الاثنين، 18 يونيو 2012

ثمن التخلي عن الإيمان بربي

::


من عادتي بعد الإستيقاظ من النوم في الصباح الباكر، أن أظل أحياناً جالساً في فراشي، سانداً ظهري على مخدتي لعدة دقائق، أستجمع فيها أفكاري لمواجهة أمور يومي. وخلال هذه الدقائق القليلة، في سكون الفجر وجمود الحياة من حولي في تلك البرهة، تتجلى أمامي دائماً حتمية مصيري ومصير البشر، بحقيقتها القاسية العارية.

فمن أصعب المهام التي تواجه كل من يُخرج نفسه من أوهام الغيبيات ويكشف كذب مزاعمها، هو ليس بكيفية التعامل مع أهله ومحيطه فقط، بل مع وعيه الجديد، والصادم، وبالخصوص إدراكه بحتمية فنائه. وبالرغم من أني شخصياً قد أدركت هذه الحقيقة الصعبة منذ عدة سنوات واستسلمت لها، إلا أنه لايبدو لي بأني سأستطيع أن أتكيف معها بحيث أنها لن تعد تؤرقني. بل ربما سيحدث العكس، أنها ستزداد شدة مع التقدم في السن والدنو من الموت.

ومايزيد حدة هذا الإحساس عندي، هو إدراكي بمدى قصر الحياة في سياق أزلية الكون، بماضيه ومستقبله (حسب المعارف العلمية الحاضرة). فحياتي وحياة من حولي، ماهي إلاّ ومضة خاطفة في غياهب الوجود اللامتناهي، وامتداد عدمه، حين يأتي. ومايُسكن قليلاً روع هذا الشعور القابض، هو معرفة أن جزء منّا سيظل حياً في ذاكرة من عرفونا، بخير أو بشر. ولكن حتى هذا الجزء الأثيري سيفنى، مهما طال بقائه، مع فناء الحياة، والمادة بعدها حين يأتي دورها. وبعد ذلك، لن يبقى لي ولباقي البشر والحياة أو هذا الوجود أي أثر. فالوجود ذاته سيصبح كما لو لم يتواجد.

وليس إدراك الفناء المحتوم، له ولما حوله، هو القلق الوحيد الذي ينتاب كل من يتخلى عن الإيمان بما يعتقد بأنه ربه، أكان ذلك هو الله أو الثالوث أو يهوه أو بارابراهمان أو رووغ أو أي إله آخر من آلاف الألهة التي تعبد اليوم. بل أن التخلي عن تلك القوة العظيمة، القادرة الحكيمة، العالمة الرحيمة، التي تلبي الطلب، وتشفي المرض، وتُبعد الشرور، وتحفظ الإنسان، وتحميه وتراعيه، يجعلني أشعر بالوحدة والعجز واليأس مراراً كثيرة، وأتمنى لو كان هناك فعلاً قوى موجودة كهذه تأخذ بيدي لتقومني على رجلي حين أتهاوى تحت ضغوط الحياة وأعبائها. 

فأسأل نفسي أحياناً: هل كان الأفضل لي، أن أظل على إيماني بوجود إله، لكي أبعد عني هموم الحقيقة وثقل أعباء اكتشافها؟ هل كان الأفضل لي بأن أظل مؤمناً بصديق لي في الدنيا وخلود في الآخرة، وحتى لو كان هذا وهم لاأدركه؟

أحاول أن أجيب على تلك التساؤلات بكل صدق وأمانة مع نفسي، فيأتيني الجواب في كل مرة قاطعاً بتّاراً:

لا

لأن هذا يعني أنني قد عشت عمري القصير، ومت بعده، وظليت فانياً إلى الأبد بدون معرفة حقيقة نفسي وحقيقة وجودي ووجود كل ماهو حولي. وهذا مالا أستطيع قبوله. فمعرفة الحقيقة، مهما اشتدت مرارتها، أهم عندي من العيش والموت في جهل عنها.

