::
عندما تمعنت في هذه الصورة بعدما رأيتها لأول مرة، سرحت بفكري إلى أجواء الفضاء الخارجي، وحاولت أن أتخيل نفسي واقفاً على سطح هذا القمر المقفر الموحش البعيد ... فتسرب شيئ من القشعريرة في جسدي.
هذه صورة لـ مايمَس Mimas، أحد أقمار كوكب زحل، وهو يحوم في الفضاء، خلف إحدى الأقراص الصخرية العائمة حول ذلك الكوكب. لدينا طبعاً قمرنا الخلاّب المنير يحوم قربنا، ولأننا تعودنا على رؤيته، أصبح جزءً من الطبيعة التي نبتهج بها ونتغنى بجمالها، ففقد بتلك الألفة والخلبة حقيقته المقفرة العدائية الباردة. إنما مايمَس فهو صخرة غريبة لم نراها من قبل. هو جسم كوني عاري من أثواب الرومانسية والتغني والإعجاب. هو صخرة تكشف قسوة الكون وعدائيته بكل أشكالها، في بعده ووحدته وبرودته وإشعاعاته القاتلة وفراغه من الهواء. وفي كل مرة أنظر إليه يمر بذهني هذا التساؤل:
"في أبعاد الفضاء الفارغ الموحش البارد توجد صخرة كبيرة مكورة، نحتت أنداب سطحها زيارات أحجار شاردة إمتدت ملايين السنين. هي صخرة، ليس لها هدف محدد أو منفعة أو ضرر. هي مجرد صخرة ضخمة غير هامة، لاتفعل شيئ يبرر وجودها سوى الإمتثال لقوانين جامدة تسيّرها وتتحكم في مصيرها ...
فلماذا يتواجد مايمَس هناك؟
وغيره المليارات من الأجسام الكونية الأخرى المرمية على طول الكون وعرضه؟"
لالسبب ... لالسبب إطلاقاً. إذ ليس لتلك الأجسام أي غرض أو هدف، فقد تواجدت وفقاً لقوانين طبيعية عمياء خرساء صماء، لاتهتم بها أو بنا، أو حتى تدرك وجودها أو وجودنا، هي تسير وفقاً لما تفرضه طبيعة وخصائص المادة التي تكونها ... لاأكثر من ذلك ولاأقل.
هذا مايكشفه لنا العلم، وأقصد بالعلم هو العلم التجريبي الرياضي المنتج، وليس علم اللاهوت القديم المحرج الذي يعتقد بأن لتلك الأجسام الكونية المذهلة في الحجم والطبيعة والعدد سبب وهدف، والهدف هو لإضائة دروبنا وشوارعنا على الأرض!
مئات المليارات من النجوم العملاقة الملتهبة، في مئات المليارات من المجرات الشاسعة، تنتشر في كون قطره 93 مليار سنة ضوئية ... الهدف منها ماذا؟
إضائة شوارعنا!!!
هذا هو جواب اللاهوت، فهل من المستغرب أننا نرفضه، بل لاتستطيع عقولنا قبوله؟
هذا هو جواب اللاهوت، فهل من المستغرب أننا نرفضه، بل لاتستطيع عقولنا قبوله؟
القمر مايمَس هو النقطة البيضاء الموجودة في الزاوية السفلية اليسرى تحت أقراص زحل في الصورة
(إضغط على الصور لتكبيرها)
(إضغط على الصور لتكبيرها)
* * * * * * * * * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق