qal, nice day, isn't it
Hello Qal , horrible day, isn't it

حسب حالة الطقس في اليوم الذي يراني فيه ، فإن كان مشمس فهو نايس وإن كان ممطر فهو هوريبل. وذاك اليوم كان مشمس فكان هتافه "هالو كال ، نايس دَي إزنت إت" لأرد عليه بنفس التحية التي لازلت أكررها أنا له منذ ذلك الوقت :

Yes Bob, quite nice

وأتسارع في ركضي حتى لاأعطيه فرصة ليستطرد في حديثه الذي لايخرج في العادة عن حدود مثلث الطقس وحديقته وصحته التي أصبحت أعرفها وأشخصها أكثر من دكتوره.

إستمريت في الركض الخفيف تحت ظل أشجار الكستناء التي تحف الشارع ، أنسق كل خطوة فيه مع نغمات وإيقاع أغنية بوب مارلي وهو يعاتب الأولاد الأشرار :

bad boys bad boys
what you gonna do
what you gonna do
when they come for you


وأتمتم معه بصوت هامس ما تيسر لي من الأبيات التي أحفظها لهذه الأغنية غير مكترث بنظرات المارة الخاطفة لي وضحكاتهم المكبوتة ظناً منهم أنني غارق في الحديث مع نفسي ، والحقيقة أنني أدردش مراراً مع نفسي ولكن ليس ذلك اليوم ، حتى وصلت إلى درب المشاة الذي يتفرع من الشارع ويؤدي إلى ساحل البحر. وهذا الدرب يقتطع حديقة تتناثر فيها أشجار كثيرة من الكستناء والبلوط ونباتات عديدة أخرى وتتكاثر فيها السناجب لتوفر الكستناء كغذاء لهم. وما أن دخلت هذه الحديقة حتى لمحت تحت أحد أشجارها قرب السور على بعد بضعة أمتار سنجاب على الأرض مستلقي على بطنه لايتحرك ، ويداه ورجلاه مثنيتان بجانبه في وضع ذكرني بطريقة نوم الرضيع عندما يوضع للنوم على بطنه. فظننت للوهلة الأولى بأنه نائماً ولكن سرعان ما أقصيت هذه الخاطرة من فكري لعلمي بأن السناجب تنام على أغصان الشجر في الليل وليس على الأرض في عز النهار ، فخففت من سرعتي وأنا متجهٌ إليه أتوقع قفزه في أي لحظة وتسلقه الشجرة كالعادة عندما يباغته أحد وهو غافل ، وأخذت بالإقتراب منه وصوت تكسير أوراق الشجر الجاف تحت وطأ قدماي يدنو منه بدون أن يصدر منه أي صوت أو حركة. وحين وصلت إليه توقفت لوهلة بجانبه أحدق فيه عرفت من بعدها فوراً بأنه ميت.

في الحقيقة أن بعض الحزن قد انتابني خلال تلك الدقائق التي وقفت فيها لأتمعن في منظر هذا الحيوان النشط الذي لاتهدأ حركته طوال اليوم في البحث عن طعامه ومطاردة منافسيه والذود عن منطقته وهو ملقي على الأرض ككومة من اللحم والفرو بلا نفس أوحراك. ولكني لم أعبأ كثيراً بتلك الحادثة وقتها وسرعان مانصرفت من فكري حالما رجعت إلى هرولتي ولاحت من فوق رؤوس الشجيرات المحيطة بالحديقة إنعكاسات الشمس على مرآة البحر الذي تراقصت أمواجه على نسيم العصرية ونغمات بوب مارلي التي كانت تدغدغ مسامعي أيضاً لتحثني على المثابرة ولتخفف عني حرارة الشمس الذي بدأت تلفح ظهري. فأكملت هرولة ذاك اليوم وختمتها بشعور من السعادة والرضى لذلك الإنجاز الرياضي المتواضع.

خرجت في اليوم التالي لشوط آخر من الركض ، ماراً بنفس الطريق المعتاد ولكني لم أرى المستر وينزويرث الذي يظهر أنه ذهب في زيارة إلى دكتوره ضمن روتين مثلث إهتماماته منذ تقاعد ه ، الطقس والحديقة وصحته ، فقد كان يشتكى لي بأنه لم يذهب إلى العيادة منذ أمد بعيد يتجاوز الشهر بخلاف عادته في زيارة الدكتور كلما شعر بوخزة ألم أو مس من صداع أو إحساس بتعب مما يدفعه هذا الوسواس إلى مراجعة العيادة بشكل أسبوعي ولاأدري لماذا لم يتم تحويله إلى العلاج النفسي الذي سوف يكون بدون أدنى شك أكثر فعالية من العلاج الطبي.

فاستأنفت جولتي بعد هذه الخاطرة أعدو على نغمات ريحانة وهي تصدح بصوتها البلبلي في أغنية المظلة umbrella حتى وصلت إلى حديقة السنجاب المتوفي. وحال دخولي إليها ، رفعت بصري لأرى أن المغفور له لايزال في مكانه منبطحاً على بطنه لم يحركه أحد. فاقتربت منه وتوقفت عنده لوهلة أعيد التمعن فيه متسائلاً عن سبب موته. هل قتله حيوان آخر؟ لاأعتقد ، فلايوجد عليه أي جروح أو دم ظاهر يشير إلى هذا السبب. هل وقع من الشجرة أو أصابه مرض أو أدركته الشيخوخة ؟ محتمل ، ولكن حجمه وتكامل جسمه وخلوه من أي عيوب أو جروح يشير إلى أنه كان حيوان بالغ سليم متعافي. إذاً الأرجح ، قلت لنفسي ، أنه قد لقى حتفه بالسقوط من علو شاهق من الشجرة. ويعزز هذا الإستنتاج إنبطاحه على بطنه بالضبط كما يتوقع أن تفعل هذه القوارض عند سقوطها ، فهي تستدير تلقائياً لتنزل على أرجلها كالقطط.

بعد هذا الإستقراء السريع لملابسات الحدث ، عدت لإكمال جولة الركض بمزيج من الشعور بالرضى على حلّي لهذا اللغز بهذه السرعة والأسف على أنني وجدت السنجاب كما هو في مكانه. إذ لو لم يكن موجوداً اليوم لأعطاني غيابه أمل في أنه كان مغمى عليه بالأمس عند رؤيتي له وصحى وذهب بعد أن تركته ليعيش ليوم آخر قبل أن يدركه المحتوم. ولكن وجوده اليوم في نفس الوضع أكد أن ذلك المحتوم ، أياً كانت طبيعته ، قد أدركه ومضى ليقبض غيره.

