الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

عندما تخضب القمر دماً

::
كما سمع عنها أو شاهدها أكثركم، وقعت حالة خسوف كامل للقمر الأسبوع الماضي شاهدها سكان اوروبا الغربية وبعض أجزاء افريقيا وامريكا. وكانت نوعية هذا الخسوف من الحالات القليلة الحدوث لأنها تجمع بين حالة الخسوف الكامل مع اقصر مسافة تفصل القمر عن الأرض في دورانه حولها مما يظهر حجمه للمشاهد أكبر من مظهره العادي يحوالي 8%.

وحيث أني كنت متواجد حينها في نطاق الخسوف الكامل في بريطانيا، فقد قررت أن أسهر تلك الليلة لمشاهدة هذا الحدث النادر وخصوصاً أنه يصادف أيضاً حالة مايسمى بـ القمر الدموي لتغير لونه خلال تظليله الكامل إلى اللون الأحمر وكون هذه الصدفة لا تحدث إلاَ كل ثلاثون سنة. فأخذت طبق من المكسرات وطبق أكبر من النفيش (الفشار) ونصف قنينة من النبيذ الأحمر وخرجت إلى الحديقة الخلفية للمنزل لأقضي الليلة على العشب أشاهد الخسوف على شاشة السماء.

كانت سماء تلك الليلة صافية ومزينة بالنجوم، على غير عادة الجو البريطاني الضبابي الغائم، وكأن الإدارة السماوية العطوفة أرادت أن تصفي الجو لنا لكي تبهرنا بإحدى آياتها العظيمة في محاولة كريمة منها لتغيير أفكارنا وإعادتنا مذهولين ومنصاعين إلى حضيرتها. 

ولكن إن كانت تلك نية السماء فقد فشلت تماماً في إقناعي، فمشاهدة الخسوف بالكامل تلك الليلة لم تزحزني ملليمتر واحد عن موقفي السلبي تجاهها. فقد قضيت أكثر من ساعة أشاهد قرص ظل الكرة الأرضية وهو يزحف ببطئ ليغطي وجه القمر حتى أكتنفه بالكامل وحوله إلى لون إحمراري أقرب إلى لون صدء الحديد من الدم.

رغم شدة الإثارة في الإعلام وحجم التوقعات التي سبقت وقوع ذلك الخسوف النادر، إلاّ أني لم أشعر خلالها أو بعدها بأي حالة من الرهبة أو الإعجاب أو حتى التساؤل، بل الإنطباعة الوحيدة التي خرجت بها من تجربة تلك الليلة هي فكرة أني قد شاهدت حدث يصنف بأنه نادر الوقوع، بدون أي تأثير فكري أو عاطفي امتلكني خلال تلك التجربة. ربما لأني كنت أعرف مسبقاً ماهية العوامل المسببة لحالتي الخسوف والكسوف، وهي أسباب بسيطة وعادية في نطاق المعلومات الفلكية التي يعرفها اليوم حتى تلاميذ المدارس، وهي صدفة مرور القمر بين الشمس والأرض في حالة الكسوف ومرور الأرض بين القمر والشمس في حالة الخسوف. وأما احمرار لون القمر في خسوفه الكامل فهو بسبب أن الطيف الأزرق والأخضر من أشعة الشمس يتم تبعثرهما بالغلاف الجوي لقصر موجاتهما، فيتسرب اللون الأحمر عبر الغلاف الجوي لطول موجته وينعكس على سطح القمر فيراه المشاهد خلال الخسوف أحمر اللون.



فلماذا يفزع رسول الله إلى الصلاة إذاً ويطيل فيها كلما شاهد هذه الظاهرة الفلكية العادية؟ أو بصيغة أدق، ماهو بالضبط وجه الإعجاز في مرور الأرض بين الشمس والقمر خلال دورانها لكي يعتبرها ربه آية من آياته الإعجازية العظمى، يبهر بها عباده ويفزعهم بها إلى الصلاة الطويلة رغم أن هذه الأحداث المتكررة يعرف هو ورسوله أنها مجرد ظواهر طبيعية موجودة بالمليارات، تتكرر ملايين المرات كل يوم في مجرتنا فقط، ناهيك عن الكون بأكمله؟



* * * * * * * * * *

الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

سقط الحجاج، فهل سيسقط البني؟

::
يوجد مثل مشهور دارج في مجتمعات اللغة الإنجليزية يقول: سقط البني the penny dropped والبني هو البنس في العملة البريطانية والمثل يعني أن الشخص الذي يستهدفه المثل قد انتبه لأمر كان غافلاً عنه. وسوف أعود إلى هذا المثل في آخر البوست بعد التطرق إلى حادثة تدافع الحجاج قبل كم يوم والتي أودت بحياة أكثر من سبعمئة إنسان.

رغم أن هذا الخبر قد تداولته أغلب القنوات الإعلامية عبر العالم، إنما في مجرى الواقع الحياتي للبشر، ليس من الغرابة أن تقع مثل هذه الحوادث في تزاحم سكاني يصل إلى الملايين، ولكن الغرابة أن هذه الحوادث تتكرر باستمرار اعتيادي متوقع على أرض يفترض أنها أقدس بقعة في الكون خارج الجنة المزعومة، في حوش بيت الرب نفسه.

إن كانت هذه الحوادث تقع بشكل متكرر ومستمر في بقعة الحج المقدسة وفي جوهر مايؤمن بأنه حوش الإله، فمالذي يميز هذه البقعة التي يتبرك بزيارتها ملايين البشر سنوياً عن أي بقعة أخرى عادية على الكرة الأرضية؟

حين تتكدس مثل هذه الأعداد الضخمة من البشر في حيز ضيق أي كان موقعه على الأرض فهي حتماً ستخضع لعوامل الطبيعة العادية، سواء كانت في مكة الإسلامية أو نهر الغانج الهندوسي. فكما أثبتت هذه المأساة وغيرها الكثير عبر التاريخ، لا يوجد مايميز تكتلات الحجاج المسلمين التعبدية عن تكتلات الحجاج الهندوس التعبدية حين يقع سبب يؤدي إلى كارثة. السبب طبيعي متوقع لمثل هذه الحالات، وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة: دمار يصيب كل من صادف وجوده في المكان المنكوب رغماً عما يؤمن به أتباع عقيدة هذا المكان، والحدث يتبع الأسباب الطبيعية وقوانينها في غياب تام عن الحفظ الماورائي المؤمن به.

