الخميس، 24 مارس 2011

على تعليق مالك

::

الأخ القارئ العزيز مالك الأسلمي كتب تعليق على موضوع هذا البوست الذي يتطرق إلى ظاهرة الإلحاد التي تدخل في الوقت الحاضر طور إنتعاش وتوسع لاسيما في المجتمعات الإسلامية، يدفعها بلا شك تراكم الإستكشافات العلمية وسهولة انتشارها، بالخصوص في شبكة الإنترنت، شعرت بأن تعليقه عليها يتضمن نقاط تستحق فتح بوست جديد للرد عليها. وهذه هي النقاط الهامة من تعليقه لونتها بالأزرق تتخللها ردوي التي لونتها بالأحمر:

جوارحنا محدودة القدرات، عين النسر ترصد أفضل من عيوننا، أذن الخفاش ترصد أفضل من آذاننا، القطط قبل قدوم العاصفة تتحكك في أعمدة الشوارع، هناك بعض الحيوانات ترى مخلوقات لا نستطيع مشاهدتها كالجن والملائكة ويظهر هذا الأمر عليها في هيئة سلوك معيَّن.

كيف عرفت أن بعض الحيوانات ترى جن وملائكة؟

هذا إعتقاد يحتوي على عدة إفتراضات:
أن هناك جن وملائكة
وأنها تتواجد بيننا
وأننا لانشاهدها إنما بعض الحيوانات تشاهدها

هذه إفتراضات لايسندها أي دليل علمي بتاتاً ولكنك أدرجتها بالرغم من ذلك وكأنها حقيقة بديهية مسلمة ... كيف؟ إلى ماذا استندت؟ 

إستندت إلى التراث، لأن التراث قال ذلك، وكل مايقوله التراث، بصرف النظر عن لامعقوليته ولامنطقيته وهزالته ومخالفته للتجربة والمشاهدة فهو مقبول ومقنع عند الكثير من البشر ... طالما أضيفت عليه قدسية، أي قدسية، من أي ملة كانت، إسلامية أو غيرها.

لا تفهم أنّي أقصد أن تعطّل إعمال العقل بما في يديك من أدلَّة لكن بنفس الوقت لا تغتر بما تملكه من أدلة لأنها وإن كثرت تبقى ناقصة ولن تعطيك إجابة عادلة تستطيع أن تقول عنها حقيقة.

عندما أواجه معتقد يقول بأن هناك مخلوقات من حولي تسمى جن وملائكة وأني لاأراها بل يراها الديك والحمار، فهناك خياران لدي حيال هذا المعتقد:

أن أقبل هذا المعتقد كحقيقة بدون أي تمحيص، وقبولي هذا سوف يعطل إعمال العقل نهائياً لأنه لن يستند إلاّ لأقوال ومزاعم منقولة عبر العصور، تفتقر إلى أي عقلانية ومنطق وتتضارب مع جميع القوانين الطبيعية. أو أني أستند إلى الأدلة ... مهما كانت ناقصة. فالخيار الثاني إذاً يزودني بآلية تمكني من التحقق والفحص والتمحيص، أما الخيار الأول فلايزدوني بأي وسيلة للتحقق بتاتاً بل يعتمد كلياً على أيمان مكتسب في العادة بالتلقين المدعم بالترغيب والترهيب، وتأثير المحيط الذي يصيغ التوجه الفكري المشترك لأفراده.

فآلية ناقصة أحتكم إليها أفضل من قناعة متناقلة أعتنقها.

أنت بالإعتماد على عقلك وما ترصده لك جوارحك من أدلة عاجز عن الإجابة الكاملة عن الأسئلة الكبرى، وقد تقضي عمرك في سؤال واحد ولا تنتهي إلى اعتقاد جازم.

إذا لم أعتمد على عقلي في الإجابة على "الأسئلة الكبرى"، أو أي سؤال آخر، فعلى ماذا أعتمد؟
على تراث يقول لي بأن الديك يرى الملائكة فيصيح والحمار يرى الشيطان فينهق؟
بدون تزويدي بأي سبب لماذا الديك والحمار وليس البطة والخروف مثلاً؟
وبدون تزويدي بأي دليل يثبت لي صحة هذا المزعم؟
ويفرض علي قبوله ... هكذا؟ لالسبب سوى أنه "مقدس"؟

هناك أسألة كثيرة لايستطيع العلم أو أي منهج آخر للبحث توفير إجابة لها، ولكن بالرغم من هذا التقصير فالعلم قد وفر لنا أجابات لم يحلم أي إنسان في السابق من الحصول عليها: فنحن اليوم نعرف حجم الكرة الأرضية ومكوناتها، وحجم الشمس ودرجة حرارتها، ووزن الذرة وتركيبتها، ومكونات الخلية وطريقة عملها، ومسبب الأمراض وطريقة علاجها ... واللائحة تطول، بينما التراث - المقدس - لم يقدم لنا أي معلومة جديدة ... أي معلومة جديدة مفيدة لم تكن معروفة للبشر في وقتها.  