هذا يعني أني قد عشت حياتي القصيرة كالمغفل الأحمق، إنطلت علي خرافات وأكاذيب واضحة كوضوح الشمس في عز النهار، وقبلتها بأنها حقائق بنيت حياتي كلها عليها بدون أن أعي لزيفها. وهذا مالا أستطيع قبوله.

هذا يعني أنني قد فقدت حريتي في إدارة عجلة حياتي بنفسي كيفما أرى الأصلح لها، وسلمتها لغيري ليوجهها على كيفه. وهذا مالا أستطيع قبوله.

هذا يعني أنني قد أضعت حياتي القصيرة في طقوس وعبادات فارغة، ومنعت نفسي من ملذات وفرص كانت لتثري حياتي وحياة من حولي. وهذا مالا أستطيع قبوله. 

لست سعيد بمعرفة الحقيقة، ولكني أفضل كشفها على جهلي بها.

* * * * * * * * * *

هناك 10 تعليقات:

غير معرف يقول...

كفو يا شنب

غير معرف يقول...

كلامك مؤثر، تراودني نفس الخواطر، وأصل إلى أنني قد اكتشفت الحقيقة وأن علي التحمل والاستمرار والمثابرة في هذه الحياة القصيرة، بل إن اكتشافي لهذه الحقيقة في منتصف عمري، علمني أن لا أضيع حياتي كما كنت أفعل، مقابل التعويض الإلهي المطلق، والذي لم يكن إلا فكرة غامضة وباهتة.

على كل حال فالسعادة لا تتحدد بإيمان الشخص بإله من عدمه.

فأغلب البشرية عاشت بدون الآله الإبراهيمية والسامية التي بلورت ملذات العالم العلوي.

ولكن عزيزي بصيص، لعل صدمتنا نحن كمؤمنين سابقين بأحد الأديان الإبراهية وخاصة الإسلام بقوته على تطويع أتباعه، هي التي تجعلنا نفكر أكثر.

تحياتي لك :)

غير معرف يقول...

المفروض عند التخلي عن الإيمان بالرب هو الإحساس بالطمأنينة، ولس كما تقول الإدراك بحتمية الفناء ،لأن المؤمن يكون خائفا على الدوام من مراقب يكتب زلاته ، و يهدده بالباربكيو العظيم
القلق الذي ينتابك بين الفينة والأخرى هل سببه الخوف من المحاسبة بعد الموت أم أنك تخاف من النهاية فقط ؟ لا تعذب نفسك بالتفكير،ولا تفلسفها كثيرا ،عش حياتك بدون أفكار سوداء
هل انت اتكالي لهذه الدرجة حتى تنتضر من قوة خارقة أن تستجيب لطلباتك ، كنت اتوقع ان تقول انك سعيد بمعرفة الحقيقة ومرتاح نفسيا، ربما هذا التردد راجع لكونك كنت مؤمنا ومتدين ممارس
انا شخصيا لا تراودني هذه الأفكار لاني ولدت كافرا بالفطرة رغم أن كل ماكان حولي ينطق بالإسلام وطقوسه

...........

عابر سبيل

غير معرف يقول...

بالصدفة كان ردي مع الأخ عابر سبيل متشابه، وأظنه مصيب أكثر مني من واقع تجربته.

شخصيا كنت مؤمنا صادقا جدا، ولو لم أتلوث بترهات الإيمان لما شعرت بنفس هذه الصدمة، والتي أستفيق منها من نحو العام.

شكرا لكما.

عبدالعزيز يقول...