فهل سيسقط البني ويفيق الناس؟ لاشك أن بعضهم سيتسائل، ولكني أخشى أن الغالبية ستغمض أعينها وتغلق أذانها وتستمر في أوهامها. وتعازينا إلى أهل المصابين وذويهم.

________________________

تحديث اليوم الثاني من أكتوبر:

أذيع خبر في قناة البي بي سي الإخبارية اليوم أن عدد القتلى في منى سيفوق العدد الرسمي المذكور 769 بشكل كبير. ولم يحدد الخبر عدد القتلى الحقيقي، ولكن يتوقع المراقبون أن السلطات السعودية سوف تكشف هذا العدد بعد الإنتهاء من تحقيقاتها.

* * * * * * * * * *

الخميس، 16 يوليو 2015

كل عام وأنتم بخير

::
عـــــــيد ســـــــعيد للجميع








ونتمنى للبشرية جمعاء، المؤمنين منهم والكافرين سواسية، وافر الخير والصحة والسعادة

* * * * * * * * * *

الثلاثاء، 14 يوليو 2015

المارد فكوا أغلاله

::
لا أتابع الأخبار السياسية ولا توجد عندي شهية لها، ولكن خبر الإتفاق النووي الذي أعلن  اليوم بين أيران والسداسية لم أستطع تفاديه، ولذلك سوف أدون عنه بعض الخواطر التي تجول في بالي حالياً. 

هذا المقال القصير ليس بتحليل سياسي، فهذا ليس من اختصاصي، ولا هو مبني على تقرير أو تحليل آخر إنما هو مجرد تعبير عن خواطر وتوقعات شخصية أثارها الخبر وربما أكون مخطأ في نظرتي للمستقبل، وأرجو ذلك.

 دار في بالي سؤالين بعد قراءة الخبر:

1- هل سيمنع هذا الإتفاق إيران من التوصل إلى إنتاج سلاح نووي؟ (لاحظوا أني لم أقل إنتاج سلاح نووي إنما قلت التوصل إلى الإنتاج. هناك فرق)
2- ماذا ستكون نتائج رفع العقوبات المفروضة على أيران؟

الإجابة على السؤال الأول بسيط: لا. المجال النووي في إيران متقدم وسوف يستمر في النمو والتطور بمرور الوقت، ومن الإستحالة لأي قوة خارجية أن تمنع إيران، أو أي  دولة أخرى في الحقيقة، من التوصل إلى إنتاج سلاح نووي، ولا يهم أن يكون متطور، إذا كانت هناك نية جامحة ومعرفة كافية لاكتسابه، وإيران تملك الإثنين. هذه حقيقة لن تغفل عنها دول الجوار وبالخصوص السعودية. الشعور بوجود قوة نووية شيعية "صفوية" على عتبة الباب، فكت عنها أغلال العقوبات وتركت لتتطور وتتوسع نووياً، وليس بالضرورة على الظاهر عسكرياً، سوف يؤدي إلى تصاعد نووي في المنطقة، لاسيما من السعودية الوهابية. 

الإجابة على السؤال الثاني أيضاً بسيط: رفع العقوبات عن إيران سيجلب لها عشرات المليارات الإضافية من العملات الصعبة سنوياً لتصب في خزائنها. فهل ستذهب هذه الموارد المالية الإضافية لأهداف سلمية اجتماعية كتحسين الوضع الإقتصادي ورفع مستوى المعيشة للمواطن الإيراني؟ نعم، لاشك أن قسم منها سوف يخصص لهذا الغرض، إنما القسم الأعظم برأيي سوف يضخ في أجهزة الدولة العسكرية ومؤسسات نشر الثورة لتعضيد الهيمنة السياسية على المنطقة ولمواجهة الانتشار العقائدي الوهابي المعادي والتحركات الأصولية المتطرفة التي تزحف حولها كالنمل في كل مكان. إيران سيكون لها حضور ونفوذ متصاعد داخل المنطقة وخارجها أبرز بكثير من أي وقت سابق خلال الثلاثة عقود الماضية، هذا الحضور المتضخم لن يؤدي إلا إلى التأزيم الطائفي بين الطرفين. 

أتوقع تدهور في الأمن وازدياد في عدم استقرار المنطقة كنتيجة مباشرة لهذا الإتفاق. مجرد خواطر، وأرجو أن أكون مخطأ.

 * * * * * * * * * *

الخميس، 2 يوليو 2015

أفضل من رياضة الصلاة

::
يقال أن الصلاة رياضة!!
كذبة، هذا التمرين أفضل وأسعد. ومن يدري، ربما يشتهر وينتشر ونعيش في مرح وطرب وأمان وسلام:



* * * * * * * * * *

الاثنين، 29 يونيو 2015

التماس الخروف الرحمة من الجزار ضايع

::
بعد كل مذبحة تحدث بين المسلمين وكل كارثة طبيعية تصيب هؤلاء المؤمنين وكل داء يتفشى وينتشر بينهم، ترتفع الأيدي تضرعاً إلى السماء وتنصب الدموع كسيول الماء وتخشع القلوب ابتهالاً إلى الرب واستنجاداً به لكي ينقذها من هذه المصائب التي حلت بينهم ويدرأها عنهم ويحميهم من تكرار مثلها وغيرها في المستقبل. وعندما تشيع جثث هؤلاء الأبرياء المؤمنين الخاشعين العابدين المطيعين للرب، ترتفع الأيدي مرة أخرى في الصلاة والدعاء لنفس هذا الرب لكي يرحمهم ويشفق عليهم عندما يحضرون بين يديه في بلاطه.

ولكن مهلاً، أليس هذا الرب البلاطي المعرّش المجنّد المتغطرس المتواجد في مبنى المحكمة الأخروية المشيد في موقع ما من الكون والذي يلتمسوا رحمته ويستنجدوا عطفه هو نفس الرب الذي أمر بالتقاتل بينهم، وأنزل الكوارث عليهم ونشر الأمراض والأوبئة بينهم؟ أليس هو نفس الرب الذي قلب مدن عاليها سافلها ومحق أطفالها ورضعها وشيوخها وشبابها ولم يستثني من إبادته المهولة الشاملة حتى بهائمها؟ وأليس هو نفس الرب الذي جهز عذاباً بنيران لا يستطيع تخيلها عقل بشر ليرمي فيها كل من عطس ضده؟ أهو هذا الرب الذي يلتمس المؤمن المنكوب رحتمه، أم هو رب آخر؟ 

هو نفس الرب!!!!!

كيف يطلبون ويتوقعون من كيان سايكوباثي مجرم عصبي انتقامي عنيف كهذا، لا يفرق بين طفل وبالغ وشاب وعجوز وامرأة ورجل في دمويته ووحشيته، أن يرحمهم ويحميهم وهو ذاته الذي سبب لهم كل هذه المصائب أصلاً؟

مجرد تساؤل في أعقاب تفجير مسجد الصادق في الكويت ومجزرة سوسة في تونس.

* * * * * * * * * *

الاثنين، 22 يونيو 2015

تحدي سماوي تهدم

::
رغم أن هذه المدونة تمتلأ بمئات المقالات التي تكشف تهافت وجهل الفكر الديني المتثل في نصوصه وأحاديثه وتفاسيره، ولا توجد حاجة إلى إضافة المزيد من الأدلة فيها على هذه الحقيقة التي غدت الان صارخة حتى لطلبة المدارس (الواعين والمدركين منهم)، إلاّ أن مصادفتي أحياناً لبعض النصوص القرآنية "الربوبية"، لا تزال تملأني بالدهشة على درجة سذاجتها وضحالتها وتثير الغضب على نفسي كيف أني لم ألتفت لها خلال سنوات فترة تديني.

ومن تلك النصوص، صادفت اليوم هذه الآية: يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (الرحمن - 33). ورغم أني قد قرأتها عشرات المرات في السابق ولم أنتبه لمضمونها، إلاّ أنها اليوم ضلت تدور في ذهني طوال الصباح لشدة تهافتها.

بجانب اختلاف جهابذة اللغة العربية على تفسير هذه الآية (وآيات كثيرة أخرى غيرها)، كما يشير إليه الطبري هـنـا، هذا الاختلاف الذي استمر 1400 سنة ولا يزال إلى اليوم قائماً بدون اتفاق رغم مزعم بينة القرآن المنزل على البشرية قاطبة، شمولاً بقبائل أدغال أفريقيا وأدغال الأمازون البدائية وسكان النيويت في القطب الشمالي وأبوريجني أستراليا الذين لا يعرف أكثرهم حتى كتابة لغته ناهيك عن فهم لغة أخرى يختلف على معانيها حتى علمائها، إلاّ أن نقطة الطرح ليست تلك، بل هذه:

الغير مختلف عليه في هذه الآية هي أنها تحدي. الله يتحدى الكفار بالنفوذ إلى السماء، أي الإنطلاق إلى الفضاء الخارجي. أوكي؟

رغم أن التحدي شرطي يفتح المجال للبشر بالنفوذ إلى السماء من خلال وسيلة أسماها "سلطان" ولم يحدد ماهيتها، بل ترك أتباعه في حيرة يتخبطون في معناها الذي فسره الملفقون اليوم بأنه العلم التجريبي، إلاّ أن التحدي ذاته ساقط. كيف؟

على ايمان أن الرب يعلم المستقبل ويعلم ماذا سينجز البشر فيه، كيف يضع هذا الرب تحدى يعلم تماماً بأنه سوف يهدم؟ تحدي النفوذ إلى السماء، الذي هو الفضاء الخارجي، ليس بتحدي إعجازي، كما أثبت "الكفار" هشاشته بكل سهولة وإن كانت بتكاليف باهضة. هذا أولاً، وثانياً إن كان الرب يعرف بأن تحديه سوف يهدم بالشرط الذي وضعه، فما جدوى طرح التحدي أصلاً؟

كمثال للتوضيح: يعرف المدرس أن الطالب لن يتمكن من كتابة الإجابة بدون قلم، ويعرف أيضاً أن الطالب سوف يجيب على السؤال إذا توفر له القلم وأن القلم سوف يتوفر له قطعاً، فما معنى أن يتحدى الطالب بكتابة الإجابة بدون قلم ويقول له بأنه سوف يتمكن من كتابة الإجابة بالقلم الذي سوف يتوفر له على أي حال لينسف تحديه؟

لاحظتوا توهان وتفاهة التحدي؟

الآية من نتاج الفكر الرعوي السطحي، تستهدف العقل الرعوي السطحي.

* * * * * * * * * *

الأربعاء، 17 يونيو 2015

حل رمضان بتبريرات وأعذار

::
جرت العادة أن أطرح بوست أبرز فيه السلبيات الصحية لهذا الروتين السنوي من الطقوس الإسلامية، إنما في هذا المقال سوف أحاول إبراز جانب آخر منه.

الصيام كفرض ديني يُلزم كل مسلم ومسلمة على تنفيذه، ليس في المقام الأول كرياضة أو تمرين لتقوية البدن وتحسين الصحة، ولا كممارسة لشحذ الأحاسيس وإثارتها لكي يشعر الصائم بما يشعر به الفقير من آلام الجوع، بل هو في الأساس فُرض كعبادة محضة تُلزم المؤمن بالطاعة رغم احتياجاته الفطرية الشديدة للأكل والشرب. أليس كذلك؟

أوكي، إذا كان الهدف الأساسي من الصيام الإسلامي هو العبادة، والعبادة هي الهدف الأول من الرسالة السماوية المفروضة على البشرية قاطبة، فلماذا يحتاج المؤمن إلى تبريره بالحجج؟ مافتح أحد من الدعاة والخطباء المسلمين فمه ليتكلم عن الصيام إلاّ وذكر فوائده الصحية (الملفقة) وكأنما لا يكفي تنبيه المؤمنين بمجرد أنه أمر من الرب يتوجب طاعته.

يحتاج المؤمن إلى تبريره رغم فرضه كعبادة محضة، لأن الصيام بأحكامه الإسلامية هو ريجيم جسدي قاسي وخطر، خصوصاً إذا طبق في بيئة شديدة الحرارة تحتاج إلى تزويد الجسم بالسوائل بشكل منتظم طوال اليوم خصوصاً لعمال الأشغال المكشوفة تحت لهيب الشمس، هذا بجانب سلبياته الأخرى التي تطرقنا لها في بوستات سابقة.