توقفت عن الركض بعد ذلك اليوم لفترة تقارب الأسبوع عندما تراكمت علي متطلبات الحياة وأبقتني رهيناً بين جدران البيت وأجواء المكتب ولكن صورة تلك الفروة الكروية الراقدة في سباتها السرمدي لم تبارحني بل ظلت تومض في ذهني كلما سرحت مخيلتي بعيداً عن شجون البيت وهموم العمل. فعندما أتت الفرصة لخروجي مرة أخرى في جولة من الهرولة التي أتطلع إليها دوماً بصبر نافذ لما فيها من وقع عميق على بهجة لنفسي ورفع لمعنوياتي ونفع لجسدي ، أضاف إليها الآن حماس فضولي لمعرفة ماحل بجسد السنجاب الراحل. هل لايزال موجوداً هناك في مطرحه أم ألتقطه كناس الحديقة وانتهى مصيره في المزبلة ؟ أم هل وجده حيوان آخر جائع والتقمه ليسكت به أنين جوعه ؟ لقد شاهدت بنفسي عدة مرات ثعالب تعدوا أمامي وتختفي بين النباتات الكثيفة التي تحيط بالحديقة ، والثعلب لن يترك هذه الهبة التي أسقطتها له السماء ليلتقمها دون تعب أو عناء. ولكني لن أستبق الأحداث فلن يطول الوقت حتى أجد الجواب.

وصلت إلى مدخل الحديقة ورميت بنظري تجاه الموقع ، فلم أصدق عيناي حين وقعت على كومة الفرو التي بدت عن بعد وكأنها قد تقلصت شيئاً ما. إذاً فهو لايزال هناك ، لم يحركه أحد ولم يلتقمه ثعلب. دنوت منه ونظرت إليه ، فإذا به لايزال راقداً في نفس الموقع وفي نفس الوضع لم يتغير فيه شيئ سوى أن تكوير جسده بدأ بالإنخفاض كما لو كان كرة قد فرغ منها بعض الهواء. وقفت صامتاً لدقائق أعاين جسده المتقلص وأنظر إلى شعر فروته وهو يتمايل مع هبات النسيم في تناغم مع صوت حفيف أوراق شجرة البلوط بأغصانها الممتدة فوقه تظلله. أكملت ركضي بعدها وعدت إلى البيت.

في الأيام والأسابيع التي لحقت ، إستمريت في هرولتي كالعادة ماراً بجاري مستر وينزويرث وبالحديقة وبالسنجاب الذي ظل خلالها في مكانه بدون أن يحركه أحد. وكلما مررت عليه وجدت جسده قد انخفض أكثر مما كان عليه في الزيارة السابقة حتى أصبح بمرور الأيام مسطحاً وكأن عجلة سيارة قد داسته. ومع مرور الوقت بدأت بقايا جسمه بالتحلل تدريجياً وأخذت جلدته وفروته بالتقلص والإختفاء حتى لم أرى منه إلاّ بعض الشعيرات المبعثرة في الموقع الذي سقط عليه.

لم يتعدى الوقت من يوم سقوطه في تلك الصيفية إلى فنائه أكثر من أربعة أو خمسة أسابيع.

السنجاب حيوان ينتمي إلى نفس فصيلة الثدييات التي ينتمي إليها الإنسان وإن كانت هناك إختلافات واضحة لاتحتاج إلى تفصيل وليس المقصود من الكلام المقارنة التشريحية. إنما وجه التشبيه يكمن في المراحل التي تمر فيها عملية التحلل الجسدي الذي تمر فيه أجسام هذه الكائنات ، ومنها الإنسان ، بعد الموت. فهي متطابقة. ولو كان ذلك السنجاب إنساناً لمر في نفس مراحل التحلل والإندثار التي شاهدتها مع اختلاف المدة فقط.

الهدف من كتابتي لهذه القصة هو نفس الهدف من سردي لقصة أخرى تحمل نفس الرسالة كتبتها السنة الماضية في مدونتي هذه تحت عنوان "الرغبة في البقاء وحتمية الفناء". ومايحدني على الخوض تكراراً في موضوع الموت الذي يشمئز منه أغلبنا (نعم حتى أنا أشمئز من الخوض فيه بالرغم من تعدد كتاباتي حوله) هو قناعتي بأن القليل فقط قد وصل إلى مستوى من الإدراك يمكنه من إستيعاب المعنى الكامل للموت والفناء الأزلي لكيانه. هذه حقيقة من الصعب ، وعند أغلب الناس ، من المستحيل إستيعابها إما بسبب قناعتهم التامة بالحياة بعد الموت أو لعدم القدرة بالإرتقاء في التفكير إلى مستوى الإدراك الحقيقي لهذه النهاية.

في مقابلة مع ريتشارد دوكنز Richard Dawkins ، يصف ستيفن واينبرغ Steven Weinberg العالم الفيزيائي الشهير معرفة الإنسان بمصيره الأبدي المحتوم حين يفارق أهله وأحبائه إلى غير رجعة بأنها "مأساة". قد يجد ستيفن واينبرغ القليل ممن يشاركه هذا الرأي ، وأن أعتبرت نفسي أحد هؤلاء القلائل ، ولكن باعتقادي أن المأساة الحقيقية هي أن يفارق الإنسان هذه الحياة بعد أن يهدرها في أوهام وطقوس ومراسيم لاتعود بفائدة عليه فيها ويحرم نفسه من ملاذتها والإستمتاع فيها لأجل حياة أخرى ليس لها وجود.

السبت، 1 أغسطس 2009

جائزة نوبل ، مؤشر للتخلف العلمي في العالم الإسلامي

ننن
ميدالية جائزة نوبل في الكيمياء


قبل كم يوم ، أثرت حفيضة وغضب قريب لي وعزيز علي عندما وصفت واقع العالم الإسلامي الحالي بالتخلف العلمي خلال حوار معه عن المناهج الدراسية المغربلة بمنخل الدين وأساليبه التعليمية الحاثة على الحفظ والتلقين ومايترتب على ذلك من مستوى ثقافي مزري في الدول الإسلامية وأشرت إلى أنه لابد أن يكون للدين الإسلامي تأثير على هذا الوضع الملحوظ كونه عامل مشترك على أقل تعبير وقوة مهيمنة في هذه المجتمعات ، لاسيما في المؤسسات التعليمة. ردة فعله التي لاأبالغ حين أصفها بالهائجة والتي أثارتها من غير شك غيرة المؤمن ، المسلم بالخصوص ، المرهفة الحساسية تجاه معتقده وكرهه الشديد لكل مايمسه من نقد أو تمحيص دفعتني لطرح هذا الأستفسار للقارئ لعلي أتلقى ردود أو تعليقات من الإخوة والأخوات المؤمنين والمؤمنات لتعليل الظاهرة الآتية :

منحت جائزة نوبل في المجالات العلمية الأربعة : الفيزياء ، الكيمياء ، الفسلجة أو الطب منذ عام 1901 وحصل عليها منذ بدايتها وإلى عام 2009 536 عالم من مختلف الجنسيات والتوجهات العقائدية. وحيث أن عدد المسلمين في العالم يبلغ حالياً حوالي بليون ونصف مسلم ومسلمة ، أي بنسبة 22% أو مايقارب من ربع سكان العالم ، فالسؤال هو:

لماذا لم يحصل على جائزة نوبل في أي من هذه المجالات العلمية الأربعة إلاّ مسلمان فقط خلال أكثر من مئة عام ، أي مما لايتعدى النصف بالمئة من مجموع الــ 536 عالم الحاصل عليها بالرغم من أن عدد المسلمين في العالم يقترب من ربع سكانه ؟؟؟
نن




المسلمان الحاصلان على جائزة نوبل هما :



* محمد عبدالسلام وهو عالم فيزياء باكستاني حصل عليها عام 1979 بالإشتراك مع ستيفن واينبرغ وشلدن غلاشو
* أحمد حسن زويل وهو عالم كيمياء مصري حصل عليها عام 1999



هذا على افـتـراض أن الإثنان مسلمان لأن محمد عبدالسلام ينتمي إلى الطائفة الأحمدية القاديانية وهي مكفرة من قبل السنة والشيعة فهل نعتبره مسلم؟ وأحمد زويل معروف بأنه علماني حتى النخاع ويطالب بحصر الدين في المساجد فهل نجزم بأنه هو الآخر مسلم؟ فإن كان كلاهما مسلم إسماً وغير مسلم عُرفاً وهما المسلمان الوحيدان في اللائحة الطويلة للحائزين على هذه الجائزة السامية ، ألا يعني هذا أن من الـ 
536 عالم حائز على جائزة نوبل في العلوم منذ بداية منحها قبل مئة سنة وإلى الان ....



لايوجد مسلم واحد بينهم ؟



وهذه معلومة إضافية لقريبي المستهجن لنقدي على الوضع الثقافي المشين في الدول الإسلامية ولكل من امتعض مثله من إظهار العلاقة بين الدين الإسلامي أينما يتواجد والتخلف الثقافي المصاحب له بغض النظر عن الجنس أو اللغة أو الموقع الجغرافي لمعتنقيه.



في ترتيب للمستوى الأكاديمي لأفضل 500 جامعة في العالم لعام 2008 ، لايوجد أسم أي جامعة من أي دولة إسلامية ضمن المئتي جامعة الأوائل في تلك اللائحة. وأعلى رتبة لجامعة في دولة إسلامية موجودة في هذا الترتيب هي الجامعة الإندونيسية في إندونيسيا وتقع في الرتبة 287 تتبعها جامعة إندونيسية أخرى في الرتبة 316 وجامعة الملك فهد في السعودية في الرتبة 338 وجامعة تركية في الرتبة 374 وباكستانية في الرتبة 376 . ويأتي بعد ذلك في ذيل القائمة 6 جامعات أخرى في مصر وأيران وباكستان وتركيا. أي أن مجموع عدد جامعات الدول الإسلامية في هذه اللائحة هو 11 جامعة فـــقــط.

وقد لاحظتم بالطبع أين تقع رتب هذه الجامعات من سِـلّـم الأفضلية بالإضافة إلى ندرتهم في اللائحة ؟



نـحو القـاع ....


ومبروك عليك يابن عمي وعلى أمة الإسلام شهر رمضان مقدماً ...
"صوموا تصحّوا" نصيحة نبوية لإجاعة الجسم والــمــخ ... ألا يكون هذا أحد أسباب بلائكم ؟؟؟

لائحة برتب الجامعات لعام 2008 :

http://www.topuniversities.com/worlduniversityrankings/

الأربعاء، 13 مايو 2009

أفقت يوماً

مم
إستيقظوا من سباتكم فقد بُح صوتي


أفقت يوماً من غيبوبة كانت هنائي
لجـأت إليـها كـلما غـامت سـمائي

كنت أثمل من نهل خمر آمالها
لكن خشيت نارها وهول الجزاء

فنظرت حولي بعد صحوتي منها
فوجدت عالماً غير ماغدى ورائي

فيه جنة ينعم المترفون فيها
بكل ماحتوت من ثمر وماء

وفيه صحراء ينهش العقبان فيها
كل من سقط على أرضها القفراء

بحثتت فلم أجد فوقها حاكماً
يدلي من السماء ميزان القضاء

سوى وليد قصر أو سالب منصب
أو ممّن اعتلى هرم الثراء

يسكب راعيهم القدر في جوفه
ويترك القطيع للحس الوعاء

فغديت واجلاً مرتقباً سائلاً
أين المنجد عند عسرتي وضرائي

من يمد يد العون لينتشلني
حين يسقطني الهرم أو يشلني الداء

فليس هناك رب ألتمس منه عوناً
وليس هناك سوى نفسي وأقربائي

وكيف أرتجي من غيري نفعاً
إن عم البلاء الكل حداً سواء


..... وللـقـصــة بـقـيـة


تنبيه: الحقوق الفكرية وحقوق النشر محفوظة لصاحب المدونة. يسمح باقتباس أي من محتويات المدونة بشرط الإشارة إلى المصدر.

السبت، 25 أبريل 2009

كيف تختار إلهك

ةة
يبدو أن بعض الكائنات الحية العاقلة من الفصيلة الهوموسابيانية الذكية المنتمية إلى العائلة الهومينيدية القردية الحذقة لاتطيق أو قد لاتتمكن من إستيعاب فكرة أن الوجود بكونه وكائناته قد تشكّل بدون مسبّب ، أو كما تُصر هذه الكائنات على تسميته ، بدون خالق أو إله. وحيث أن هناك أصناف لاتعد ولاتحصى من هذه المسببات ، أو الآلهة ، والذي قاد تعددها واختلاف هوياتها وقدراتها ونزواتها ، ولايزال ، إلى تنافس وتضارب تصاعد في حالات كثيرة إلى حروب طاحنة بين هذه الكائنات إنفنت من جرّائها أعداد هائلة منها. فكمساهمة متواضعة مني لخدمة بنو جنسي الهومونيني القردي الموهوب الذي يتمتع بعقلاً مدهشاً ، وأحياناً للأسف خائباً ، أود أن أقلّص الخيارات لهذا الكم الهائل من الآلهة وأحصرها بين إثنين فقط لتسهيل عملية الفرز لمن لم يتمكن من اصطياد وذبح مضرب الأمثلة للسببية المتأصلة وهو هذا البعير التائه في ثنيات مخه ولم يتسنى له كنس بعراته المتراكمة من ورائه. آملاً أن يحل السلام والوئام بينهم مع الإبقاء ، مضضاً ، على البعير الماكر المراوغ يرعى في مناطق أفكارهم. (مناطق كجمع منطق هنا وليس منطقة)


إن عقاب الله شديد لمن عصاه
(أفنى الداينوصورات نيزك سقط قبل 65 مليون سنة)
"إن تهاوشتوا مرة ثانية لطختكم بهالنيزك أنت وهو"

وحيث أن المرشح الأول من هذه المسببات هو الإله الإبراهيمي لاعتبار أن أكثر من نصف هذه الكائنات الساكن على سطح هذه الأرض يؤمن به ، فسوف يكون هو الخيار الأمثل الذي سوف يواجه بأس الإله الآخر وهو إله مفترض لم يتمكن أحد بعد من معرفته ولكنه ، إن وجد ، يستحق إذلال النفس له بتمريغ الأنوف ورض الجبهات ورفع المؤخرات ، حتى وإن لم يطلب منّا تنفيذ هذا الفعل المهين ، لعظمة قدرته وفسيح علمه الذي أثبته العلم لنا.

ولتمكين القارئ العزيز من الوصول إلى الخيار السليم ، سوف أدرج أدناه لائحة ببعض العلوم ، لوّنتها بالفضّي ، التي منّ بها علينا الإله الإبراهيمي مشكوراً محموداً من خلال كتبه التي أرسلها إلينا ، لاسيما كتابه الذي يؤمن متبعيه بأنه الحق الدامغ الذي لايعلاه علم آخر وهو القرآن ، يتباها فيها بإنجازاته الفلكية من شموس وكواكب وأقمار مقابل العلوم الأخرى ، ملوّنة بالأزرق ، التي حصلنا عليها بواسطة العلم والتي تُمثل علوم الإله المفترض.
مم
مراحل تطور الكون خلال الثلاثة عشر بليون سنة

نن
الكون والنجوم


الإله المفترض يعلم مالم يعلمه أي إنسان ولم يأت به أي إله آخر وهو أن سعة الكون يبلغ قطرها مئتي بليون ترليون كيلومتر وأن عدد النجوم في الكون يبلغ بليون تريليون نجم مختلفة الأحجام والأصناف من أصغرها ، كالقزم الأحمر Red Dwarf الذي لايتجاوز حجمه أحياناً عن عُشُر حجم شمسنا إلى عمالقة مثل النجوم الزرقاء والتي تصل أحجامها إلى ضعف حجم شمسنا بــ 1500 مرة. ويعرف أن درجات الحرارة في بعض النجوم تصل إلى 20 مليون درجة مئوية وتصل أعمارها إلى أكثر من 100 بليون سنة. وحيث أن شمسنا تدور حول نفسها مرة كل 25 يوم فإن بعض الشموس النيترونية تدور بسرعة تفوق 1000 دورة بالثانية.

بالمقارنة مع هذه الحقائق الدقيقة المذهلة ، فإن الإله الإبراهيمي لم يذكر سوى أن النجوم عبارة عن زينة يستخدمها أحياناً لقصف المتنصتين من الشياطين لأخباره (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوما للشَّيَاطِينِ) ولإضائة ظلمة الليل (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) فقط لاغير. أي أن بليون تريليون نجم موزعة على مئتي بليون تريليون كيلومتر هدفها ملاحقة الشياطين وإضائة الكرة الأرضية التي لايتعدى حجمها في الكون عن ذرة رمل في صحراء. مما يحُد بعض الكائنات الهومينينية المتمحصة على التساؤل عن جدوى كل هذه الإضائة إذا كان الإنسان لايزال يتخبط في ظلام الليل مالم ينير طريقه قنديل في يده. ألم يكن الأجدى أن يخلق هذا الإله القنديل ويوفر على نفسه تعب خلق الكون إذا كان الهدف الإضائة.
ll

الشمس وتبدو حولها الإضرابات المغناطيسية Solar flares
الشمس

الإله المفترض يعلم أن شمسنا هذه ماهي إلاّ واحدة من بلايين الشموس الأخرى التي تتركب منها مجرتنا وأنها بالرغم من حجمها المتوسط نسبياً تفوق في الضخامة الكرة الأرضية بأكثر من مليون مرة وأنها كتلة غازية تكونت قبل أربع ونصف بليون سنة وسوف تظل تحترق لخمسة بليون سنة أخرى. وأن حرارة سطحها يبلغ 5500 درجة ولكنها تصل في مركزها إلى 15 مليون درجة مئوية وأن هذه الحرارة في ارتفاع مستمر وسوف تزداد بمعدل 10% كل بليون سنة لتصل إلى درجة تتبخر معها مياه البحار والمحيطات وتحترق الحياة على سطح الأرض قبل أن تدخل الشمس بعدها إلى المرحلة الأخيرة من حياتها حين يتضخم حجمها بعد أن تستنفذ وقودها من الهايدروجين لتبلع الكرة الأرضية وتصهركل ماتبقى عليها.

مقابل هذه العلوم ، المعلومات التي ذكرها الإله الإبراهيمي عن الشمس لاتتعدى عن كونها تشرق وتغرب وتضيئ وتبعث على الحرارة ولم يعط أي تفاصيل عن حجمها أوعمرها أوشدة حرارتها أو أي تفاصيل أخرى أكدها لنا العلم ولم تكن معروفة ذاك الوقت. بل ذهب هذا الإله إلى ماهو أسوء من ذلك حين اعتقد أن الشمس تجري لتستقر في مكان ما (والشمس تجري لمستقر لها) مما يناقض النظريات العلمية حول دورة تكوين النجوم وتجاوز حدود الأخطاء في وصفه لحركة الشمس ليدخل نطاق الكوميديا والهزل حين ذكر أن الشمس تغرب في بركة من الطين الحامي (فوجدها تغرب في عين حمئة) ويضيف رسوله فصلاً آخر لهذا الإنتاج الساخر بقوله أن الشمس تذهب حين تغرب لتسجد تحت العرش. ولانعرف إلى هذا اليوم في أي ساعة من الليل أو النهار يحين وقت صلاة هذه الشمس حيث أنها حين تغرب عن مكان تكون مشرقة في مكان آخر. فمن لاحظ غيابها منكم عن السماء للصلاة فليبلغنا حتى نصحح معلوماتنا.
مم


مايماس Mimas أحد أقمار كوكب زحل

القمر

يكفينا هنا أن نقول أن الإله المفترض يعلم بوجود 173 قمراً في مجموعتنا الشمسية بالإضافة إلى 162 من الإقمار الأخرى التي تم رصدها في الفضاء الخارجي. ويعلم أن القمر الذي يدور حول الكرة الأرضية مجرد واحد منهم وأنه يعكس أشعة الشمس لينشرها ضمن نطاق محدود يضيئ فيه نصف الكرة الأرضية التي تسبح في ظلام الكون.

أما الإله الإبراهيمي فلم يتحدث في قرآنه كله إلاّ عن قمر واحد وهو الذي يدور حول الأرض ولم يشير إطلاقاً إلى وجود أي من هذه الأقمار الأخرى. كما أنه انزلق في خطأ هزلي آخر لايليق بإله حين ظن أن هذا القمر ينير الكون الذي يبلغ قطره مئتي بليون تريليون كيلومتر بسماواته السبعة (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) - وحيث أنه لم يضف ضوء النجوم إلى سراج الشمس ونور القمر فمعنى هذا أن إشعاعات الشمس وانعكاس القمر لها تفوق حدة إشعاعات بليون تريليون شمس آخرى في إضائة الكون. تجلّت قُدُراته في لمباته.


