الجمعة، 11 مارس 2011

إنجازات تضر الإيمان

::

عندما سأُل كريغ فنتر (صورته أعلاه) خلال ندوة علمية أجريت مؤخراً بحضور بعض أشهر العلماء عماإذا كان من الممكن في المستقبل خلق كائنات حية من الجماد، أجاب فوراً وبدون أي تردد بكلمة واحدة:

نـعـم

طبعاً لو صدر هذا الرد من أي شخص آخر لرفعت حواجب كثيرة إستغراباً ولتعالت همهمة الشكوك بين العلماء المشاركين وأفراد الجمهور الحاضرين. ولكن صدوره من هذا العالم بالذات ربما يثير تساؤل واهتمام ولكن ليس دهشة أو إستغراب، وقد أثار في الواقع ضحكاً عالياً من الحضور لشدة الثقة في نبرة رده. ولاغرابة من ذلك، لأن كريغ فنتر قد أحيا من موت وخلق من جماد ... already.

إنما الأسلوب الذي اتبعه في تلك الإنجازات والذي تناولته مبسطاً في بوستات سابقة هـنـا وهـنـا قد تم بواسطة إستخدام وسيط بايولوجي، أي من خلال خلايا أخرى، فبالرغم من أن هذه العملية لاتزال تعتبر في جوهرها خلق من الجماد، إلاّ أن البعض، وبالخصوص الأطراف الدينية، إحتجت عليها بالوسيط المستخدم، كونه مواد عضوية مخلوقة أصلاً، لترفض قبول أن إنجاز كريغ هو خلق جمادي في أساسه.

ولكن عندما يصرح عالم له ثقل في المجتمع العلمي كثقل كريغ فنتر وإنجاز كإنجازاته بأنه قادر على إحياء الجماد، فهذا لايعني إلاّ شيئاً واحداً:

أنه سيحقق ذلك ... و"المسألة مسألة وقت فقط" (كلماته).

وهو ليس الوحيد بالمناسبة الذي يسعى إلى تحقيق تلك المهمة، فغيره الكثير من المختبرات الأخرى تقوم بتجارب مماثلة. جاك شوستاك من جامعة هارفرد الأمريكية على سبيل المثال يعتبر أحد أنبغ علماء الأحياء وحائز على جائزة نوبل في الفسلجة لعام 2009، يقوم بتجارب حالياً في غاية الإثارة - أرى شخصياً أنها أهم بكثير في طبيعتها وهدفها من تجارب كريغ فنتر - تتركز على معرفة ماحدث على الكرة الأرضية قبل حوالي أربعة بليون (مليار) سنة عندما نشأت الحياة تلقائياً من الجماد، وهو أيضاً في الطريق إلى خلق الحياة.

ولكن هناك فرق هام بين طبيعة أبحاثه وتلك التي يقوم بها كريغ فنتر، وهو أن جاك شوستاك لم يبدأ تجاربه مع خلايا عضوية حية كما فعل كريغ إنما بدأ مع الجزيئات والمركبات العضوية التي تتركب منها الخلايا وهذه مركبات كيميائية غير حية ومتواجدة في كل مكان في الكون، فعندما يحقق شوستاك الحياة لن يتوفر لمعترض أي حجة ولن يكون هناك أي مجال للشك في أنه قد خلق من الصفر. وقد أجاب هو أيضاً على سؤال طرح عليه مؤخراً عن مدى تقدم أبحاثه بقوله:

"نحن قريبين جداً" ... ويقصد أنه يقترب جداً من تحقيق هذا الإنجاز.

وهذا هو الإنجاز لاشك، سواء صدر من مختبرات كريغ فنتر أو جاك شوستاك أو غيرهما الكثيرون من العلماء الأخرون، الذي سوف يكون أكثر تدميراً للمعتقدات الموروثة عندما يتحقق. فكيف يمكن نفي إمكانية الخلق بواسطة إدخال مركبات كيميائية غير حية في جهاز ألكتروني وإخراجها من الطرف الآخر كائنات تنبض بكل شروط الحياة؟

وهذا من علم الأحياء فقط، إنما هناك إنجاز آخر في الطريق لايقل عنه ضراوة في تدمير تلك المعتقدات وإن لم يبدو ذلك للوهلة الأولى، قادم من علم آخر: علم الفيزياء، وهو الحصول على نظرية موحدة وشاملة تجمع بين النظرية النسبية والنظرية الكوانتية، لتقدم لنا تفسيراً ضمن إطار شهودي أو تجريبي علمي قابل للفحص والتمحيص والتأكيد عن كيفية نشأة الكون نفسه. وهناك نظرية مرشحة لهذا المنصب إسمها:

نظرية-إم  M-theory

إذ أن معرفة كيفية نشأة الكون، بواسطة إكتشاف ماهية العوامل والقوى الطبيعية التي تولد المادة والطاقة وتنتج القوانين التي تتحكم بهذا الكون الذي نعيش فيه وأي أكوان أخرى قد تكون متواجدة حولنا، سوف تنفي بالضرورة الحاجة إلى وجود خالق ...