الصيام التعبدي بمختلف أشكاله يمثل أحد أقدم الطقوس الدينية التي مارسها الإنسان عبر تاريخه في مختلف بقاع الأرض لاعتقاد الإنسان البدائي بأن الإمتناع عن ملذات الأكل يطهر الجسد والروح ويقربه من ربه. هذا كان أساسه ولايزال هذا المعتقد سائد إلى اليوم.

من الجانب التعبدي، فالصيام كممارسة للتطهير الروحي والتقرب إلى الرب، هو جانب لا فائدة من الخوض فيه لأن بؤرة النقاش والأساس هو صحة أو كذب الديانة التي تفرضه وحقيقة وجود رب هذه الديانة، أو الرب بشكل عام. أما من الجانب الصحي للفوائد الملموسة التي يصيح بها الدعاة في كل مناسبة، فهذه لا يوجد لها أي سند طبي من أي مصدر علمي موثق. 

نعم، المعلومات الطبية تدعم وتشيد بالفائد الجسدية لـ "الصيام" بشروط ضرورية أهمها تناول السوائل بشكل منتظم ومتواصل خلال فترة الإمتناع عن الأكل، وتناول وجبات خفيفة بين حين وآخر خلال هذه الفترة، وقطعاً ليس الإمتناع التام عن الأكل والشرب طوال اليوم رغم نوعية الطقس ومكان الصائم كما يفرضه الصيام الإسلامي. فهذا النوع من الصيام مضر وخطر ويعد في مصاف العادات البشرية البدائية التي لاتزال تبتلي المجتمعات المحبوسة عقولها في زنزانات فكر العصور القديمة.

وكل عام وأنتم بخير

* * * * * * * * * *

السبت، 13 يونيو 2015

لن يتوقف الذبح

::
لم تمر بضعة أيام من حادثة التفجير الإنتحاري الأخير في مسجد الدمام الذي ذهب ضحيته خمسة شباب في مقتبل العمر (من ضمنهم الإنتحاري نفسه الذي قاده فكر التمجيد بالذبح إلى حتفه) ، إلاّ تصاعدت أصوات الحث على الوحدة بين طوائف المسلمين، حتى من أفواه المنكوبين من ذوي المقتولين الشيعة. هذه النداءات ترتفع حدتها بعد كل مأساة من هذا النوع تحدث على أي بقعة من تلك الأرض التي تشبعت بدماء الفكرة المحمدية عبر التاريخ.

على افتراض أن هذه المناشدة الملحة نابعة عن صدق وقناعة للرغبة في التعايش السلمي بين طوائف المسلمين على اختلافها، ألا ترون أن هذه ندائات غريبة؟

أنا أجدها غريبة لعدة أسباب، أهمها منطقي محض أطرحه بأسلوب إستفساري:

كيف يأمل أحد في التعايش السلمي بين طوائف بدأ التناحر بينها قبل 14 قرن ولايزال مستمر إلى اليوم لنفس الأسباب التي أشعلته أصلاً؟ 

لم تتغير النصوص أو الأحاديث التي مهدت لـ وحرضت على البغض الشديد المتبادل بتفريقها للبشر على أساسات فكرية محضة وإبهامها في تعريف من هو المختلف والحث على أقسى أنواع العنف ضده. فعندما صرخ النص: اقتلوهم من حيث ثقفتموهم، والقرآن يطفح بمثل هذه الأوامر الدموية السافرة، لم يحدد النص نفسه ماهو بالضبط المقصود من هذا الأمر بقتل الآخرين رغم وضوحه الربوبي المزعوم، بل تركه لأهواء المفسرين على اختلاف توجهاتهم ليصبغونه باللون الذي يحلو لهم، فمنهم من يحلل قتل الجار لجاره والأخ لأخيه ومنهم من يحرمه وآخرون يتذبذبون بين هذا وذاك. وعندما قال محمد: تختلف أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة، فهذا تحريض صارخ على التفرقة وحث مبطن على التقاتل ليس بين المسلمين والمخالفين بل بين المسلمين أنفسهم. لماذا لم يقل نبي الوحدة والرحمة مثلاً: تجتمع أمتي بمختلف فرقها على كلمة لا إله إلا الله، فيكون هذا الحديث حث صريح وتشجيع واضح على الوحدة بين مختلف الطوائف؟ 

فما الذي تغير منذ ظهور تلك النصوص والأحاديث إلى اليوم حتى يغير المسلم نظرته وسلوكياته تجاه ماتعتبره عقيدته أسوء وأحط أنواع الخلق ويبدأ بتقبيل واحتضان ذلك المخلوق كأخيه في الدين وحبيبه في الإنسانية؟ لم يتغير شيئ، فنفس النصوص ونفس الأحاديث ونفس الأفكار التي كانت سائدة في تلك الفترة الدموية لا تزال سائدة اليوم بنفس عنفها ودمويتها. هذا البغض والتناحر عقائدي المصدر متجذر بالتوارث في ثقافة المجتمع، وليس بقانون وضعي يسهل تغييره بفرقعة إصبع. 

فعندما ينادي أحد بوحدة صفوف المسلمين، فهذه المناداة إما أن تكون كاذبة لهدف ما إذا كان المنادي يعرف الحقيقة الجلية أن عقيدة كل طائفة تكفر الآخر، أو أنها نابعة عن جهل مطبق بأمور العقيدة أو سذاجة مدهشة بقوة التعاليم الدينية وشدة تجذرها في رأس المؤمن.

طالما هناك معتنقات ينظر لها بأنها ثوابت ومسلمات ألوهية مقدسة يتوجب على كل مؤمن بها الإلتزام بها وتنفيذها وإن تعارضت مع الفطرة الإنسانية والضمير وجميع القيم السلمية الأخرى، فلن يكون هناك أي أمل للإستقرار والتعايش السلمي بين المذاهب، الإسلامية بالخصوص.

هذا التناحر المتواصل بين الطوائف الدينية الذي يلطخ تاريخ البشرية منذ بدأ تدوينه، بحد ذاته أكبر دليل على بشرية منبع هذه العقائد التي تثيره. ليست هناك حاجة لتقديم دلائل علمية دامغة لكشف بشريتها، إذ  يكفي النظر فقط إلى تاريخها الدموي المؤسف لتدرك أنها من إنتاج الإنسان.

* * * * * * * * * *

الاثنين، 8 يونيو 2015

داعش، أمل الأمة الإسلامية؟

::
هذا أحد برامج الإتجاه المعاكس الذي بث مؤخراً، أنقله لكم بالكامل رغم أن المقطع الذي يهمني فيه لا يتجاوز النصف دقيقة. لم أشاهد هذا البرنامج لأني لا أطيقه، ولكن لفت أحد الأصدقاء اهتمامي إلى الإستفتاء الذي أجراه هذا البرنامج على مشاهديه والذي احتوى على السؤال الآتي:

هل تؤيد انتصارات الدولة الإسلامية في العراق وسوريا؟

رد المشاهدين على السؤال كان كالتالي:
81% منهم أجاب بــ نعم
14% أجاب بــ لا

ومن لا يريد منكم مشاهدة البرنامج بأكمله، فنتيجة الإستفتاء تعلن بعد الدقيق 48 قبل النهاية.



نقطة الإستغراب هي هذه:

على افتراض أن مشاهدي البرنامج هم مزيج من جميع المذاهب الإسلامية (والديانات الأخرى)، وعلى افتراض أن الشريحة التي أجابت على الإستفتاء، ويبلغ عددها 55000 (وتعتبر إحصائياً عينة بحجم يكفي لتمثيل الرأي الإسلامي العام، أو على الأقل الرأي العام لمشاهدي البرنامج)، فنتيجة هذا الإستفتاء تعني أحد الإحتمالين:

1- حيث أن نسبة الشيعة من الكتلة الإسلامية العربية تقدر بحوالي 20%، وحيث أن الشيعة لا تؤيد داعش ولا انتصاراتها لأن داعش تكفرهم، أضف إلى نسبة الشيعة المذاهب الإسلامية الأخرى التي تكفرها داعش، فهذا يعني أن الـ 81% من المسلمين الذين يؤيدوا انتصارات الدولة الإسلامية داعش والذين أجابوا على الإستفتاء هم من أهل السنة. وحيث أن داعش هي حركة إرهابية دموية مجرمة بجميع المقاييس الإنسانية، فهذا يعني أن 100% من أهل السنة هم بالضرورة، ظاهرياً أو باطنياً، وفقاً لهذا الإستفتاء هم من مؤيدي الأرهاب وسفك الدماء بأبشع أشكاله التي تمارسها داعش.

2- أن من المستحيل منطقياً أن يكون 100% من أهل السنة مؤيدي للإرهاب، بل أن قناة الجزيرة، بالتعاون مع الدكتور فيصل القاسمي المبجل، قد استحمرت ذكاء المشاهد ولفقت الإستفتاء.

وأترك لكم الحكم

* * * * * * * * * *

الجمعة، 5 يونيو 2015

لماذا سيق رشيد بوجدرة إلى المحاكم

::
أستغر الله
أستغفر الله وأتوب إليه
اللهم لا تؤاخذنا على مافعل الحكماء منا، ولا تنزل غضبك وبأسك علينا كما أنزلته على النرويج والدنمارك والسويد حين أنكروا وجودك ولم يعترفوا بك أو بأي من أنبيائك أو كتبك.
اللهم لا تحرمنا من خيراتك كما حرمت منها الصين الكافرة الملحدة واليابان الأكفر والألحد. 

الكاتب الروائي الجزائري رشيد بوجدرة يجهر بإلحاده على التلفزيون، والعياذ بالله. توقعوا تسونامي انتقامي شديد يهيج مباشرة من مياه تحت العرش يطفئ شموسكم ويغرق مجرتكم.





رشيد بوجدرة روائي جزائري يكتب باللغتين العربية والفرنسية، ويعد من بين أهم الوجوه الروائية في الساحة الأدبية الجزائرية. أثار جدل وسط المجتمع الجزائري بإعلانه جهراً عن إلحاده.

ولد عام 1941 في مدينة العين البيضاء. تخرج من المدرسة الصادقية في تونس ومن جامعة السوربون قسم الفلسفة. عمل في التعليم وتقلد مناصب كثيرة منها: أمين عام لرابطة حقوق الإنسان وأمين عام اتحاد الكتاب الجزائريين. وهو محاضر في كبريات الجامعات الغربي في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية. حاز على جوائز كثيرة من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا (منقول من ويكيبيديا).

* * * * * * * * * *

الثلاثاء، 2 يونيو 2015

صدق الخيبري وبن باز

:: 
لفت أحد الأصدقاء انتباهي إلى فيديو للداعية السعودي بندر الخيبري، ينكر فيه دوران الأرض حول الشمس. ورغم أن هذا الفيديو قد صدر قبل عدة شهور ولاشك أنه قد أشبع الناس ضحكاً وسخرية عليه، حتى المتدينين منهم، وتجاوز حدود الملل، إلاّ أني أود أتناوله من جديد بشيئ من الجدية وحتى لو كان الموضوع ممل ومكرر.

فالنشاهد الفيديو أولاً:



هناك نوعان من المؤمنين المتدينين: النوع الأول هو المؤمن الذي يفهم العلم التجريبي ويقبله، إنما يحرف كلام ربه ليكيفه مع معطيات العلم إذا تعارض الإثنان لكي يبقى متمسكاً بعقيدته. والنوع الثاني هو الذي لا يهمه فهمه أو جهله للعلم التجريبي، إنما ما يهمه في المقام الأول هو حرصه الشديد في الحفاظ على مايتضمنه كتاب ربه من معلومات كما هي مدونة بدون أي محاولة للوي أو المرواغة أو التحريف، حتى لو سخر منه حتى أطفال المدارس.

النوع الأول مراوغ وجبان يجر عقله بكل إدراك في أوحال الكذب والبهتان على ذاته، أما النوع الثاني فهو المؤمن الحقيقي الشجاع، الصادق مع دينه ونفسه. وبندر الخيبري وعبدالعزيز بن باز وصالح الفوزان هم أصدق وأشجع المؤمنين المتدينين الذين لا تأخذهم في أقوال كتاب ربهم لومة أي لائم.

القرآن يذكر بوضوح ساطع لا يحتمل التؤيل بأن الشمس والقمر يتحركان في السماء، إنما لا يذكر بآية واحد من القرآن بأكمله أن الأرض تتحرك. والأدلة على ذلك كثيرة يذكرها الخيبري في الفيديو ولا يحتاج أن أكررها على أن الأرض ثابتة والشمس هي التي تدور.