الأرض

مرّت الكرة الأرضية منذ نشأتها بسلسلة من الكوارث أهلكت 99% من كائناتها. والأله المتفرض لابد أن يكون على علم كامل بها كونه هو الذي سببها ، مباشرة أو من خلال قوانينه الطبيعية. نذكر من هذه الكوارث ثلاثة قد تكون أشدها عنفاً وأعمقها تأثيراً على تطور الحياة على هذه الأرض. حدثت الأولى قبل 2.4 - 2.6 بليون سنة ، دخلت الأرض خلالها في عصر جليدي غطّى سطحها إلى عمق يقدر بألف متر ، واستمر لحوالي 70 مليون سنة كاد أن يفني جميع مظاهر الحياة فيها والتي لم تتعدى آنذاك طور الباكتيريا. وقبل 250 مليون سنة ، عندما تطورت الحياة إلى كائنات شديدة التعقيد مثل الأسماك والزواحف ، إجتاحت الكرة الأرضية كارثة أخرى لم يستطع العلماء تحديد ماإذا كانت أسبابها إندلاعات بركانية أو أبخرة هالوجينية سامة نتجت عن تكون بقع واسعة من الأملاح نتيجة عوامل جيولوجية. ولكن كانت تنيجة تلك الكارثة فناء 90% من الكائنات الحية. ولعل أشهر كارثة حلت بالأرض والتي يعرفها أغلبنا هي عندما إرتطم نيزك هائل الحجم بها قبل 65 مليون سنة وسبّب إنقراض الداينوصورات. ولم تكن الداينوصورات هي الضحية الوحيدة لهذا الإرتطام إذ انقرضت معها كائنات أخرى وكان مجمل الكائنات التي انفنت حوالي 70%.

الإله الإبراهيمي طبعاً لم يتطرق في أياً من كتبه حتى لو بإشارة إلى أي من هذه الكوارث التي 
شملت الكرة الأرضية بكاملها وتسببت في هلاك أكثر من تسعة أعشار مخلوقاته. وأقتصر هذا الإله في وصف مقدرته على تسبب الكوارث والهلاك بطوفان لم يجد له العلماء أي دليل أو أثر ، وبتدمير بعض القرى والمدن هنا وهناك مثل عاد وثمود واللتان بدورهما لم يثبتهما ، أو أي من المدن الأخرى المدمرة في القرآن ، أي حفريات آركيولوجية أو سجل تاريخي مدوّن.

حظاً سعيداً في خياركم.


الخميس، 23 أبريل 2009

ثمن الإمتثال لرهان باسكال

ححح

لاشك في أن الكثيرين منكم أعزائي القرّاء قد سمع بما يسمى بــ "رهان باسكال" Pascal's Wager . والحقيقة أنني لم أكن لأخصص له حصة من وقتي للكتابة فيه لامتعاضي بالخوض في مفاهيم كهذه ، وإن أُسبغ عليها صبغة فلسفية ، لأنها برأيي لاتتعدى عن كونها رغّاً جدلي Intellectual Waffle يهدف إلى إثبات نقطة ولكن يفتقد صلابة الدليل العلمي لولا أنني لاحظت كثرة الإستشهاد به في الكثير من الخطب والكتابات الوعظية مؤخراً وكأنما يمر بفترة إنتعاش بعد غفوة طالت أكثر من ثلاثة قرون مما حدني على عرض الموقف اللاديني له من منظوري الشخصي. ولهذا سوف أتخوض في الرد عليه إلى مستوى الكعبين فقط وأتجنب التوغل والإنجراف إلى أعماق وحوله السفسطية.

المسيو باسكال لمن لم يسمع عنه هو باختصار فيلسوف ديني وعالم فرنسي إسمه بليز باسكال Blaise Pascal عاش في القرن السابع عشر ودوّن من ضمن أعماله في أواخر حياته عدة أفكار فلسفية حول اللاهوت كان هذا الرهان أبرزها. ولاتعنينا شخصيته أو تفاصيل حياته الأخرى في هذا الطرح سوى هذه الفكرة التي أتى بها كحجة للإستدلال على وجود إله من خلال ترجيح عدة إحتمالات ليتوصل من خلالها إلى الإحتمال المنطقي الأسلم ، من وجهة نظره ، وهو الإقرار بوجود خالق.

التسلسل المنطقي للرهان يجري كما يلي :
1- إذا آمنت بالله وتبيّن أنه موجود فسوف تربح (الجنة)
2- إذا آمنت بالله وتبيّن أنه غير موجود فلن تخسر شيئاً
3- إذا لم تؤمن بالله وتبيّن أنه موجود فسوف تخسر (النار)
4- إذا لم تؤمن بالله وتبيّن أنه غير موجود فلن تخسر شيئاً

ترتكز فعالية هذا الرهان ، كما هو واضح من صياغته ، على العنصرين الإساسيين اللذان استخدمهما ولايزال كل داعية عبر العصور واللذان يعتمد عليهما الدين نفسه في الإنتشار والحجز على تابعيه مغللين في معتقلاته ، وهما عصا الترهيب وجزرة الترغيب : إذا آمـنت بالله فـفي الجـنة وإذا كفـرت به فـفي الـنار. ولكن هناك خطأ جوهري في هذا الأسلوب الدعوي والمتمثل في هذا الرهان يكمن في مسلماته التي تفترض السـهولـة ، أو حتى القــدرة ، على الإخــتيــار في مثل هذين الأمرين. حيث أن صياغة الرهان تحث على إخــتيــار مايُعتبر بالأسلم ، وهو الخيار الأول ، وتُردع عن الأخطر وهو الخيار الثالث. ولكن مايغفل عنه أو يتجاهله هؤلاء الدعاة ، مراً بجُهّالهم كفضيلة الشيوخ التي تزخر وتتزخرف بهم القنوات الفضائية إلى كبار مفكريهم كقداسة المسيو باسكال ، هو الصعوبة البالغة التي يواجهها الإنسان في تغيير قناعاته تجاه أمراً ما لاسيما إذا كانت مدعمة ببراهين دامغة صلبة كالدلائل العلمية. كيف للملحد أو اللاديني أو لكل من اكتشف الحقيقة أن ينبذها ويــختــار مايناقضها بدون أن يقتنع أولاً بما يناقضها ؟ كيف يــختــار من يُحِكّم عقله ، هكذا لمجرد رهان يقيه من عذاب مزعوم ، أن يؤمن بالله وبجنته وبناره إذا رفض عقله الإقتناع بهذا الإله أصلاً ؟ حين يرسخ الإنسان على خيار مصيري يحكم سلوكه في كل ساعة من حياته إلى نهايتها، لابد أن يكون هذا القرار نابع عن قناعة بقوة الأدلة التي تدعم هذا الخيار. وعندما يتم عرض خيارات بين موقفين أحدهما تدعمه الأدلة العلمية والآخر يستند على الإيمان فحسب فلا أرى أن المجال فعلاً متاح للخيار.

هذا أولاً ، وثانياً ، أن عدم الإقتناع بالأُلوهية هو موقف يهدم تلقائياً الركيزتان الأساسيتان لفعالية الرهان وهما عنصري الترغيب والترهيب وبذلك يزيل مخاوف العقاب وآمال المكافأة وبالتالي يُفقد جدوى الرهان.

ولكن الإعتراض الأهم من هذا كله هو أن الرهان يرتكز على إحدى فرضيتان:
1- أن الله لايعرف أن المراهن على وجوده، قد قبل بوجوده ليس عن قناعة وإيمان إنما كنفاق يبعده عن العذاب، إن وجد، ويضمن له الجنة، إن وجدت. وهذا يجعل الله ناقص المعرفة إن لم يعرف أن نية المراهن مجرد نفاق.

