الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

قهوة بوسبحة تحتاج قطرة ... أو أكثر

::

عندما أفقت من النوم، صباح يوم مبكر خلال زيارة صديقي بوسبحة لي وإقامته معي في بيتي، لم أتوقع رؤيته نائماً على الكنبة أمام التلفزيون .. واضعاً ذراعه كمخدة تحت رأسه، واللابتوب على كرشه، ونصفه الأسفل متدلي على الأرض!

فقد ظننت أنه قد صعد لينام في غرفته، بعدما تركته الليلة الماضية في الصالة ينقر على مفاتيح كمبيوتره ليرد على بعض المراسلات في صندوق بريده الألكتروني. ولكن من الواضح أن النعاس قد غلبه وهو على الكنبة بعدما ذهبت لأنام. 

إنتهت إمسيتنا تلك الليلة بعد جولة ساخنة أخرى من الجدل والسجال الذي يجري بيننا يومياً، والذي أصبح الآن جزء من روتيننا المسائي، نتعاطيه مع المقبلات قبل العشاء ومع القهوة ومعمول التمر بعده ... لالفائدة ملحوظة منه بل مضرة محسوسة: زيادة في حموضة المعدة، وحدة في توتر الأعصاب، يعقبه أحياناً صداع حاد. بدأت جولات الأكشن هذه كنقاش ديني/علماني وتدرجت إلى روتين حتمي/إدماني، لايستطيع كلانا أن يتحاشاه.

فبعدما رمقته من أعلى الدرج نائماً في الصالة، نزلت على أطراف أصابعي وأنا أراقب هذا الكائن الكربوني، ذو الفروة الوجهية الكثيفة المتدلي من الأريكة، وأبتسم متسائلاً: هل من الأفضل إيقاضه لتعديل وضعه أم تركه ليرتاح في نومه، فلم يبدو لي أن وضعه الربياني المقوّس هو وضع مريح للنوم، ولم أظن أنه سوف يستيقظ منتعشاً أو فرحاً، وخصوصاً عندما يعلم بأن صلاة الفجر قد فاتته، فلم أسمع جرس منبه الساعة يدق، لأنه كان يوقظنا كل يوم في عز الفجر (أو في عز الليل، إذا صنفت ظلام الفجر بأنه لايزال ليل) قبل طلوع الشمس ... كل النائمون في بيتنا وجميع الجيران من حولنا، من حدة صوته الذي يشبه جرس سيارات المطافيئ القديمة ... فتركته في وضعه غارقاً في نومه. (ربيان = جمبري)

ذهبت أخطو بهدوء القط إلى المطبخ المجاور للصالة، وملأت القدر الكهربائي بالماء لتسخينه للقهوة، ثم عدت إلى الصالة، أنتظر الماء ليغلي وأنتظر بوسبحة ليفيق ...

لم أنتظر طويلاً، غلى الماء، بصوت مزعج أيقظ بوسبحة من سباته، ففتح عينيه ودار بوجهه نحوي، فحييته بتحية الصباح، وجرى بيننا هذا الحوار:

أنا: صباح الخير
بوسبحة: وعليكم السلام (بوسبحة لايستخدم إلاً التحيات الإسلامية)
أنا: تحب أسوي لك قهوة؟ (أسوي = أعمل)
بوسبحة: الساعة كم؟
أنا: أسوي لك قهوة الحين (الحين = الآن)
بوسبحة: لأ، أقصد الساعة كم الحين
أنا: آآه، أممم ... الساعة سبع وثلث
بوسبحة: لاحول ولاقوة إلاّ بالله ... أستغفرك ربي وأتوب إليك، أستغفرك ربي وأتوب إليك، أستغفرك ربي وأتوب إليك
أنا: بوسبحة، ليش تستغفر؟ صار شرب القهوة الصبح حرام؟
بوسبحة: ماأستغفر للقهوة، أستغفر لفوات صلاة الفجر.
أنا: هااا ... أشوة

وينهظ بوسبحة من الكنبة ويهرول صاعداً إلى الحمام في الطابق العلوي ليتوظء ويؤدي صلاة الفجر - قضاء - مستغفراً ربه طوال هرولته على الدرج. ثم ينزل متباطئاً بعد بضعة دقائق ويجلس على الكنبة والقرآن بيده، ويبدأ بترتيله:

