الاثنين، 10 سبتمبر 2012

لاخوف من وقوع السقف

::
 
 
تعالوا لنقلص الكون حتى نبني في أذهاننا صورة أوضح يسهل تخيلها لأحجام الأجسام الفلكية فيه، من مجرات ونجوم وكواكب، مقارنة بالمسافات التي تفصلها عن بضعها.
 
لو كانت الكرة الأرضية بحجم التيلة التي بيد الأطفال (في الصورة)، لكانت الشمس بحجم كرة قطرها متر ونصف، ولكانت المسافة التي تفصل بينهما 150 متر (أي طول ملعب كرة القدم بمرة ونصف). ركزوا جيداً على هذه الفكرة وحاولوا تخيل هذه الأبعاد بمقارنتها بمسافات أخرى مألوفة لديكم قبل متابعة القراءة. 
 
ولكان كوكب المريخ بنصف حجم التيلة، ويبعد عن الأرض بما بين 54 و 400 متر (يعتمد على موقعه في مداره). ولكان كوكب المشتري (أكبر كوكب موجود في المجموعة الشمسية) بحجم الجريبفروت أو البرتقالة الكبيرة، ويبعد عن الأرض بمسافة تترواح مابين 630 إلى 920 متر، أي مايقارب الكيلومتر. وهكذا دواليك لباقي كواكب المجموعة الشمسية التي تبعد عن الأرض بمسافات تتزايد تدريجياً لكل كوكب، تدور كلها في قرص حول الشمس.

ولايوجد في هذه المساحات الشاسعة بين الشمس والكواكب والأقمار التابعة لها، وبين المجموعة الشمسية ككل والنجوم الأخرى (والتي أقربها لنا هو نجم ألفا سنتوري الذي يبعد عنا بحوالي 40000 كيومتر بهذه المقاييس المصغرة) سوى فراغ يحيط بها من جميع الجهات.  
 
أما بُعد المجرات الأخرى عنا، فلو كانت بنفس هذه النسبة المصغرة، فسوف تكون أقرب مجرة منا خارج درب التبانة هي مجرة أندروميدا، وسيكون قطرها أكثر من 2000 كيلومتر، وستبعد عن مجرتنا درب التبانة بأكثر من 23 مليار كيلومتر. وباقي مجرات الكون سوف تكون أبعد عنا بمسافات مذهلة أكبر من ذلك بكثير من الصعب تخيلها.

أرجو أن تكون الصورة لحقيقة الكون بأجسامه ومسافاته قد وضحت أكثر في أذهانكم، وللنظر الآن إلى هذه الآية:
 
ويمسك السماء أن تقع على الأرض (الحج - 65)
 
أي إنسان اتضحت له الصورة الفلكية الحقيقية الموضحة أعلاه، لابد أن يدرك أن هذه الأية قد تجاوزت مستوى الخطأ ودخلت في نطاق اللامعنى. أي أن وصفها بأنها خاطئة لايكفي، بل لايوجد لها حتى معنى في سياق ما نعرفه عن الكون اليوم.
 
فبالنظر إلى نسبة حجم الأجسام المحيطة بالكرة الأرضية مع المسافات التي تفصلها والفراغ الفسيح الهائل الذي يغمرها كلها، كما رأينا أعلاه، فالكلام عن وقوع سماء على الأرض هو كلام خالي من المعنى بتاتاً، لايمكن ربطه بشيئ ذو معنى فلكي. فما هو هذا الجسم الفضائي المسمى بالسماء الذي سيقع على الأرض لولا قبضة الله له رأفة بنا؟ تعالوا لندرس الإحتمالات الموجودة: 

لايوجد حول الأرض سوى الشمس والكواكب وبعض المذنبات والنيازك، فإن كانت الآية تقصدها، فليس هناك أي احتمال بسقوط أو ارتطام كوكب بكوكب آخر أو بالشمس. أما المذنبات والنيازك فهذه تسقط على الأرض بشكل متواصل منذ نشأتها. فهل هو إذاً وقوع نجم آخر على رؤوسنا من خارج المجموعة الشمسية؟ ربما هو نجم ألفا سنتوري، أقرب نجم لنا. ولكن لايوجد أيضاً أي احتمال في ارتطام هذا النجم بالأرض فقد رأيتم مدى بعده السحيق عنا، و النجوم الأخرى في مجرتنا أبعد عنا بكثير من هذا النجم. وحيث أن "وقوع" جسم على جسم آخر يتطلب جاذبية، فلا يوجد نجم آخر يدور حول الشمس بفعل جاذبيتها (والتي بالمناسبة تضعف بنسبة ضعفي المسافة كلما بعدت عنها) حتى يكون هناك ارتطام بينهما.
 
