الخميس، 6 نوفمبر 2014

لا حياة بعد الممات

::
وقعت عيناي صباح اليوم على صفحة في الجريدة يطالعها ربما أغلب القراء ولكني لا أهتم بها وأحاول حتى أن أتجنبها، وهي صفحة الوفيات. تمعنت في لائحة المتوفين وفي أسلوب كتابتها. لم أجد فيها أي شخص أعرفه ولكن تركزت نظرتي لفترة على عبارة "وأسكنه فسيح جناته".

رجعت بظهري على الكرسي وحدقت بها لفترة طويلة باستغراب وكأني أقرأها لأول مرة. شعرت بأني لا أستطيع إبعاد نوبات الدهشة والحيرة التي تنتابني باستمرار منذ زمن طويل  حول لغز إيمان هذا الكم الكبير من البشر بفكرة أن الإنسان سوف يرجع إلى الحياة بعد أن يموت ويتحلل وينتهي أمام أعينهم. وليس هذا فحسب، بل سوف يعيش إلى الأزل في محيط من الكمال والسعادة لا يحلم فيها في دنياه. كيف يؤمن أحد، اليوم، بهذا المزعم الهائل بلا ذرة دليل واحدة ملموسة محسوسة، بل كل إيمانه هذا مستند على أقوال كتاب قديم من العصور الوسطى تتناقض في كل صفحة فيه مع معارف هذا العصر. 

عدم وجود الدليل التجريبي المحسوس على مزاعم هذه الكتب التي يصدقها ويقدسها الناس، فهذا بحد ذاته يثير الشكوك حول صحتها في أفضل الأحوال. ولكن حين نسلط عليها الضوء العلمي الفيزيائي، فجميع مزاعمها تتبخر فوراً، ولنأخذ مثال الحياة مابعد الموت.

لمن لايعرف عنها شيئ أو لم يسمع عنها، فالنظرية الكوانتية أو الكم (نفس النظرية بعدة مسميات) هي أقوى وأصلب نظرية في حقل الفيزياء. هذه النظرية تصف عالم الذرة ومادونها، وهي نظرية في غاية الدقة والصلابة تسندها معادلات رياضية وتجارب ومشاهدات امتدت عدة عقود.

جسم الإنسان يتكون من ذرات كما يعرف الجميع، وهذه الذرات تتفاعل مع بعضها بطريقة مفهومة فيزيائية وتتفق مع كل ماتنص عليه النظرية الكوانتية. فعندما يموت الإنسان، يتحلل جسده وتنتثر ذراته المكونه وتختلط مع التراب والماء والهواء وترجع إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل ظهوره. فحتي يستمر هذا الإنسان أو ينتقل بعد موته إلى عالم الخلود، سواء جنة أو نار، ويحتفظ بهويته الدنيوية، لا بد أن تكون هناك وسيلة تحتفظ بتلك الهوية ولا تتأثر بالموت. فما هي؟

الدين يقدم لك مايسميه بالروح، والتي يزعم بأنه كيان يمثل الإنسان ولا يموت، ولكنه كالعادة لا يقدم لك أي دليل أو حتى أي تفاصيل عن هذا الكيان. فعلى افتراض أن هذه الروح موجودة وتحمل هوية الإنسان، فلابد أنها تتفعاعل مع خلايا دماغه التي تكون وتحمل أفكاره وقناعاته ومعتقداته، وتوجه سلوكياته وتصرفاته، وتكون هويته وشخصيته التي يعرف بها خلال حياته، وتنسخ أو تنقل أو تحتوي على كل هذه المعلومات. وإن كانت الروح تتفاعل مع خلايا دماغ الإنسان، فهي تتفاعل بالضرورة مع الذرات المكونة لهذه الخلايا.

ولكننا اليوم نعرف تماماً من خلال النظرية الكوانتية كيف تتفاعل الذرات مع بعضها وكيف تتفاعل حتى مكوناتها من الكترونات وكواركات وقواها الأربعة، ولا توجد أدنى إشارة إلى أن الذرات ومكوناتها تحمل أي معلومات عن الإنسان بعد أن يموت وتتحلل خلايا دماغه وتنتثر ذراتها. كما أنه لا توجد أي إشارة إلى أن هناك عناصر أخرى تكون مايسمى بالروح وتتفاعل مع هذه الذرات حتى تحمل معلومات خلايا صاحبها، ولو تواجدت هذه العناصر الروحية لاكتشف الآن، هكذا بكل ثقة. ما نعرفه اليوم من مركبات عالم الذرة هو كل ماهو موجود، فلا توجد أي عناصر أو مركبات أخرى لم تكتشف بعد. وحتى لو وجدت مركبات أخرى من قوى أو جسيمات لم تكتشف بعد، فهي لا تتفاعل مع ماهو مكتشف، أو أن تفاعلها ضعيف إلى درجة لا تؤثر على مجري سير الذرات المروفة ومكوناتها، وبالتالي لا يمكن أن تنقل أو تحمل أي معلومات عن الإنسان. وإن قال أحد أن الروح هي كيان ماورائي غيبي لا يخضع لقوانين الفيزياء الطبيعية، فالإجابة هي لو كان مثل هذا الكيان موجود لأسقط جميع معارفنا عن الذرة ومكوناتها. ولكن وجود النظرية الكوانتية وصلابتها ودعم التجارب والمشاهدات لها وقوة معادلاتها الرياضية وعدم ظهور أي خرق لقوانينها كل هذا يثبت عدم وجود مثل هذا الكيان الروحي.

فتبقى فكرة الخلود بمفهومها الديني أمنية ووهم يعزي بهما الإنسان نفسه حين يفقد أحد أحبائه، ويطمئن بهما قلبه بخداع نفسه أمام فنائه المحتوم.

* * * * * * * * * *

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

الخلود جبنبوع الشباب ، الحياة الاخرى حلم رواد الفراعنة بناة الأهرامات الى المؤمنين البسطاء في الحقول . كلنا بشر وفي فترة مرت على كل كان لدينا طمع في الذهب او الخليلات او النبيذ او السلطة والجاه او الجمال او العلم... شيء نتمناه ولم نقدر الحصول عليه الخ الن يكون
للسرمدية نصيب ؟ انصحك بسماع اغنية Time in bottle للمغني جيم كروس ودمت بود وسلام

م - د مدى الحياة يقول...

فالفائدة الوحيدة فقط للدين هي لتخفيف مصاب فقد الشخص العزيز ! ، فحتى نحن كملحدين قد نضطر لتخفيف وطأة فقد الشخص العزيز عن صاحبه المتدين بأن نواسيه ونخفف عليه مصابه بأن نربت على كتفه كما نفعل نحن مع الأطفال ! ومعها بعض التعويذات ! ونذكره بأن هذا الفقيد هو مكانه الآن في الجنة سعيدآ ! ، وهذا الأمر ليس نفاقآ منا ولأنه ايضآ ليس من الحكمة ان نخبره بأن هذا الفقيد هو في الحقيقة قد مات الى ابد الآبدين ويخضع لقوانين الطبيعة كسائر كل الأحياء التي عاشت على الأرض وحتى الأجرام الكونية كافة ولو فعلنا ذلك ربما نزيد حالته سوء قد يقضي عليه وربما ايضآ حتى علينا ! بسبب الحقيقة المرة التي يهرب منها الأنسان المؤمن دائمآ ، فالدين هو افيون الشعوب المتدينة دائمآ وابدآ ! .

مفكر بدون بقلم يقول...

وضرب لتا مثلا ونسي خلقه