بوسبحة، يتحمحم أولاً ثم يستهل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، يس، والقرآن الحكيم، إنك لمن .....
أنا، أقاطعه بعفوية وهدوء: عفواً بوسبحة، تحب تشرب قهوة مع الترتيل؟
بوسبحة، يرفع رأسه ويقطب جبينه: لا، شكراً ... بس قهوة مع الترتيل؟ إتق الله ياكافر
أنا: بوسبحة، هذا تناقض، شلون كافر وأتق الله؟
بوسبحة: لأن كل شيئ يسبح لله عز وجل لقوله: "وإن من شيئ إلاَ يسبح بحمده"، حتى الكفار، والشيئ الذي يسبح لله فلابد أن يتقي الله. فأنت مسبح بجسمك، إنما ملحد بوعيك.
أنا: أفهم من ذلك أن جسمي مسلم ووعي كافر؟
بوسبحة: نعم، خلايا وذرات جسمك مسلمة تسبح لله حسب الآية المذكورة، إنما وعيك، أو روحك، كافرة.
أنا: بمعنى أن جسمي يروح الجنة ووعي يروح النار؟
بوسبحة: هممم ... لأ، أنت وجسمك تروحون النار، لأنك تجر جسمك بوعيك.
أنا: بس وعيي هو إنتاج مخي، ومخي هو عضو من جسمي، وجسمي مسلم مثل ما تقول، فإذاً وعيي لابد أن يذهب إلى الجنة حتى لو كان كافر، لأن جسمي مسلم مسبح لله، كما تقول. فحسب منطقك، سواء كنت مسلم أو كافر، راح أدخل الجنة في كلتا الحالتين بحكم جسمي الذي ينتج وعيي.
بوسبحة: لأ، لأن وعيك هو إنتاج روحك وليس مخك، فخلايا وذرات مخك مسلمة، إنما روحك منفصلة وتحوي وعيك، وروحك الغير مؤمنة سوف تسحب جسمك المسلم إلى النار.
أنا: وهل عدالة الله تقتضي حرق جسم مسبّح مسلم لأن وعيه، أو روحه، كافرة؟
بوسبحة: نعم، لأن الجسد يحوي الوعي، والوعي يحكم الجسد.
أنا: بوسبحة، تحب أصب لك كم قطرة ويسكي في القهوة على الريق؟ منطقك معكوس وأنت صاحي، يمكن يتعدل وأنت سكران.
بوسبحة: أستغفر الله، أستغفر الله وأتوب إليه ... اللهم لاتؤاخذنا بما يقول السفهاء منا.
أنا، رافعاً يدي إلى السماء ومشيراً بالأخرى إلى بوسبحة: آمين يارب العالمين.

* * * * * * * * * *

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

حقا بوسبحة هذا ظاهرة فريدة و أظن أنه عليك أن تستمتع برفقته فالأمر كان طريفا أكثر منه مقلقا.

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي/عزيزتي غير معرفة/ة ،،

بوسبحة صديق عزيز وصحبته ممتعة (إذا إبتعد عن الخطب الوعظية)، وإختلاف الرأي لايفسد للود قضية.

مع خالص تحياتي

happygenx يقول...

هههههههه

يا سيدي لو عندك بوسبحة واحد , فتعال أرجع للوطن العربي لترى كم "بوسبحات ههه" موجود لدينا , يتحفونا بالخطب و المواعظ و الخرافات الدينية المضحكة و علينا التهليل و التكبير و الأستماع لهم باحترام و موافقتهم دونما نقاش على قولهم.

على الأقل صديقك عندما أفحمته بجوابك بدء بالقول "حسبي الله و نعم الوكيل ..و ألخ " أما هنا فعندما تفحمهم يهبون لقتلك لأنك إن خالفتهم في خرافاتهم تصبح كافر وجب قتلك .

تحية لك على هذا البوست الظريف ^_^

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي happygenx ،،

صحيح، ياليت يتحفنا الدعاة بأسلوب بوسبحة الكوميدي بدل عن الأسلوب التهديدي التقليدي العنيف الذي أشتهر به الكثير من نجومهم الفضائية.

ولايزال بوسبحة رغم شخصيته المضحكة يدفعك إلى الجنون بعلومه الإجترارية ومنطقه الملتوي ...

ومالنا معه إلا الصبر والمهدئات العصبية.

ولك خالص تحياتي