الاثنين، 4 فبراير 2013

حين تطير الخنازير

::
مالي دولة أفريقية فقيرة، يبلغ عدد سكانها حوالي 15 مليون نسمة، ونسبة المسلمين فيها حوالي 90%. أما دخل الفرد فيها لنصف عدد سكانها فلايتعدى الدولارين باليوم.

حدث انقلاب عسكري هناك في شهر مارس من العام الماضي، انتقلت السيطرة من خلاله إلى تنظيمات إسلامية مسلحة تركزت في الجزء الشمالي منها، ثم أخذت تنتشر في الجنوب لتسيطر على المدن الرئيسية فيها. هذا الوضع دفع الحكومة الفرنسية لأن تقوم بحملة عسكرية الشهر الماضي لاسترجاع الأراضي التي سقطت تحت السيطرة الإسلامية الجديدة، وإعادة تنصيب الحكومة المنفية. وقد نجحت القوات الفرنسية بمساهمة بعض الدول الأفريقية الأخرى في حملتها، واسترجعت قبل بضعة أيام كيدال، آخر مدينة تتحرر من قبضة الثوار الإسلاميين.

خلال مراقبتي لتطور الأوضاع هناك، شدت انتباهي ظاهرة أطرحها هنا كتساؤل:

نسبة المسلمين في مالي كبيرة، ومستوى المعيشة متدني للغاية، إذ يبلغ معدل الدخل اليومي لنصف السكان حوالي 1.25 دولار فقط، بمعنى أن شريحة كبيرة منهم هناك تعيش في فقر مدقع، بالإضافة إلى أن الحكومة المنفية كانت علمانية الصبغة تعكس علمانية الدستور. فعندما يبرز من هذه الأمة المسلمة ثوار مسلمين، يهدفون لتطبيق شرع الله وتفعيل أوامره، ونشر العدل والمساواة بينهم حسب تعاليمه وإرشاداته، ألا نتوقع من هؤلاء السكان تقديم العون والسند لأخوانهم الثوار المسلمين في مقاومة الغزاة المشركين؟

فلماذا يفر السكان إذاً من المناطق التي تقع في قبضة الإسلاميين، إخوانهم في الدين، ويستقبلوا بالتهليل والرقص والتصفيق، ورفع رايات العدو، الأعلام الفرنسية، عند وصول أعداء الله بجنودهم وأسلحتهم لقتل إخوانهم وأطفاء ثورتهم؟
 
 
لأنهم لا يريدون شريعة السماء البدائية، ولا يرغبون في تطبيق أحكامها الوحشية، بل يفرون من بيوتهم كلما طرقت هذه الشريعة "الغراء" أبوابهم، رغم أنهم مسلمون يعيشون في مجتمع يدين بالإسلام منذ تسعة قرون. فشدة فقرهم وكثرة حاجتهم وتدني مستوى التعليم والثقافة بينهم لم يمنعهم كل هذا من إدراك مخاطر بناء مجتمعهم، وإن كان فقير وبسيط، على منظومة قديمة وعنيفة وجامدة، ذاقوا مايكفي من طعمها الحقيقي عندما هيمنت عليهم لمجرد بضعة شهور، وبدأوا أتباعها والمنادين بها بتطبيقها عليهم في تلك الفترة القصيرة.
 
سكان مالي كانوا في وضع يؤهلهم من تقييم ما تذوقوه من أساليب النظام السماوي في معاملة البشر، والذي فرضه عليهم أخوانهم في الدين، لأنهم عاصروا بديل قبله، النظام المدني العلماني السابق الذي أسقطه الثوار، فلم يستحسنوا أطباق العدالة السماوية الجديدة التي فرضت عليهم بأسعارها الفاحشة التي تكلفهم أفدح الخسائر: ضياع أيديهم وأرجلهم ورؤوسهم، وحرياتهم وفرديتهم وإنسانيتهم. وتزرع في قلوبهم أسوء الغلل والمحاصيل: بذور الحقد والعداوة والبغضاء ضد كل من خالفهم.
 

لا أتصور لوهلة، أن هناك شعب في وقتنا هذا، يختار بمحض إرادته الحرة تبني وتطبيق منهج للحياة، أدق وصف له أنه رفات من محنطات العصور الغابرة. منظومة لا تملك آلية سياسية محددة وواضحة لإدارة شؤون دولة حديثة، ولا آلية محددة وواضحة لإدارة إقتصادها، وليس لها نموذج حديث ناجح يمكن الإقتداء به. بل بالعكس، جميع المنظمات السياسية التي وصلت إلى السلطة واختارت أن تسير على أي نمط من المنهج الإسلامي، لم تستمر وتبقى إلاّ باستخدام شتى أساليب القمع والعنف والإرهاب على مواطنيها.