فعدم القدرة على الإجابة الكاملة لجميع الأسئلة باستخدام العقل والمنهج التجريبي لايبرر الرجوع إلى تراث لم يثبت ولم يجب على أي استفسار - خارج ماكان معروف في وقتها.

الإلحاد "موضة قديمة"، بيئة نشأته تشبه بيئة نشأة "فكر التكفير" المتطرِّف، مجرَّد ردَّة فعل (في الغالب عاطفيَّة) على تصرفات خاطئة لرجال الدين السياسيين (علماء السلطان).

الإلحاد ليس موضة، كما يزعم الداعية محمد العوضي وغيره، بل هو مجرد موقف فكري بسيط يرفض الإيمان بإله في  غياب الدليل. وهو موقف فكري كتب عنه الكثير من الفلاسفة والمفكرين عبر القرون، وليس له تاريخ أو ظروف محددة بزغ فيها.

على الأقل اكتب بكامل ما تعتقده دون إلزام نفسك بمسمى محدد لأنك شخص "تفكَّر" وقد تصل بعد 5 سنوات لقناعات تختلف عما أنت مقتنع به اليوم، قد أجدك عابداً لإبليس وتقول بأنه ابليس لم يسجد لآدم تحقيقاً للتوحيد الخالص، وقد أجدك موحِّداً لله وحده وتقول بأن الفطرة التي نعتقد بها أننا بشرٌ ناقصين هو دليل على وجود كمال نقارن نفسنا به دون وعي حاضر منّا.

لم ألزم ولاألزم نفسي بشيئ محدد سوى مايمليه علي عقلي وماتشير إليه الدلائل العلمية، وقد أصل غداً أو بعد خمس سنوات إلى قناعات أخرى، فتفكيري ليس مغلق، إنما مفتوح لقبول المستجدات مهما كانت صعبة التصديق، ولكن ثق أن هذا الإنفتاح والإستعداد لتغيير قناعاتي لن يخرج عن نطاق هاتين الوسيلتين، العقل والدلائل العلمية، في فهم العالم من حولي.

تعامل مع الموروث من مبدأ تفريغ سلَّة التفاح وإعادة ترتيب التفاح فيها مع التخلص من التفاح الفاسد لا تتعامل معها من مبدأ نسف السلة من "عرجها"، لأن النسف باختصار يضيعك.

لم أجد في الموروث شيئ لم يمدني العلم بأفضل منه.

* * * * * * * * * *


هناك 8 تعليقات:

غير معرف يقول...

احسنت وبالتوفيق

مع فائق الاحترام

yamanmax يقول...

يا بصيص عليك بسؤاله عن عدد الكواكب المنظومة الشمسية فإن أجاب بـ 8 يكون قد انكر الحقيقة الدينية التي تقول ان عددها 11 وإن قال عدددها 11 فعليه ان يثبت ذلك بالحجة لا ان ينتظر علماء الفلك اثبات ذلك ساعتها من الممكن ان نرضخ للأساطير الدينية لكن ان انتظر اربعة عشرة قرن لإختراع المصباح ثم اقول هذا معروف لدينا ومكتوب في كتبنا فهذا استخفاف في العقول .
أتمنى من القائمين على الدين التوجه للعمل الفعال والتوقف عن القيام بدور الحكواتي

M يقول...

أشكُر لك أخي الكريم عنايتك بالرد، نحن هنا نفرش بضاعة أفكارنا قد تعجبني فكرةٌ منك وقد يعجبك شيء مما أطرحه.

ردُّك المؤدَّب المتَّزن أشعرني بأننا نمشي على طريق متوازٍ، ولسنا في طريقين متضادين.

الشَّك طلباً لليقين ظاهرة صحيَّة، الشك وسيلة لغاية اليقين، الشك بحد ذاته ليش هدفاً ولا مطلباً.

عندما أشاهد هذه الصورة (http://onlyfunnyjokes.com/bestoftheweb/wp-uploads/earth_planets_size_comparison.jpg) وأرى الفرق بين حجم كوكب الأرض وأكبر كواكب المجرة وأرى الفرق بين كوكبنا وشمسنا وأعلم أن شمسنا ماهي إلا نجم صغير مقارنة بنجوم تكاد تكون لا متناهية في عددها في مجرتنا، وأعلم أن مجرتنا درب التبانة هي واحدة من عدد قد يكون لا متناهي من المجرات، هنا أنا أقف لحظة تأمُّل وأسأل نفسي من أنا كي أحكم على كل شيء في الكون؟! من أنا كي ألزم نفسي أن أفسر كل صغيرةٍ في الوجود، وأقرر ماذا يوجد في نهاية الكون؟ هل لدي القدرة على ذلك في الوقت الذي لا أستطيع بسبب قدراتي المحدودة على رصد الأدلة على إجابة سؤال هل توجد حياة على جيراننا من الكواكب.

ماذا لو ولدتَ في غرفةٍ صغيرة معزولة مصمتة الجدران في كل يوم تجد بها طعامك وشرابك، كبرت فيها حتى وصلت لمرحلة نضج بها عقلك الذي وُلد ساذجاً وتطور من خلال طرح التساؤلات المشتقة من البيئة التي تعيش بها ومحاولة إيجاد إجابات لتلك التساؤلات. تخيَّل أنّ عقلك قد وصل لدرجة من التطور بدأ عندها في سؤال ماذا يوجد خارج هذه الغرفة؟! هل ستجيب؟! هل تمرَّس عقلك المحبوس داخل جدران أسمنتيَّة شديدة على معطيات تمكِّنُه من الإجابة على هذا السؤال؟!

العقل مبجَّل لكنه قاصر، قد تقسوا أنت على نفسك وتعتمد عليه كلياً، أما أنا فأُعمله في حدود ما يمكن لجوارحي أن تحيط به علما، وفي حدود ما يمكن رصده. قد يقول البعض أن الكون يدور حول الأرض لكنّي أرفض هذا القول وأعتقد في أن الأرض تدور حول الشمس، لأن الدليل المرصود أكد ذلك.

طيِّب، هل الله موجود؟ الله أكبر من قدرتنا على التفسير، وهو خارج إطار ما يمكن أن نعيه، أنا أحتاج لمعجزة للإجابة عن هذا السؤال، أحتاج لمعجزة تجتاز حاجز الزمان والمكان، ليس لدي مفر إلا الإيمان بمعجزة لأني عقلي لا يقدر بالإعتماد على نفسه أن يستنتج وجود الله من عدمه.

هل يملك العقل أن يتعقَّل المعجزة؟! لا، لذلك سيبقى الإضطراب حبيس عقل عابد العقل المجرَّد إلى الأبد.

rawndy يقول...

مصيبتنا أننا نرجع كل شيء للعتيق والموتى

مادام ورد الجني والعفريت وإبليس بالقرآن/القرعان فهم إذا موجودين؟؟

طيب لماذا لا يؤمنون بالسعلوة التي وردت عند امرؤ القيس وخاصة وشعره موثق واقدم من رسول العربان؟؟

بنت سعودية قالت: أنها دخلت لمعبد بوذي باندنوسيا ودرايش المعبد مغلقة وكل المعبد رسوم وصور وبوسطه ديك يصيح هل يعني هذا وجود الملائكة بالمعبد يا شيوخ الإسلام؟؟؟

ديك يرى الملائكة بالاشعة فوق الحمراء وحمار يرى العفاريت بالاشعة تحت الحمراء و.. هل هذا علم أم تهريج؟؟

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي/عزيزتي غير معرف/ة ،،

شكراً على مرورك وعلى كلماتك اللطيفة.

تقبل تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي/عزيزتي yamanmax ،،

وصلت الرسالة، وشكراً على مرورك وتفاعلك مع الموضوع.

لك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي مالك الأسلمي ،،

لي عودة إلى تعليقك.

ولك تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

هلا بالعزيز حميد ،،

لم أعرف أن السعالوة مذكورين عند أمريئ القيس، كنت أظن أنهم إختراع خليجي حديث. ولكن من الممكن إعتبارهم كفصيلة من المخلوقات النارية الماورئية التي يرتعب منها الصغير والكبير على حد سواء في مجتمعاتنا ... بالرغم من عدم تجسدها لأحد منذ أن ذكرها شاعرنا الكبير قبل 1500 سنة.

ياليت يصيدون سعلو واحد بس ويحطونه بقفص، علشان نشوفه ونقتنع.

لك تحياتي