كلامك جميل جدا يابصيص وصدقني نتشارك مثل هذه الاحاسيس
لولا اننا نفكر ونتدبر لما تركنا الاديان
عابر سبيل
انت فهمت بصيص غلط
بصيص ليس اتكالي انا يتكلم بمشاعره الصادقه التي تراود الجميع عبر سبيل الحياة حلوه وكل انسان يتمنى الخلود والتمتع الي الابد وهذا ما يجعل الدين يحكم الناس
تصور الجنه وملذاتها لو كانت حقيقه من منا لايتمناها؟؟؟؟؟؟
انت نفسك تتمناها
الدين والايمان فيه تعزيه لنفس وهذا ما جعله قوي رغم وضوح اخطاءه
لولا حب الحياة والتمتع وحب الخلود لما كان لهذه الاديان السحر الشديد ع البشر الي درجة انهم لايشاهدون اخطائها الواضحه
صدق بصيص في كل كلمه كتبها
تصور انك تريد شي ولاتستطيع ان تصل اليه الا تتمنى ان يكون هناك رب سوف يعطيك هذا الشي وزياده؟؟؟؟؟
بالطبع تتمنى ذالك هذه هي النفس البشريه وهذا ما قصده بصيص
بس الواقع المر انه لادين صحيح والحياة ماده والفناء ام محتوم ومفروغ منه
شكرا بصيص

غير معرف يقول...

هذا اكثر من رائع يا بصيص... فى عز وحدتى وجدت شخص لديه نفس الافكار مثلى التى ترواودنى حتى الجزء الاخير الذى قلته... انا احيانا اقول لنفسى انا لست سعيد والذى يعيش فى وهم هو سعيد... ما الذى ساخسرة اذا عشات فى الوهم... فتاتى الاجابه بشكل رائع افخر به ( ولا اعرف من اين يات هذا الفخر ) الاجابه هى : ساعيش حزين..ساعيش متالم.. ولكن فخور باننى اعيش حقيقه وليس خيال .... من اين ياتى هذا .. لا اعرف.. ولكن بدات اتاكد بان طبيعتنا تسير وراء الحقيقه وليس العكس كما كنت ارى سابقا .... للحقيقه فقط ساتجه مهما كانت مؤلمه ومهما كانت صعبه ومستحيله... فهمى فى النهايه حقيقه.

غير معرف يقول...

حياة معاناة.. مهما فعلت ستظل تعاني من حياة...بعد إلحادي كله أفكاري كانت سلبية و كم مرة فكرت في انتحار لأتخلص من معاناة حياة.. لكني وجدت طريقي وهو ترك أسباب معاناة و عيش كراهب بوذي لكن حتى ذلك لا أقدر عليه..لا أقدر أؤمن بخرافات ولا أقدر أنتحر و لا أقدر أعيش كراهب...لأن سعادتي هو معاناة أهلي...ياليت لو لم ألد في بلاد العربان ياليت.......

لوسفير

لسان عربي يقول...

يا جماعة الموضوع بسيط , انت من نفسك و بنفسك تسعد أو تتعس ,

ليكن خاياركم السعادة ستجدوا الطريق ..

بالخلوة , بالصيد , بالخمر , بالسياحة , بالجنس , بالقراءة , بجمع المال , بنشر الإلحاد , بالحشيش , بالأكل , بالرياضة ... الخ

و لا تنسو دائما الحلول الوسط ..

الموضوع بسيط جدا , ستعيش حياة , استمتع بها , أسعد نفسك , وكن حسن الخلق مع غيرك ..

ثم تموت صدفة , او باختيارك في مرحلة تشعر أنك على قدر من هذا اتخاذ هذا الخيار

بسيطييي .. لا تعقدونهييييي (باللهجة الكويتية , بصيص كيف حالك ؟)

basees@bloggspot.com يقول...

شكراً على سؤالك أخي لسان عربي، أنا بخير والحمد للوعي الصحي.

في اللهجة الكويتية "بسيطة" و"لاتعقدونها" تنطق مفتوحة، إذا كسرتهيييي هكذا تتحول إلى اللهجة اللبنانية.

مع خالص تحياتي لك ولجميع الأخوة والأخوات المشاركين

لسان عربي يقول...

بكل محبة , يا سيد بصيص

هي كالآتي :

بسيطي .. بفتح الطاء و تسكين الياء

و أقصد هنا اللهجة الحظرية (الحضرية)

و هي من اللهجات العربية الجميلة على امتداد الأقاليم الناطقة بالعربية...