وهذا إستنتاج يصعب وصف هول وقعه على نفسية المؤمن حين يكون مثبت ومدعم بالخرسانة العلمية. والتصريحات بهذه الإحتمالية، أي عدم الحاجة إلى خالق، والمدعمة بالعلم قد بدأت في الصدور العلني، بدأ بها أحد أنبغ وأشهر علماء الفيزياء المعاصرين: ستيفن هوكنج عندما صرح في كتابه الأخير: "التصميم العظيم"  The Grand Design  الآتي:

"الخلق التلقائي [أي الذاتي] هو السبب في وجود شيئ وليس لاشيئ، وهو سبب وجود الكون وسبب وجودنا ... ولاتوجد حاجة لاستدعاء خالق لإثارة وتحريك الكون".

هذا إستنتاج في الواقع لايوجد عليه إجماع في المجتمع العلمي، ليس لأن المخالفين يؤمنون بوجود إله، إنما بسبب أن نظرية-إم نفسها لايوجد عليها إجماع. فالإختلاف علمي وليس ثيولوجي. ولكن هناك آلية في متناول العلماء يأملوا أن يؤكدوا من خلالها صحة أو خطأ النظرية، أو ربما إكتشاف نظرية أخرى تحل محلها. هذه الآلية هي آلة في الحقيقة، تسمى بـ المصادم الهادروني الكبير  LHC  وقد تطرقت إليه في عدة بوستات سابقة تجدونها هـنـا وهـنـا وهـنـا وهـنـا.

والغاية هو التوصل إلى فهم متكامل للعوامل والقوى الطبيعية التي أدت إلى نشأة الكون، وهذا هدف يجلس على قمة السلم المعرفي الفيزيائي، فمتى ماتوصلنا إلى تلك الدرجة من الفهم، بأي نظرية كانت، فسوف تكون نتائجها سلبية وهائلة على الفلسفات والمعتقدات والقناعات التي توارثها البشر بخصوص الوجود وموضعنا منه.

الكثير يفرح حين يقرأ الإحصائيات التي تشير إلى إزدياد في عدد المنتمين إلى ديانة أو مذهب معين، وبالخصوص الدراسات التي تشير إلى زيادة في عدد المسلمين والناتج بالمناسبة عن إرتفاع معدل الولادة في المجتمعات الإسلامية وليس إعتناق الأديان الأخرى له، ولكني شخصياً أشعر، وتسندني في ذلك الشعور دراسات أخرى، بأن تلك الزيادة مؤقتة ... لاماحالة. لأن الإكشتافات العلمية والتقدم المعرفي لا تؤكد النصوص المقدسة بل تناقضها، وسوف يتفاقم هذا التضارب مابين العلم والدين مع تقدم الوقت. 

ولايوجد هناك أخطر من العلم التجريبي بصلابته واكتشافاته على العقيدة الدينية ... لايوجد بتاتاَ. فالعلم هو عدو الدين وليس صديقه ولو لم يكن كذلك لما منعت نظرية التطور وكذبت وحوربت من قبل المسجد والكنيسة على حد سواء، ولايزال يمنع تدريسها في أغلب المؤسسات الثقافية في البلاد العربية بالذات وتحارب إلى اليوم بشراسة حتى في أمريكا بالرغم من رسوخها كحقيقة مسلم بها في المجتمعات العلمية والأكاديمية ... لماذا؟ مالذي يخافون منه؟ 

يخافون من النظرية، وهي نتاج علمي بحت تمثل أبهر وأسمى إنجازاته، لأنها ببساطة تناقض مايرد في النصوص المقدسة وتزيل كتبعة لذلك تلك القدسية عنها، فتخيلوا ماذا ستكون ردود فعل المؤمن حين يخرج عليهم كريغ فنتر أو جاك شوستاك أو غيرهما على القنوات الفضائية وشاشات الكمبيوتر، وهذه مسألة وقت فقط، وبأيدهم مخلوقات حية خلقوها من حجر؟