فأي نوع أنت يامن تعتبر نفسك مسلم مؤمن بالقرآن والسنة؟ هل أنت النوع الصادق مع ذاتك، أو أنت النوع المراوغ المخادع الذي تحرف كتاب ربك لكي يهنأ نومك؟ 

* * * * * * * * * *

الجمعة، 29 مايو 2015

لماذا أصبحت ملحد - صرخنا إلى الله لينقذنا فتجاهلنا

::
استلمت هذه القصة المروعة والمحزنة التي أرسلت على هذا البوست، أنشرها هنا كما جائت مع بعض التصرف للتنسيق.

كنا أنا وإخواتي، عددنا ستة في البيت، تربينا تحت تعذيب وقهر وإرهاب أخو لنا يكره البنات. ياليت لو قطع رؤوسنا بإرهابه ونحن أطفال، ولكنه ذبحنا ببطء وجعلنا ننزف سنين طويلة، ولحد الآن ولايزال يتنفس ويعيش وكل يوم أشهد وفاة شقيقاتي الواحدة تلو الأخرى بسرطان الرأس (جوما) نتيجة ضرباته القوية على الرأس، وأخرى أصيبت بجنون وتعمل جلسات كهربائية لحد الآن، وأخرى انتحرت وبقيت الوحيدة وعمري ستون عاماً، مذبوحة ولكن بدون قطع الوريد، وشاهدة عيان وأنا طفلة على قتل شقيقتين لي وهم رضع بيد والدتي خوفاً من أبي وأخي. هل تريدون المزيد؟

كنا نصرخ أنا وإخواتي ونحن أطفال إلى الله ليلاً ونهاراً كي ينقذنا، ولكن لم يحدث شيئ ولم ينتهي الإرهاب في بيتنا ولا يوم ولا دقيقة. هل كان يجب أن نتعذب ونحن أطفال ولسنوات عديدة وإلى الأبد كي يجازينا الله في الآخرة بجنة لنا وجحيم لأخي؟!!!!! ماهذا المنطق؟!!

لقد عشت أنا وإخواتي في الجحيم في هذه الدنيا ونريد الجحيم والنار لأخي في هذه الدنيا، هذا هو العدل، أعيش رعباً كل يوم خوفاً من موت أخي قبل أن أصله. ضاع مني وأنا أبحث عنه، ولما وجدته في أمريكا وعرف أني أبحث عنه هرب مني إلى ولاية ثانية بعيدة لأنه سمع بأنني أبحث عنه كي أذبحه بكل هدوء مثلما ذبحنا.

يا الله، يامن خلقت السماء والقمر والشمس والنجوم، أنني أتنازل عن الجنة الموعودة وأريد أخي الإرهابي لي وحدي، سلمه لي، أريد الجهنم والجحيم مع أخي فقط كي أعرف أنام وآكل وأربي أولادي، لا أريد جنة موعودة، أريد جهنم تبرد النار في صدري منذ سنين وسنين، نار أزلية.


(حدثنا عزيزي القاريئ/عزيزتي القارئة عن أسباب إلحادك حتى ننشره في المدونة. يمكنك إرسال قصتك بواسطة الإيميل إلى basees@ymail.com أو كتابتها كتعليق على أي بوست في المدونة)


* * * * * * * * * *

الثلاثاء، 26 مايو 2015

ونفر الناس من أديان الله أفواجا

::
جرى قبل ثلاثة أيام إستفتاء حكومي شامل في إيرلندا لمعرفة رغبة الشعب الإيرلندي أو معارضته في إجازة الزواج الرسمي للمثليين (اللواطيين في التعريف الديني) وشمله كقانون في الدستور. وأتت النتيجة في اليوم التالي للإستفتاء كالصاعقة على رؤوس المعارضين.

إذ بلغت نسبة الراغبين في إجازة جواز المثليين وتقنينه في الدستور 62% أي حوالي ثلثي المشاركين في الإستفتاء والذين بلغت نسبتهم 60% من مجمل الناخبين .كما أسفرت النتيجة عن موافقة 42 دائرة انتخابية على الإجازة من مجمل 43 دائرة، أي أن المعارضة تمثلت في دائرة انتخابية واحدة فقط. ولم تتوقف إرادة الشعب الإيرلندي حول الموضوع إلى هذا الحد، بل أن نسبة كبيرة من المواطنين الذين كانوا خارج إيرلندا يوم الإستفتاء، رجعوا من سفرهم خصيصاً للمشاركة لطرح أصواتهم في الموافقة.

مايثير الدهشة والإهتمام في هذه الموافقة الكاسحة من غالبية الشعب الإيرلندي في إجازة زواج المثليين ليس أن إيرلندا تعتبر من أشد الدول تديناً فحسب، بل أنها تنتمي أيضاً إلى الطائفة الكاثوليكية التي يرأسها البابا والتي تعتبر أكبر وأقدم وأشد الطوائف المسيحية أصولاً في مبادئها وأحكامها. العلاقة الجنسية المثلية في الأحكام المسيحية، والكاثوليكية بالذات، تعاقب بالقتل. 

ليس الهدف من هذا الطرح تناول أسباب موافقة الشعب الإيرلندي على إجازة جواز المثليين، فهذا له موضوع آخر، بل اهتمامي هو في أبعادها وما تشير إليه.

في عام 1946 صرح البابا بطرس السادس قبل أن يتوج كبابا في الفاتيكان، أن: "إيرلندا أشد الدول كاثوليكية". كان الشعب الإيرلندي بأكمله تقريباً يحرص على الحضور في الكنائس، فضلاً عن أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تسيطر بشكل شامل على المدارس والمستشفيات وتتحكم حتى في القرارات الحكومية. ولكن رغم شدة تدين الشعب الإيرلندي في تلك الفترة وانتمائه إلى أشد الطوائف الدينية تزمتاً وتعصباً، ورغم السيطرة الشاملة التي كانت تفرضها المؤسسة الدينية الكاثوليكية على الدولة وشعبها، إلاّ أن نفوذها قد انهار خلال جيلين فقط.

إجازة الشعب الإيرلندي لسلوك يعتبر من كبائر الذنوب في العقيدة المسيحية والإندفاع الكاسح لتقنينه في الدستور ووضعه على نفس قدم المساواة للزواج التقليدي قانونياً واجتماعياً، يمثل تحول فجائي مدهش وعميق لفكر عقائدي ربوبي مترسخ في كيان وتاريخ مجتمع بأكمله.