ولكن ربما الآية تقصد ارتطام المجرات المتناثرة عبر الكون بنا، ولكن هذا احتمال غير وارد أيضاً، لأن المجرات في الغالب تتباعد عن بعضها بفعل تأثير الطاقة المظلمة. إنما هناك بعض المجرات المجاورة لنا والتي سوف تتكتل مع مجرتنا في المستقبل البعيد بفعل الجاذبية، والتي أقربها لنا هي مجرة أندروميدا التي سوف تندمج مع مجرتنا بعد أربعة مليار سنة. ولكن إن كانت الآية، والتي نزلت قبل بضعة قرون، تقصد هذا الحدث، فقد أخطأت. لأن أندروميدا وباقي المجرات حولنا ليست ممسوكة، بل فالتة من قبضة جميع الآلهة وتدنو منا منذ ملايين السنين. 
 
إذاً في سياق ما نعرفه عن الكون اليوم، فهذه الآية تخلو من أي معنى. ولكن من جانب آخر، فهذه الآية تمتلأ وتفيض بالمعنى لأي إنسان يقف في وسط الصحراء في وقت "نزولها" قبل 1400 سنة، وينظر إلى السماء الزرقاء في الأيام الصافية ليرى قبة أو سقف مصقول أملس يمتد فوقه من الأفق إلى الأفق بدون أي أعمدة ترفعه، فمن الطبيعي في غياب المعلومات التي نعرفها اليوم، أنه سيظن بأن مايراه هو بناء سقفي معلق وممسوك بدعائم لايراها. وهذه الرؤية تعكسها آيات أخرى أيضاً: 
 
وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتنا معرضون (الأنبياء - 32)
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها (الرعد - 2)
 
فمن  الواضح أن الآية تشير إلى مانعرفه اليوم بانعكاسات ضوء الشمس في الغلاف الجوي، والذي يخلق خدعة بصرية توحي للناظر على الأرض بأن مايراه فوقه هو بنيان سقفي أزرق. وهذا هو السماء الذي تتكلم عنه الآية، والذي يتكرر عشرات المرات في القرآن. فالآية إذاً تنبض وتفوح بشرية، إذ أنها تعكس أفكار بشر زمانها وجهلهم بعلوم الفيزياء والفلك التي اكتشفت لاحقاً وليس علوم رب خلق الكون ويعرف أبعاده وما يحدث فيه منذ نشأته قبل 17 مليار سنة.  

والقرآن كغيره من الكتب الدينية الأخرى، يطفح من هذه اللامعقوليات. إنما سبب تركيزي في هذا البوست على هذه الآية بالذات وطرح موضوع كامل لها، هو لأنها كانت من ضمن مجموعة من بعض الآيات المحددة التي نبهتني إلى بشرية القرآن خلال فترة تساؤلي التي سبقت تركي للدين. ولذلك فلها مكانة خاصة في قلبي.
 
* * * * * * * * * *
 

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

رائع كالعادة,

عندي إستفسار بسيط, هل في المثال اللي طرحته بينت مسافات الكواب في المجموعة الشمسية حسبتها كأنها في خط مستقيم؟
علما أن الكواكب تدور في مسارات و تتغير مسافتها بالنسبة للأرض مع الوقت

غير معرف يقول...

قرأت الكثير من النقد لهذه الآيات عن السماء، ولكن لم أجد أفضل من مقالك في تفنيدها.

وكنت أتابع ردود المسلمين على ما يسمونه بالشبهات، ولم أجد مسلما واحدا يقترب من تفنيدها إلا بما يطلقون عليه المجاز، وهو ما يتعارض مع آية بلسان مبين، بل ويتعارض مع طريقة تفسير القرآن الصريحة، حتى تحول القرآن إلى نص مجهول لا أحد يعرف معناه أو بالأحرى هو بلا معنى، لأنه يحتوى الشيء وضده، المعنى ولا معناه.

حتى انشق القمر، بعضهم يقول أنه انشق والبعض الآخر يقولون سوف ينشق، وهكذا.

إني لا أرى إلا سجعا للكهان.


------------
لوجيكال

basees@bloggspot.com يقول...

الأخ/ت الكريم/ة غير معرف/ة ،،

بينت في البوست قيم أقرب وأبعد المسافات بين الأرض وكلا المريخ والمشتري حسب موقعهما في مداراتهما. هذه هي القيم المتوفرة التي أفترض أنها خطوط مستقيمة.

وقد أسعدني استحسانك للبوست، ولك خالص تحياتي

*********************

مع وافر الشكر وخالص التحيات للأخ/ت لوجيكال على مشاركته/ا في التعليق

غير معرف يقول...

رد الاستاذ/ة لوجيكال على تعذر المسلمين بالمجاز هو بصراحة أفضل رد قرأته على هذا العذر (عذر المجاز) ، شكرا جزيلا