الخميس، 14 يونيو 2012

ثلاث صدمات في ستاربكس

::


وثبت داخلاً ستاربكس قبل كم يوم في لندن لأهرب من سطول المطر التي سكبتها علي ملائكة السماء فجأة، ربما في محاولة فاشلة منها لاغتيالي بإغراقي، إنتقاماً للآلهة على البوستات التي أدونها ضدها.

وبينما كنت واقف في الطابور الطويل المبلل، أنتظر دوري لمقايضة بعض الخردة مع كوب الحليب الحار المخلوط ببودرة اللوبيا المحروقة، والذي دأبت على تجرعه كل يوم، لاأدري لماذا، إلتقطت أذني، عن غير قصد مني للتنصت، بعض الكلمات التي كان يتبادلها شابان، صادف أنهما من الكويت، واقفان أمامي.

قال أحدهما للآخر: "الحقيقة أن نبيل العوضي أبدع، كان روعة"

كنت قد سمعت عن الداعية الكويتي نبيل العوضي من قبل، ولكني لم أسمع له أي محاضرة أو خطبة، أو أي مدح سوى أنه يُغرّد في خطبه وأن لحيته مربعة، إذا اعتبر هذا الوصف مدح. فتملكني الفضول لأعرف أين وجه الإبداع في هذر نبيل العوضي أو تهريفات أي من دعاة الدين الذين يصعب تمييز كلامهم في العادة عن الأصوات الصادرة من أسطوانات مشروخة تدور على بشتختة قديمة.

فأخذت قهوتي حليبي المخلوط ببودرة اللوبيا المحروقة وجلست متعجلاً لأفتح اللابتوب الذي كنت أحمله معي وأكتشف نوعية إبداع الداعية المغرّد ذو اللحية المربعة، آملاً ألاّ يكون إبداعه المقصود في تغريده أو ستايل لحيته.

قضيت نصف ساعة محمي من السيول المتدفقة في الخارج، أتنقل على كنبتي مابين الفيديوكليبات وأستمع لمقاطع متفرقة له هنا وهناك على أمل أن أصادف إحدى إبداعاته التي يتناقلها الناس في طوابير ستاربكس، فلم أجد سوى نفس الصورة المتحركة التي تتألف من نصف وجه، تتدلى من تحته حزمة كثيفة من الشعر الأسود بنفس طول النصف النصف العلوي، تتحرك صعوداً ونزولاً بانسجام وتناغم مع كلامه، وتُزيّن رأسه ستارة حمراء ينسدل طرفيها بجانبي وجهه ... وبس.

أما عن محاور أطروحاته، فستجدون تشكيلة كبيرة منها موجودة وجاهزة بشكل دائم هـنـا، لاإبداع ولابطيخ ولانحن أو هم أو أي أحد آخر يحزنون.

تلاشى فضولي بنفس سرعة إثارته، ولكن ظلت حتات صغيرة منه باقية في رأسي دفعتني لاستكشاف موقعه على التويتر ... وياللصدمة التي واجهتني عندما رأيت عدد المتابعين له هناك:

نصف مليون!

نصف مليون متابع لأقوال إنسان لايوجد لديه مايضيف من أفكار جديدة عما تكرر عبر أجيال امتدت 1400 سنة، وتشبعت منه عقول الناس لتكراره الببغائي عليهم في البيت والمسجد والتلفزيون والمدرسة منذ ولادتهم. نصف مليون كائن بشري أدمن عقله على التكرار وفمه على الإجترار. والمجتمع الذي يحوي هذه الأعداد من المدمنين على هذا النوع من المخدرات هو مجتمع F***ed up تماماً.

أخذت جرعة ضخمة من حليب بودرة اللوبيا المحروقة لتوقظني من الصدمة، ثم تملكت أعصابي وجنحت إلى موقع الداعية السعودي محمد العريفي لأرى درجة حجم وباء البلادة الذهنية والخمول الفكري الذي يتغلغل في المجتمع العربي، فأتت الصدمة الثانية:

مليون وثمانمئة ألف متابع!! 

سكبت النصف الباقي من الكوب في جوفي دفعة واحدة، ونقرت على موقع المنظمة الأوربية للأبحاث النووية، سيرن، والتي تشرف على أبحاث المصادم الهادروني الكبير لهدف مقارنة عدد المتابعين هناك بعدد متابعين هؤلاء الدعاة، فإذا بي أواجه الصدمة الثالثة:

خمسمئة وثمانية وأربعون ألف ... فقط، من مجموع متكلمي اللغة الإنجليزية في العالم، الذين يعدون بالمليارات!!!

لكي تتضح الصورة، ليس أن عدد المهتمين بالثقافة العلمية التي توفرها لهم آخر أخبار إكتشافات منظمة سيرن هو بالحجم الصغير بالضرورة، فنصف مليون متابع هو عدد كبير بجميع المقاييس، إنما المدهش هو أن عدد المتأثرين بموزعي الخرافة الدينية ومتابعيهم هو حجم هائل كنسبة من عدد المتكلمين باللغة العربية البالغ حوالي 400 مليون فقط، مقارنة مع متكلمي اللغة الإنجليزية المستخدمة في الهيئات العلمية لنشر أخبارها، والتي كما قلت يعدون بالمليارات.

لم أكن لأصاب بالدهشة لو كان أمثال نبيل العوضي أو محمد العريفي وغيرهم من الدعاة يقدم خرافات وخرابيط جديدة، فهذه ربما لها طعم آخر يسيل لها لعاب البعض، ولكن المستغرب هو أن جميع الدعاة المسلمون، بدون إستثناء، يقدمون نفس العلف العفن ليتناوله متابعيهم بكل شهية وحماس.

إنما نفوذ الدعاة ماهو إلاّ ظاهرة مؤقتة من ضمن مكونات موجة التدين التي تجتاح العالم الإسلامي حالياً، وستنحسر مع تراجع مدها بلا شك. وسوف أتناول هذا الموضوع في بوست قريب ... إن شاء الوقت وسمح المزاج.

* * * * * * * * * *
  

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

لو كنت مكانك يا سيد بصيص لقلت لذلك الشاب اتق الله الإبداع حرام حرام في السلام وكل بدعة ضلالة بلا بلا بلا،
الإسلام قد وأد الإبداع منذ زمان وفسح المجال للإجترار وتمجيد الأسلاف ٠الغريب ان أمثال هذا الشخص يسمونهم علماء،هل هم جادون أم يمزحون؟ يريدون أن نصدق أنه عندنا علماء ،نحن عدنا مهرجون فقط يتوفرون على ملكة الحفظ والإستضهار ، والإجترار على مسامع من غيبوا عقولهم وما اكثرهم ، فالحمد للات ومنات فقد صار عندنا نجوم الفضائيات الدينية مثل ما هو موجود عند الكفار ، فقد استحوذوا حتى على ا للقب الجامعي دكتور وقرنوه باللقب البدوي الشيخ حتى لا يتهموا بالإنسلاخ والتغريب... هؤلاء هم علماؤنا المجترون للعنعة والقلقلة ، اللهم أسألك أن تلوي لسانهم في حلوقهم وتصيبهم باللقوة آآآمييين وإن لم تستطع فاستعن بالله أو أي إله آخر
...................
عابر سبيل

basees@bloggspot.com يقول...

أخي الكريم عابر سبيل ،،

"لو كنت مكانك يا سيد بصيص لقلت لذلك الشاب اتق الله الإبداع حرام حرام ..."

تطلب الموقف ذاك اليوم أن أتركهم في ضلالهم يعمهون، لكي أتناول قهوتي بدون صداع.

خالص تحياتي