نتيجة هذا الإستفتاء تمثل إنقلاب جذري وسريع في الفكر البشري، بصرف النظر عن صبغته الربوبية. فإن كان هذا ممكن الحدوث لفكر شعب على هذا القدر من التدين، فلا يوجد  ما يمنع حدوثه في أي مجتمع متدين آخر، بصرف النظر عن نوع الديانة أو شدتها. 

تجاهل مجتمع بأكمله لأحد أهم وأكبر المبادئ الدينية التي تكون أخلاقياته وسلوكياته يمثل خطوة هائلة تبعده عن السلطة الدينية ونفوذها. والإسلام ليس محصن ضد التغيير، والتحول قد يأتي بأسرع مما يمكن تصوره في أي مجتمع إسلامي مهما بلغت شدة تدينه.

 * * * * * * * * * *

السبت، 23 مايو 2015

شكراً على أيه؟

::
في حوار قصير عن بعض المشاكل الشخصية التي يعاني منها صديق فرنسي، ذكرتها بشكل عابر في جلسة مع بعض الأقارب، تفاجأت (أو ربما كان علي ألاّ أتفاجأ) بأحدهم يسجد فجأةً على الأرض ويكثر من حمد ربه على ما أنعم به عليه ولم يبتليه بنفس مشاكل صديقي الفرنسي!!

مفاجأتي ليست أني شاهدت شخصاً يخر ساجداً لربه خارج إطار الفرض ووقته، فهذه تراها حتى في ملاعب كرة القدم. إنما لهذه الأسباب:

1- قريبي هذا مفلس ولا يملك غير بيت أجار وعاطل عن العمل لأسباب صحية وليس له دخل غير راتب التقاعد الذي لا يغطي مصاريفه، وغارق في الديون حتى أذنيه.
2- يعاني من السكري والضغط العالي واضطرابات في قلبه وتدهور في نظره رغم أنه في أوائل الأربعينات من العمر.
3- لا يملك سيارة، بل يعتمد على أبنائه في تنقلاته.
4- يعيش في مناوشات ومشاحنات متواصلة مع زوجته.
5- يعاني من عرج مزمن في رجليه لأنه ولد برجل أقصر من الأخرى.
6- ليس بأوسم أو أذكى أو أفصح إنسان عرفته (بدون انتقاد).

تحمد ربك على أيه ياحمار ؟؟؟؟

* * * * * * * * * *

الثلاثاء، 19 مايو 2015

التعريف الصحيح للإسلام

::
خاطرة عابرة:

ماهو تعريف الإسلام، أو أي دين آخر في الواقع؟ التعريف الصحيح لهذه المنظومات هو هذا:

الإسلام، أو الدين بشكل عام، هو حزمة من المبادئ والقيم والمفاهيم والأحكام الموروثة من المحيط، فقط. أو بعبارة أقصر: مجرد تراث بشري متوارث.

هذا هو التعريف الصحيح الذي يمليه المحتوى والواقع، وليس أن الإسلام، أو الأديان بشكل عام، هي رسالات من مصدر ميتافيزيقي أو ماورائي لما هو دارج ومعروف بين البشر. فربوبية هذه المنظومات هي مجرد مزعم متوارث لا يسنده دليل يخضع للإختبار المادي المحسوس بحيث يسنده أو يسقطه. ربما يبدو التصريح بأنه بديهي أو سطحي، ولكنه مع بعض التفكير أعمق مما يبدو للوهلة الأولى، وإليكم هذا التشبيه والمقارنة التي أرجو أن توضح القصد.

فالنرفع هذا الزعم - أن الإسلام هو رسالة ربوبية - إلى مستوى النظرية العلمية لأجل التوضيح، ولنختار لهدف هذا التشبيه إحدى أهم النظريات العلمية التي كونها العقل البشري: النظرية النسبية العامة لآينشتاين. 

نظرية آينشتاين تزعم بأن الجاذبية تؤثر على الوقت، فتبطأه كلما ازدادت وتسرعه كلما خفت.
الدين كنظرية يزعم أحدها وهو الإسلام بأنه صادر من رب (بكل ماتحمل الكلمة من معنى)

إثبات صحة أو خطأ النظرية النسبية بسيط للغاية وسهل التحقيق. إذا كانت الجاذبية تبطأ الوقت أو تسرعه حسب قوتها، فنتوقع أن معدل مرور الوقت على سطح الكرة الأرضية يختلف عن معدله كلما ابتعدنا عن سطحها إلى الفضاء العلوي. وفي الواقع هذا بالضبط مانجده حين نضع ساعة على سطح الأرض وساعة بنفس التوقيت على متن طائرة تحلق في الفضاء الخارجي. الساعة التي على سطح الأرض تسير بشكل أبطئ من الساعة التي في الطائرة، وهذا ما أكدته آلاف التجارب والتطبيقات.

دليل بهذه القوة والصلابة لا يستطيع أن يختلف عليه إثنان مثقفان من البشر، مهما أختلفا في اللغة والتراث والمعتقدات والقيم أو في أي مقياس آخر.

وماذا عن نظرية أن الإسلام رسالة ربوبية؟ كيف نتحقق من هذه النظرية، وبأي تجربة؟
في الحقيقة لا توجد.
لا توجد أي تجربة أو وسيلة منهجية، سواءً معقدة أو بسيطة، من الممكن خلقها تستطيع أن تثبت بأن الإسلام هو حقاً رسالة من إله. فجميع الأدلة الموجودة التي يستند عليها الإسلام وغيره من الأديان ترتكز في أساسها على أقوال ومخطوطات قديمة متوارثة يختلف على محتواها ومضمونها حتى أتباعها، ناهيك عن اقتناع غير المؤمنين بها. هذه المخطوطات هي مجرد تدوينات لأفكار وأوامر تخلوا بتاتاً من أي محتوى يمكن إخضاعه للمنهج التجريبي للتحقق من ربوبيته. ولا الرب، إن كان موجود، يريد أن يظهر لنا ليفند أو يؤكد صحة هذه التدوينات. بينما بالمقابل، تقدم نظرية آينشتاين حجة بسيطة التنفيذ لا يستطيع أن يختلف عليها إثنان من البشر، أياً كانت خلفيتهما. 