2- أن الله يعرف نية المراهن وعدم قناعته بوجوده ولكنه، أي الله، يتغاضى عنها ويقبل نفاق المراهن. وهذا يتعارض مع عدالة الله. 

هذه الحقائق برأيي كافية لإسقاط الرهان كحجة ، ولكن قبل أن نقفل الموضوع تعالوا معي لنتسلى قليلاً بالنظر في الإحتمال الثاني من الرهان والذي يزعم بأن الإيمان بالله ، إذا تبيّن أنه غير موجود ، لن يخسر الإنسان منه بشيئ . دعوني أكرر العبارة الأخيرة من هذا الإحتمال للتأكيد على مايتضمنه من كذبة أجدها في غاية البشاعة. وسوف أُصغّر حروفه حتى أخفف على القارئ شعوره بالغثيان عند رؤيته :

لـــن يخســـر شيئـــاً

لنرى مدى قباحة هذا المزعم :

إذا أراد الإنسان أن يضمن مصلحته بتفادي الخسارة (النار) بامتثاله للرهان ، ألا يتحتم عليه بأن يقتنع بوجود الله أم أن مجرد النطق بالشهادتين يكفي ؟ قطعاً لايكفي لأن إذا كان حكم المسلم التارك للصلاة كحكم المرتد وإن أكمل باقي فروضه ، فما بالك بمن ينكر وجود الإله وإن نطق بالشهادتين ؟ إذاً حتى تمتثل للرهان ، يتحتم عليك أن تعتنق الدين قلباً وعقلاً. كيف ؟ هذه مشكلة مستعصية لمن منّت عليه الطبيعة ، أو وفقاً لبعض الدعاة ، إبتلاه الله بعقل ثاقب شديد الذكاء. ولايوجد لدي حل إلاّ الإقتراح بمحاولة تخديره أولاً وهناك أسلوب مجرّب أثبت فعاليته لهذا الهدف وهو الإستماع المتواصل إلى الترتيلات القرآنية الرتيبة المتكررة وبعد ذلك غسله تماماً بمساحيق التلقين والدوغما الدينية بالإكثار من التردد على المساجد والإستماع إلى الخطب والمواعض ومشاهدة القنوات الدينية وقراءة القرآن والأحاديث والأدعية. وأشيد بمن يتمتع بروح المقامرة منكم توخي أشد الحذر من التوغل في المواضيع العلمية أو التفكير في آيات مثل:

إللي في أمه خير يدوسني


قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا
أو: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ

أو: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا

حتى لاينزلق مرةً أخرى إلى نعيم الإرتداد. ولكن هب أن هذا الإنسان المدمّغ (سيئ الحظ) نجح في تحويل نفسه إلى روبوت robot عضوي لايفكر ولاينطق ولايتحرك إلاّ بتحكّم غيره فيه حتى يمتثل للرهان. فمالذي لـــن يخســـره كما ينص عليه الإحتمال الثاهي من الرهان:

هذالائحة مقتضبة بالذي لــــن يخســــره ولنبدأ بتتبع روتينه اليومي من إفلاقة الصباح إلى موعد نومه :

يبدأ يوم المؤمن بصلاة الفجر ، حيث يتوجب عليه أن يقطع نومه حتى لو بمنبه جرس مطافئ يوقظ فيه سابع جار إذا كان نومه ثقيل ، ويسحب نفسه من دفئ الفراش ليصحي نفسه بسكب الماء البارد على وجهه ، ولايكفي مرة أو مرتان ، بل ثـــلاث مرات خلال الوضوء حتى يضمن طرد النوم بلا رجعة. يقوم بعدها بجولة من التمارين الرياضية تنقصها الهرولة من قيام وجلوس تعقبها ترتيلات خيارية مما تيسر له من القرآن والأدعية ينكّدعلى باقي أفراد العائلة نومهم فيها إنتقاماً منهم إذا لم يشاركوه هذا العذاب الذاتي الذي قد يكون مسبق بعذاب ابتدائي متمثل بصلاة الليل الخيارية. وبهذا فـــلن يخســـر حاجته من النوم العميق الغير منقطع بأداء هذه الطقوس الإجبارية والتي لها تأثير سلبي بالغ على إنجازه في أعماله اليومية وعلى صحته .... ناهيك عن علاقاته الإجتماعية بأهله .... وربما جيرانه أيضاً.

بعد العودة إلى الفراش ، إن استطاع أن يواصل نومه فقد أضاع منه جزء ولوكان صغير ولكن ضروري ، وإن لم يستطع فلاخيار آخر سوى البحلقة في السقف وعد الخراف إلى أن يحين وقت النهوض ولـــن يخســـر بذلك مايحتاجه جسمه وعقله من الساعات اللازمة للنوم.

وعندما يبدأ عمله ، هذا إن استطاع أن يقاوم النعاس خلال قيادته للسيارة أو تشغيله لمحركات أو القيام بأعمال تستلزم يقظة تامة تجنباً للخطر على نفسه وعلى غيره ، فلن يطول به الوقت حتى تحين صلاة الظهر وعليه أن يتوقف عن العمل ليلبيها. فإن لم يتمكن من أدائها في مقر عمله فيلزم عليه أن يذهب إلى مسجد ، وهذا المستحب ، ليؤديها هناك مما لايعني إستهلاك وخســـارة للوقت في الذهاب إلى المسجد وأداء الوضوء ثم الصلاة ثم طريق العودة إلى عمله. وإذا كانت طبيعة عمله تتطلب التعامل مع زبائن ، فالصلاة أولى ويستلزم عليه أدائها في وقتها حتى لو أضطر إلى تركهم يستشيطون غضباً في انتظاره أو التخلي عنه واستبدال خدماته بخدمات منافسيه مما لـــن يؤدي إلى خســــارة في أرباحه وبالتالي لقمة عيشه. ونفس الروتين سوف يتكرر لصلاة العصر والمغرب والعشاء وسوف تعتمد درجة عـــدم الخســــارة في الوقت المستهلك وإنقطاع المدخول بسبب أداء هذه الفريضة على طبيعة عمل المؤمن وشدة إلتزامه بهذه الفريضة الغـــير مخســـرة.

طبعاً هذا الروتين اليومي ليس إلاّ مثال بسيط ساخر يُمثل نقطة ماء من بركة الخســـــائر والأضرار التي تلحق بأي إنسان حاول الإمتثال بهذا الرهان تحفظاً من العذاب الماورائي المزعوم. ففي مجال الأعمال والتجارة مثلاً تستثنى من نشاطات المؤمن جميع الخدمات والمعاملات والبضائع والصفقات والعقود والعلاقات التي يُـــحـــرّم عليه التداول بها أو التعامل معها. فالتعامل بكل مايتعلق بالخمور أو بالأغذية الغير محللة أو بمعاملات الربى البنكية أو بالموسيقى أو الفنون الطبيعية كالرسم والنحت مثلاً واللائحة أطول مما يمكن حصرها هنا كلها مغلقة عليه ومتاحة لمنافسيه الذين لن يتهاوون في اغتنام أي فرصة لغمره وسحقه.