الثيوقراطية ماتت وتحللت وانتهى دورها، إنما حالة الحلم السومبنابيوبيلي المزمن الذي يعيشه البعض، تدفعهم  لمحاولة رفع عظامها وما تبقى من رفاتها بالعصي ليجلسوها على الكرسي، غير مدركين أن روائحها النتنة التي لاتزعج من تعود على العيش بين قمامات الماضي مثلهم، تثير غثيان باقي العالم من حولهم وتدفعهم للتدخل لإزالتها وإعادتها إلى مكانها المناسب: تحت التراب. 

فرغم  حصول الإسلاميين على كمية كبيرة ونوعية متقدمة من العداد والسلاح المكتسب من ليبيا خلال الثورة، ورغم سيطرتهم التامة على أغلب المدن الرئيسية وجزء هائل من المنطقة، لم تواجه القوات الفرنسية وحلفائها من الدول الأفريقية المجاورة، الذين لا يتعدى عددهم الإجمالي عن 4000، أي مقاومة خلال المراحل الأخيرة من حملة التحرير. فجند الله على الأرض وحماة عقيدته ، فضلوا الهروب كالجرذان من الكفار ليحتموا منهم في مغارات وكهوف الجبال ...

وتتكبد السماء هزيمة أخرى أمام قوة وبئس أعدائها على الأرض، فمتى يأتي نصر الله وتسود رسالتها على هذه الحصوة التائهة في الكون؟

يأتي حين تطير فيها الخنازير when pigs fly (كما يقال في المثل الإنجليزي للتعبير عن إستحالة تحقيق الهدف المنشود).
 
* * * * * * * * * *
 

هناك 5 تعليقات:

Rhazi Abdellah يقول...

أتفق معك. قد تكون بعض احكام الشرع غير مواتية في هذا العصر, لكن لا تقرن قِدم النصوص بعدم كفاءتها(النصوص القانونية في هذه الحالة). كُتِب الدستور الأمريكي سنة 1787 و لا تزال حتى الان كل بنوده تطبق بالحرف(كالبند الثاني في حق حمل السلاح, الدي في نظري يؤدى إلى وحشية أكثر من قطع اليد)

غير معرف يقول...

الأخ بلو :)

القانون الأمريكي القديم في حق حمل السلاح ليس مقدسا، وقد ناقشه الأمريكيون كثيرا، ولكنهم بالأغلبية لا يريدون التخلي عن هذا القانون.

وعندما ناقشوه لم يتصدى لهم (عريفوه السعودية) بالاتهام بالكفر ومعاداة شرع الله، وبالتالي الاستعداد للعنف.

الشرائع الدينية وخاصة الإسلام، لا تقبل النقاش بطبيعتها، وهذه هي المشكلة التي يعيشها المسلمون مع وحشية ورداءة شرائعهم.

------
لوجيكال

حائر يقول...

اتفق معك اخي بصيص, ولكن للأسف الشديد, هناك شعوب تختار بارادتها الشريعة والحكم الإسلامي ولنا في "الثورات العربية" خير دليل. للأسف الدين قد نجح في غسل العقول العربية. قوة الدين تكمن في عدم قابليته للمسألة والتحليل والنقاش. فأي محاولة لفعل ذلك هي "حرام" وانت تعترض على "الحكمة الإلهية". رغم كل الأدلة والأمثلة الحية على فشل هذه الإنظمة إلا انهم ما زالوا يصرون. المسلمون هم الشعوب الوحيدة التي تتمنى الرجوع الى الخلف والأزمنة الغابرة.ولكن لماذا؟ يريدون ليحكموا العالم ليفعلوا ماذا بالضبط؟ للأسف, لا أرى تغييرا لهذا الوضع ربما لألف سنة قادمة. أخيرا أود ان اشكرك اخي بصبص على مجهودك في كتابة هذه المقالات, من الجميل ان نرى ان العقل ما زال حيا.

غير معرف يقول...