أو أن يخرج عالم فيزيائي آخر من المصادم الهادروني الكبير ليؤكد لنا أنهم قد أكدوا نظرية-أم وبناء عليه فإن تصريح ستيفن هوكنج بخصوص عدم الحاجة إلى خالق هو تصريح سليم؟

هل هناك مجال للشك بأن تقدم العلم يعني بالضرورة إنحسار مد الأديان؟

لايوجد لدي شك، فالإنحسار الأكبر الأول للمد الديني قد بدأ في أوروبا في العصر التنويري في القرن السابع عشر، بدأه ربما إسحاق نيوتن بنشره "المبادئ الرياضية" لنظريته عن الجاذبية أو ربما غاليليو قبله في نفس القرن بتأكيده في كتابه "حوار عن النظامين الرئيسيين للعالم" لاكتشاف نيكولاس كوبيرنيكس الذي ناقض زعم الكتاب المقدس بأن الشمس تدور حول الأرض، وثلاثتهم علماء.  

والبشرية اليوم في القرن الواحد والعشرون تقف على عتبة عصر تنويري جديد كاسح، لايعتمد في نشر أفكاره واكشافاته على كتب لايستطيع إقتنائها إلاّ الأثرياء كما كان الحال في العصور الغابرة، بل يتغلغل تأثيره في كل بيت وكوخ وخيمة بفضل القنوات الفضائية والإنترنت ويبشر ببداية إنحسار كبير آخر للمد الديني الحديث قد يجف نهائياً هذه المرة من على سطح الأرض، يبدأه ربما كريغ فنتر أو جاك شوستاك، والإثنان أيضاً علماء ...

أو ربما عشرات الآلاف من العلماء الآخرون، فعدد العلماء اليوم يفوق بآلاف المرات عدد العلماء في القرن السابع عشر. 


(مصطلح "العلماء" المقصود في هذه المقالة هو ماينسب للمنظومة المعرفية التي تستند على المنهج الشهودي التجريبي في البحث والتقصي  Science  لتفسير الظواهر)

* * * * * * * * * *

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

لا أعتقد أن هذا سيضر الربوبيين.....
حتى إن توصلنا لخلق كائنات جديدة ليس فقط مجهرية بل متعددة الخلايا كالحيوانات التي نراها اليوم فهذا لن يؤثر على الربوبيين...و في اعتقادي أنه لن يؤثر على أصحاب الديانات السماوية أيضا...فسيقولون أن هذا دليل آخر بأن الحياة لا تتشكل إلا بصانع و,و,و...
كل ما سيفعلونه هو نسيان تحديهم السابق "بعدم قدرتنا على خلق الحياة" و تحويله إلى إلى نصر زائف.

تحياتي ...ملحد من الجزائر

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي ملحد من الجزائر ،،

هناك علاقة عكسية قوية تدعمها الكثير من الدراسات الإستفتائية تربط مابين الدين والتقدم العلمي. إذ كلما ارتفع مستى الثقافة والمعرفة العلمية كلما أنخفض مستوى الإيمان بالدين. وخلال العقود الماضية بالذات كانت هناك قفزات كبيرة في الإستكشافات والإنجازات العلمية صاحبها إزدياد مضطرد في التوجهات العلمانية اللادينية في المجمتعات المتحضرة، لاسيما الأوروبية. وحتى في المجتمع الأمريكي الذي يرتفع مستوى التدين فيه فقد ازدادت نسبة اللامتدينيين فيه من 9% إلى 18% خلال العشرين سنة الماضية فقط.

المسألة ياعزيزي مسألة وقت فقط. وهذه مقالة كتبتها من قبل تتناول هذه الدراسات.

http://basees.blogspot.com/2008/04/blog-post.html

لك تحياتي

غير معرف يقول...

الاخلاق نؤمن بالاخلاق الدين لايمنع المفسدين والفساد انما الاخلاق تمنع هذا لذلك ايماننا هوبالاخلاق وليس بالدين والمتديينين وخصوصا العلماء منهم المفتيين

غير معرف يقول...

الحمدلله على سلامتك رحلة جميلة بالفعل والصور تعكس ذلك لي عودة لقراءة باقي الموضوع

Unknown يقول...

الاستنساخ البشري نعمة من الرب للتخلص من الامراض والشيخوخة