وماذا عن حريته الشخصية في أسلوب المعيشة في هذه الحياة ؟ فهو قد فقدها في أبسط أسسها وأخضع نفسه لمبادئ وأحكام قيدته حتى في تفكيره. إذ أنه مقيد في مايأكله وفي مايشربه ومايشاهده ومايسمعه ومايلمسه ومايلبسه ومايقرأه ومايكتبه ومايقوله وهو مقيد حتى في مشيه ونومه وشعره. يقول باسكال :

إذا آمنت بالله وتنبين أنه غير موجود فلن تخسر شيئاً

إذا امتثل أحد لهذا الرهان فسوف يخسر أعز مايملك في هذه الحياة : حريته. وهذه أفدح الخسائر ..

من بعد الموت طبعاً.

* * * * * * * * * *
من هو بليز باسكان؟ ماهو رهان باسكال؟ ماذا يقول رهان باسكال؟ ما مضمون رهان باسكال؟ هل رهان باسكال حجة؟ ماهي حجة رهان باسكال؟ متى كتب باسكال الرهان؟ ماهية جنسية بليز باسكال؟ هل باسكال متدين؟ هل باسكال مسيحي؟ ماهي ديانة بليز باسكال؟ أين عاش بليز باسكال؟ ماذا قال بليز باسكال؟ ماهو نص رهان باسكال؟ هل ممكن تطبيق رهان باسكال على المسلم؟ هل ممكن تطبيق رهان باسكال على المسلمين؟ ماهو العيب في رهان باسكال؟ ماهي عيوب رهان باسكال؟ ماهي نقاط ضعف رهان باسكال؟ ماهي مشكلة رهان باسكال؟ هل يعتبر رهان باسكال حجة للإيمان بالله؟ هل بليز باسكال ملحد؟ هل بليز باسكال مؤمن؟ متى أصدر بليز باسكال الرهان؟ لمن أصدر بليز باسكال الرهان؟ لماذا أصدر بليز باسكال الرهان؟ هل رهان باسكال مقنع؟ هل يقتنع الكافر أو الملحد أو المشرك برهان باسكال؟ هل اقتنع أحد برهان باسكال؟ من الذي اقتنع برهان باسكال؟ 

الثلاثاء، 17 مارس 2009

الرغبة في البقاء وحتمية الفناء

نتا

بعد أن أغمضت عيناها

لازالت ذكريات ذلك اليوم معلقة في مخيلتي ، تتأرجح بفكري من واقع الحاضر إلى صور وهمسات ذلك الصباح الراحل الذي ذهبت فيه زوجتي لتواسي أختها المحتضرة بعد أن نهش كبدها مرض السرطان وهي لاتزال شابة يانعة لم تتعدى العقد الثالث من عمرها وأدخلتها في صراع إشتبكت فيه مع خلايا بدنها في معركة قد حُسِم مصيرها قبل بدئها. هذه الخلايا التي عقّت صاحبتها وثارت عليها لتنتشر هائجة مسعورة تنهش بأعضائها غير مكترثة بما تدمره وغير عابئة بنفسها حتى أوصلت التلف إلى حال لايمكن إصلاحه لابدعاء ولابدواء.

لم يتبقى لديها في الحياة ذلك اليوم الكئيب إلاّ بضع ساعات قضتها متمددة على فراشها ، تتمتم تارةً فيها ببعض الكلمات تجاوباً مع زوجها وأولادها المحيطين بسريرها وتارةً أخرى تختلس النظر فيها إلى عقارب الساعة الجالسة على عتبة النافذة أمامها وهي تدور في عد تنازلي تنحسر في كل دقة منها لحظة مماتبقى من عمرها. لازالت صدى همسات زوجتي وأنينها يرن في أذني عندما كانت تروي لي أحداث ذلك اليوم وعيناها تترأرقان بالدموع كيف أن أختها في آخر لحظات من حياتها فتحت عيناها من بعد غفوة قصيرة والتفتت إليها وإلى زجها الجالس بجانبها مُهَمهِمَة بكلمات أكبتها لضعفها الصمت السائد في الغرفة وحنت برأسها بعدها لتنظر إلى أولادها للمرة الأخيرة وتبتسم لهم مع انزلاقة دمعة انحدرت من طرف عينها لتبلل وجنتها قبل أن تختفي بين ثنايا شعرها ثم عادت بطرفها مرة أخرى لتحدق بالساعة لوهلة والسماء الزرقاء من خلال النافذة ورائها لبضع لحظات قبل أن تغمض عيناها للمرة الأخيرة وتتوقف أنفاسها وتنزلق إلى السبات الأبدي المرتقب.

ولازالت ذكرى تلك الأمسية التي دخلت فيها إلى غرفتها التي منها فارقت الوجود لتحلق في سماء الفناء وتجول في أفق العدم تاركة ورائها كيس من الخلايا البائدة تناظرها في الصورة وتخلوا من أي وعي أو إدراك ، تومض في مخيلتي. تلك اللحظة التي نظرت إليها وهي ممددة في نعشها كأنها إنساناً نائماً لايختلف في منظره عن أي حي أخذته غفوة يُنتظر زوالها لينهض منها. إلاّ أني كنت أعلم أن هذه ليست بغفوة يُفاق منها بل إندثار ينتظر كل حيٍ مهما طال عمره أو قصر. وكيف جلست في صالة التعزية أحدق في باب غرفتها الذي يخفي ورائه عالم سيريالي مقيت ، يجمع بين دنيا الواقع وعالم الفناء وأخاطب نفسي :

"سوف أرقد يوماً ما في مثل هذا النعش"
وأصمت لوهلة ، ثم أسترسل هامساً لنفسي :
"كم تبقى لي في هذه الدنيا ياترى ؟"

إفتحوا الآن عيونكم

يصل معدل عمر الإنسان في الدول المتقدمة إلى العقد الثامن ولايتعداه إلاّ فيما ندر. أما في الدول النامية والفقيرة فالمعدل أقل من ذلك ، وفي بعضها ، بعدة عقود. ومن المؤكد بأن الكثير منّا قد جلس وطرح على نفسه ، ولو ممتعضاً ، هذا السؤال : كم تبقى لي من العمر في هذه الدنيا ؟ فالبرغم من أن هذا ليس سؤال يُشعر بالأمان أو يُبعث بالطمأنينة مهما كانت التوجهات العقائدية للمتسائل ففطرة الإنسان تكره المجهول ، والموت هو دربه المحتوم. ولكن من دفعته ظروفه أو جرأته على الخوض في مثل هذه التساؤلات سوف يُدرك أن ماتبقى من وقته في هذا الوجود لن يتعدى طرفة عين من أبدية الكون. وسوف يفوق من هجوع اللامبالاة ليسأل ماتسائل عنه الكثير من المفكرين قبله كقس بن ساعدة الأيادي حين أخذ ينادي : " ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تُركوا هناك فناموا". إذ لم يرجع إلينا أحد من ذلك العالم الماورائي المجهول ليأكد لنا أهو وجود آخر أم هو اندثار وفناء. وحيث أن جذور أمل الخلود لم يزرعها في عقولنا غير موروث فكري أخفقت محاولات العلم إلى اليوم في إثباته ، فيبقى أمل الحياة بعد الموت محصور ضمن حوائط اللامحتمل ويظل شبح الفناء الأزلي المحتمل طليقاً متربصاً بنا عبركل شارع نقطعه وتحت كل صخرة نتعثر بها وعلى متن أي مرض يصيبنا أو أي خلية تثور علينا كما ثارت خلايا أخت زوجتي عليها فأردتها قتيلة باترة خمسون سنة من عمرها كانت تتطلع إلى قضائه مع أولادها وأحبابها وتعيش لتنهل آخر قطرة من حلوه أومُرّه.