لن ترتقي المفاهيم الدينية بأي حال من الأحوال إلى المستويات الشاهقة للمعارف العلمية، فمثالنا غير متوازي مع الحقيقة وهو لهدف الطرح فقط. فإذا تعارضت النظرية العلمية مع أي مبدأ أو مفهوم، إياً كان مصدره، إرمي ذلك المبدأ أو المفهوم في القمامة. إلاّ إذا أتانا ذلك المزعم بدليل علمي تجريبي يسنده. وإلى ذلك الحين يظل التعريف قائم:

أن الإسلام ما هو إلاّ مجرد مجموعة من المبادئ والقيم والمفاهيم والأحكام البدائية الموروثة من المحيط. فقط لا غير، لا يختلف في أساسياته أو براهينه عن أي دين آخر أختلقه الإنسان عبر تاريخه الطويل.

* * * * * * * * * *

الثلاثاء، 5 مايو 2015

أربع شهور ما مريت علي

::
أشعر بأن مدونتي تعتابني على هجري وإهمالي لها كلما فتحتها وحدقت بها بعد غياب  فترة طويلة عنها. وأعزي عذري للمتابعين الأعزاء ولها على هذه الغيبات الطويلة المتعاقبة إلى أن ظواهر إنتشار الوعي بزيف سماوية الأديان وبدائيتها الصارخة وعدم صلاحيتها أخلاقياً وعملياً وفشلها في مسايرة التطورات بدأ يبرز بشكل من الإستحالة إخفائه، خصوصاً خلال السنتين الماضيتين، مما جعلني أشعر بعدم الحاجة إلى النشر المكثف للمقالات في هذه المدونة التي خصصتها لهدف النقد والتنبيه كما كنت أفعل سابقاً.

هذا لا يعني أني سوف أتوقف عن الكتابة وأغلق المدونة، بل سوف أستمر في طرح المواضيع، لأي موضوع، كلما شعرت بالرغبة والدافع إلى ذلك، وهذا سوف يعتمد على المزاج أكثر من الحاجة.

ولي عودة.

وهذه أغنية عراقية قديمة لوحيدة خليل أعاتب نفسي من خلالها على غيبتي الطويلة عن المدونة (لا أستسيغ هذه الأغنية، ولكن ربما تعجب بعضكم):





* * * * * * * * * *

الجمعة، 2 يناير 2015

خواطر أول يوم من السنة

::
أجد بعض الصعوبة في تقبل أن هذا الصباح هو اليوم الثاني من السنة الجديدة! مر من الوقت على تنزيل المعايدة في البوست السابق أكثر من يوم كامل، ولكني أشعر أني قد أنزلتها منذ بضعة لحظات. وهذه حالتي مع الوقت، لدي إحساس مرهف بمروره.

لا أستسيغ في الحقيقة هذه الإشارات الزمنية التي تنبهني بشكل متواصل بمرور الزمن: نهاية اليوم وبداية يوم جديد، نهاية الأسبوع وبداية أسبوع جديد، نهاية الشهر وبداية شهر جديد، وهكذا تتابع الحقبات بشكل مستمر لتذكرني في كل نقطة إنتقال بين يوم ويوم وأسبوع وأسبوع بما انقضى من عمري. والأسوء، بما تبقى منه.

هذا الإدراك المرهف بمرور الوقت، أتى كنتيجة مباشرة لاكتشافي بحقيقة الحياة وحقيقة الوجود، وحقيقة الوجود مادية بحتة - بالمفهوم الفيزيائي - مجردة تماماً من الغيبيات. فمن المنظور العلمي، لا يوجد في الحياة أو الوجود بأكمله أي حيز أو إشارة أو حتى حاجة للرجوع إلى التفاسير الميتافيزيقية في محاولات فهمنا للطبيعة وظواهرها. بل بالعكس، جميع المشاهدات والتجارب التي أجريت خلال مئات السنين، لم تسفر أو تشير إلى أي تدخل أو خرق ميتافيزقي لظواهر الطبيعة. ففكرة وجود مخلوقات وعوالم لامرئية ولا محسوسة كالجن والعفاريت والملائكة، بل فكرة الربوبية بأكملها، تظل مجرد أفكار وقناعات ليس لها أي سند على أرض الواقع التجريبي الموثق. 

فعندما تنتهي السنة وتقبل سنة جديدة، أنظر لما مضى من وقتي في تلك السنة وأتطلع إلى السنة القادمة من قمة تلة الواقع الذي تضيئه لي أنوار العلوم التجريبية الصلبة، وليس من خلال أفكار ومفاهيم بدائية مهلهلة موروثة من جدتي.

فحين أنظر إلى ماسلف، أتسائل ماذا حققت وماذا أنجزت من أعمال تفيدني في حياتي المحسوسة الملموسة هذه، وحين أتطلع إلى السنة الجديدة أفكر كيف أستفيد مما تبقى من وقت لي في هذا الوجود، الوحيد. ولكن عندما تدخل السنة الجديدة على المؤمن، يفكر هذا العابد الصادق الخالي من الرتوش والنفاق، كيف قضى وقته في تلك السنة؟ هل أدى صلاته على الوجه الأكمل؟ هل أغواه ابليس؟ هل عصى ربه في شيئ؟ وعندما يتطلع إلى السنة الجديدة، فجميع أولوياته محصورة في دائرة كيف يرضي ربه، وجميع المهام الأخرى تندرج خارجها.

بالإضافة إلى جانب العنف الوحشي المقيت الذي يتسم به الدين الإسلامي بالذات، فأبشع وجه آخر لهذا الدين هو الحث والتحريض، بل التهديد، على تكريس هذه الحياة الوحيدة التي لا تقدر بثمن على قضائها في تبني أفكار أبعد ماتكون عن الواقع، وممارسات وطقوس خالية عقيمة لا تفيد المسلم بشيئ سوى ربما تخفيف وطئة مشاكل الحياة عليه. ولكن حتى هذه الفائدة، إن قبلنا بأنها فائدة، ليست سوى عملية تزويد بآمال كاذبة وزائفة.

فهانحن اليوم قد شطبنا سنة كاملة من روزنامة أعمارنا، وماتبقى منها قد تقلص قليلاً للشباب منا وكثيراَ لشيوخنا، والمدرك منا قد وعى الحقيقة المجردة للحياة وبنى ما تبقى من مستقبله على هذا الوعي.

وكل عام وأنتم بخير

* * * * * * * * * *