تحية أخ بصيص

في الوقت الذي يتنافس فيه العالم في سبر الفضاء والإكتشافات والإختراعات وكيفية رقي الإنسان للأفضل ، نرى في المقابل جحافل الإرهاب الديني المتخلف التي إبتليت بها الدول الفقيرة من أبو سياف الى بوكو حرام وأذناب القاعدة الإرهابية في كل مكان والذين يستغلون الفقر ولا غير الفقر ، فالبؤس التي اتت بها الأديان بشكل عام والإسلام بشكل خاص أدت الى تنافر الناس من هذا الدين المزعج الأرعن والتي تكاد لا تخلو قناة إخبارية إلا وذكرت إرهاب إسلامي هناك أو إجرام بحق إنسان أو طفل كما حدثت للطفلة المسكينة والتي أغتصبت وقتلت من قبل والدها الداعية ( حفظه اللة ) وهو خبر مخزي تتناقله وسائط الإعلام ليروا حقيقة هذا الدين الذي كله رحمة وبراءة الطفولة :

http://www.dailymail.co.uk/news/article-2273171/Fayhan-al-Ghamdi-raped-tortured-daughter-5-death-escapes-light-sentence.html#axzz2JyLsKo7j

أعتقد مآساة مالي بدأت تنقشع نوعاً ما بفضل جيوش الكفر الفرنسي والتي لولاها لما تنفست دولة مالي المسكينة الصعداء ، الإحباط أنواع منهم من يستسلم ويرضخ لها ومنهم من يبذل قصارى الجهود ليخرج منها وهذا ما فعلت دولة مالي فهي أختارت أن لا تصاب بمرض الجمود كما في بلداننا بل أختارت رفس هؤلاء القتلة أعداء الحياة وأن كانت دولة فقيرة .

voyager 1 على أعتاب الخروج من المجموعة الشمسية وأحتمال أنها خرجت الآن متمنياً أن تخصص موضوعاً لذلك :

http://www.space.com/19440-voyager-spacecraft-solar-system-interview.html

وشكراً

مع التقدير

غير معرف يقول...

تحية أخ بصيص

( لقد بعثت بتعليق قبل ساعات وأحتمال أنها أرسلت سهواً ولا بأس في أرسالها مرة ثانية مع بعض الإضافات هذا أن لم يكن لديك مانع أخ بصيص )


في الوقت الذي يتنافس فيه العالم في سبر الفضاء والإكتشافات والإختراعات وكيفية رقي الإنسان للأفضل ، نرى في المقابل جحافل الإرهاب الديني المتخلف التي إبتليت بها الدول الفقيرة من أبو سياف الى بوكو حرام وأذناب القاعدة الإرهابية في كل مكان والذين يستغلون الفقر ولا غير الفقر ، فالبؤس الذي اتت بها الأديان بشكل عام والإسلام بشكل خاص أدت الى تنافر الناس من هذا الدين المزعج الأرعن والتي تكاد لا تخلو قناة إخبارية إلا وذكرت إرهاب إسلامي هناك أو إجرام بحق إنسان أو طفل كما حدثت للطفلة المسكينة والتي أغتصبت وقتلت من قبل والدها الداعية ( حفظه اللة ) وهو خبر مخزي تتناقله وسائط الإعلام ليروا حقيقة هذا الدين الذي كله رحمة وبراءة الطفولة :

http://www.dailymail.co.uk/news/article-2273171/Fayhan-al-Ghamdi-raped-tortured-daughter-5-death-escapes-light-sentence.html#axzz2JyLsKo7j

أعتقد مآساة مالي بدأت تنقشع نوعاً ما بفضل جيوش الكفر الفرنسي والتي لولاها لما تنفست دولة مالي المسكينة الصعداء ، الإحباط أنواع منهم من يستسلم ويرضخ لها ومنهم من يبذل قصارى الجهود ليخرج منها وهذا ما فعلت دولة مالي فهي أختارت أن لا تصاب بمرض الجمود كما في بلداننا بل أختارت رفس هؤلاء القتلة أعداء الحياة وأن كانت دولة فقيرة .

الإنسان بطبعه يحب الحرية ولا يحب العبودية والولاء ، فالدين الإسلامي المتقشف الفكر لا يرقى الإنسان لأي شيء سوى لعاهات يراها الشخص ببساطة في مجتمعاتنا ، فما فعله أحرار دولة مالي بأستدعائهم لفرنسا هو عين الصواب ويثبت أن الفكر الهش الذي يدعوا لتصفية الآخر لا يمكن أن يصمد حتى في أكثر الدول فقراً ، فهنيئاً للة المزعوم ومرتزقته هذه الضربة .


1 voyagerعلى أعتاب الخروج من المجموعة الشمسية وأحتمال أنها خرجت الآن متمنياً أن تخصص موضوعاً لذلك :


http://www.space.com/19440-voyager-spacecraft-solar-system-interview.html

وشكرا

مع التقدير