قد يجد المؤمنون بعض العزاء والسلوى من التشبث في موروثهم الديني ووعوده بالخلود ، ولكن لن يخفي عن المفكرين منهم أن هذا التمسك وإن بدى عن قناعة فلن يغدو عن كونه مجرد إنتماء للبيئة التي وجدوا أنفسهم فيها ، مسلمة ، يهودية ، مسيحية كانت أو أي ملة أخرى. وسوف تظل الأسألة المرعبة قائمة ، تفلت من كبت الإيمان لها حين يوهن لتطل عليهم وتهمس في آذانهم :

ماذا لو لم يكن هناك حساب أو عقاب ؟
ماذا لو لم يكن هناك شئ ... حتى إله ؟


حقاً ، ماذا لو لم يكن ؟ إذا لم يكن هناك حياة بعد الموت ، ولايوجد أي إثبات لها خارج الموروث الديني ، فمعنى هذا أن الساعات التي قضاها المؤمن من يومه في الصلاة والدعاء وقرائة القرآن والكتب والتحفيظ و وحضور الندوات والخطب ومشاهدة القنوات ، والأموال التي أهدرها على الزكاة والخمس والحج والعمرة وزيارة الأضرحة ونشر الدعوات ، والنفس التي حَرَمَها من ملذات الموسيقى والرقص والخمر ومامُنع عنه من محرمات ، كلها قد ذهبت سدى في الهواء. هل تعلم مدى صغر إحتمال تواجدك في هذه الحياة ؟ إليك بعض الحقائق :

ينتج الرجل حوالي 500 بليون حيوان منوي في حياته ليست كلها صالحة أو قادرة على الوصول إلى البويضة لتلقيحها ولكن عدد الحيوانات المنوية التي بإمكانها التلقيح لايزال يعد بالبلايين. هذا يعني أن احتمال قدومك أيها القارئ من العدم إلى الحياة يعادل واحد إلى عدة بلايين ، ولو اخترق أي حيوان منوي آخر غيرك بويضة أمك في تلك الوهلة لتشكل شخص آخر ولما أتيت أنت إلى الوجود. فتصور مدى ضئالة الفرصة التي سنحت لك بالتكوّن كإنسان. وحتى بعد ولادتك فلا يوجد أي ضمان يحفظك من الرجوع إلى العدم في أي لحظة من عمرك بسبب الحوادث والأمراض. فإذا كانت إمكانية وجودك في هذه الحياة وطول مدتك وضمان استمراريتك فيها بهذه الضآلة ، وأمل الخلود بعد الموت يقارب الصفر ، فالسؤال المصيري الذي يجب مواجهته هو : ماذا أفعل فيما تبقى من حياتي وكيف أقضيها ؟

من جملة الحقائق المؤلمة التي تتجلّى تدريجياً للإنسان حين يكتشف زيف عقيدته الدينية وبشرية مصدرها ، لعل أصعبها تقبلاً وأقساها مواجهةً هي إدراك عدم وجود حياة بعد الموت ومنها حتمية فنائه. لشخص نمى وترعرع على مبدأ البعث بعد الموت وأزلية الحياة بعدها في جنة كانت أو في نار ، يتحول الألم من بعد هضم الحقيقة ، إلى كابوس مرعب متكرر قد يُنقص الوقت من حدته ولكنه يظل جاثماً على صدر حامله لايتزحزح.

إذاً فهذا هو المصير . حين يغمض الإنسان عيناه لآخر مرة في هذه الحياة ، لن يكن هناك شيئ بعدها ، لانكراً ولانكير ولاحساب ولاعقاب ولاجنة ولانار. لاشيئ سوى الإنتهاء والفناء. ذكرياته بأفراحها وأحزانها ، شجونه وآلامه ، أمراضه وعلاته ، آماله وأهدافه ، بدنه وذاته سوف تنتهي كلها وتتلاشى بعد أن تنحسر آخر نهدة من صدره وتتوقف آخرنبضة لقلبه.

فماالعمل ؟

كيف قضيت ماسبق من عمرك ؟ وماذا تنوي عمله في ماتبقى منه ؟ لايوجد حلاً لمقاومة الموت فهو آت لامحالة وليس هذا القصد من السؤال ، إنما ماأعنيه هو ماذا نفعل بما تبقى من حياتنا حين ندرك أن هذه هي الفرصة الوحيدة التي مُنحنا لنتواجد فيها ؟ كيف تقضي حياتك ؟

هذا سؤال حاولت البحث عن إجابة له بدراسة جميع الخيارات المتاحة، ووجدت لدهشتي أنني كلما أمسكت بحبل من التفكير أوصلني إلى نفس النتيجة التي اتضحت في النهاية أنها لاتحتاج إلى سبر أذهان نوابغ الفلاسفة للوصول إليها، فهي بكل بساطة :

إستمتع بما تبقى من حياتك.



* * * * * * * * * *
أين يذهب الإنسان بعد الموت؟ هل توجد حياة بعد الموت؟ ماذا يحدث للإنسان بعد الموت؟ ماذا يحدث لجسد الإنسان بعد الموت؟ هل توجد جنة ونار بعد الموت؟ هل يوجد حساب بعد الموت؟ هل توجد آخرة بعد الموت؟ هل يوجد عالم آخر بعد الموت؟ ماهي دلائل وجود عالم آخر بعد الموت؟ ماهي أدلة وجود عالم آخر بعد الموت؟ ماهي الأدلة على وجود حياة بعد الموت؟ لماذا يفضل الإنسان الحياة على الموت؟ لماذا يكره الإنسان الموت؟ لاتوجد دلائل على حياة بعد الموت. لاتوجود إثباتات على حياة بعد الموت. هل رجع أحد بعد الموت؟ هل رجع أحد بعد أن مات؟ هل رأى أحد ماذا بعد الموت؟ هل رأى أحد ماذا يحدث بعد الموت؟ هل من الممكن رؤية مابعد الموت؟ لماذا يموت الإنسان؟ لماذا يميت الله الإنسان؟ ماهي دلائل وجود جنة أو نار؟ هل من الممكن تفادي الموت؟ هل استطاع أحد أن يتفادى الموت؟ هل الموت يعني نهاية الإنسان؟ هل الموت يعني نهاية البشرية؟