::
عندما صرح قريبي أبوناصر في بداية الصيف بأنه سيذبح خروفين إحتفالاً بإنتهاء إبنه من دراساته الطبية ورجوعه إلى الكويت، لم أجد في هذه الممارسة المذبحية مايدعو للإستغراب، كونها عادة تراثية مألوفة لاتزال تمارس في الكثير من المجتمعات الشرق أوسطية.
ولكن ماأدهشني هو إكتشافي بأن ذلك القربان الدموي التبريكي، الفارغ من العقلانية والفائدة، كان بواعز من ناصر، الأبن نفسه! أوعزه طبيب يتوقع منه بحكم إختصاصه أيقاف سيل الدماء لاإراقتها ... ذلك الخرّيج الجامعي المثقف الذي قضى مايقارب نصف عمره في الخارج ينهل أرقى العلوم من أرفع صروحها.
ولكن جذور التقاليد والعادة، مهما اشتدت قسوتها وهزلت حجتها، يصعب إقتلاعها من عقول الناس عندما تزرع في رؤوسهم وتنموا منذ الصغر، وشراء بركات السماء بعملة الدماء لهي أبشع الطقوس وأقساها، فهي صفقة تجارية فاسدة، عديمة الإنسانية وكاسدة النتيجة.
إنما ذبح الخراف أو الدجاج لدرء غضب الآلة أو كسب بركاتها أهون وقعه بكثير على النفوس والضمائر من ذبح البشر ... الذي لاتزال تمارس قرابينه إلى يومنا هذا!!! ليس كرموز ناتجة عن عمليات عسكرية أو حملات أرهابية، بل كطقوس تطبيقية حتمتها معتقدات دينية خرافية.
من ضمن الطقوس التي كان متبعة في حضارة الآزتك (من القرن 14 إلى 16 في المكسيك)، تقديم القرابين البشرية لآلهتم، وكان أبشعها إستخدام الأطفال في هذه المراسيم. فعندما تصاب المنطقة بجفاف، يقدم الكهان الأطفال كقرابين لإله المطر المسمى بـ تلالوك ، فيقوم الكاهن بإبكاء عدد من الأطفال، تتراواح أعمارهم في العادة مابين الخامسة والسادسة، لاستدرار دموعهم كرمز على هطول الماء قبل أن يمددوا على منصة الذبح لتحز رقابهم إسترضاءً للآلهة وإستجداءً للأمطار.
هذه المعتقدات البدائية المنتهكة لأعز حق للبشرية، حق البقاء على قيد الحياة، لاتزال تعتنق وتمارس إلى اليوم في أوغندا بأفريقيا، يدفعها الطمع والجشع ويغذيها مزيج مدمر من الجهل والخرافة. فقد نشر موقع البي بي سي الأسبوع الماضي تقريراً مروعاً يتناول مشكلة تنتشر في القرى والمناطق الريفية المحيطة بكمبالا، عاصمة أوغندا، يقول بأن الخوف والهلع يجتاحا السكان هناك بسبب العثور على عدد كبير من جثث مقطعة للأطفال الذين تم إختطافهم من ساحات اللعب والمدارس بهدف إستخدامهم في طقوس قربانية، يعتقد ممارسيها بأنها تجلب لهم الصحة والغنى والحظ السعيد.
ومما يثيرالإستغراب، بجانب الشعور بالغضب والغثيان، هو أن الفئة المجرمة وراء هذه الطقوس الوحشية الشنيعة هي الطبقة الغنية! هم أفراد من الشريحة السكانية الثرية التي تنعم بأكبر قدر من التعليم والثقافة والإمتياز. هي الطبقة التي لاتعاني من عوز أو حاجة تدفعها إلى الجريمة. إنما من الواضح أن الثقافة والإحتكاكات الحضارية وحدها لاتكفي لأن تكوّن درعاً حصيناُ ضد قوى الأسطورة والخرافة، التي لاتزال تهيمن على عقلية الكثير في المجتمعات البشرية.
الحقيقة أنني في حيرة لتفسير أسباب لجوء أفراد يتمتعون بأوفر قدر من الخدمات والإمتيازات التي يوفرها المجتمع، إلى ذبح الأطفال لتعزيز تلك المكاسب! والتفسير الوحيد الذي أستطيع التوصل إليه هو مدى قوة ونفوذ المعتقد، أي معتقد، إذا أستحكم في المجتمع، بصرف النظر عن مخالفته لأبسط القيم والأخلاقيات البشرية الفطرية. وهذا يشمل الكثير من معتقداتنا نحن ...
وإن لم تكن ببشاعة قتل الأطفال، فهي لاتزال بشعة.
* في الصورة أعلاه، الطفل ألان من أوغندا نجى بعد تعرضه لمحاولة قتل شرسة كقربان.
* * * * * * * * * *
هناك 4 تعليقات:
يا هلا بأخي بسيس
:)
التعبير عن الفرح بإراقة دماء الحيوان مؤلم بالنسبة لك ولغيرك ممن يحملون القلب الرقيق ولكن من عمل ذلك عمله وفق معتقداته التي تسمح له بهذا العمل وفق شروط معينة تضمن عدم تعريض الحيوان للألم والتعذيب
والحال نفسه بالنسبة لمن يقدمون الأطفال كقرابين رغم إعتراضي عليه لعدم إنسانسيته وإزهاق روح آدميه لا ذنب لها إلا أنهم يعملون ذلك وفقا لمعتقداتهم ولا يرون في ذلك أي خطا
أوافقك الرأي والشعور تجاة ما يعفل للأطفال وقناعتهم بخطأ افعالهم هي ما تجعلهم يتوقفون عنه
ودمت بخير
اهلا بالاخ بصيص
اسمح لي هالمرة اخالفك الراي ,, الرجل و ولده ما ذبحوا الخروف بهدف ذبح خروف فل ستوب,, لا هما اما راح ياكلونه او يوزعونه على الفقراء أو أحد بياكله و يستفيد منه,, مثل ما جميع البشر سواء مؤمنين او غير مؤمنين ياكلون اللحم ,, طبعا ما عدا النباتيين,, فأشوف ان هالمرة مقارنتك بين الموضوعين ما كانت موفقة
و تقبل مروري :)
عزيزتي المهندسة ،،
ياهلا بيك مجدداً أختي الغالية.
إعتراضي ليس نابع عن رقة قلب، ولو أني أرى أن قتل الحيوان لإشباع الإنسان يوجد فيه إشكال أخلاقي، إنما أساس إعتراضي هو القناعة الموروثة الغير مبررة والتي تربط إراقة الدماء بحلول الخير والبركة وإبعاد الشر عن ممارسها ...
سند هذه القناعة هو الخرافة، وهذا مايجب مكافحته، وهذا هو جوهر الطرح.
والخرافة هي السبب الذي لايزال يدفع بعض الأفراد لإرتكاب هذه الجرائم البشعة بحق الأطفال في أوغندا.
ولك خالص تحياتي
عزيزي/عزيزتي غير معرف/ة ،،
ردي على تعليقك هو نفس ردي على الأخت الكريمة أعلاه، إعتراضي ليس على ذبح الحيوان بحد ذاته، إنما الهدف من ذبحه. فإن كان لهدف التغذية أو التوزيع، فلامانع لدي (مع التحفظ)، أما إن كان لهدف عقائدي كالحصول على تبريكات الآلهة أو درء غضبها، فهذا ماأعارضه:
أولاً لعدم وجود أي برهان يثبت بأن هذه الممارسة مجدية.
وثانياً، والأهم من ذلك، هو أن إراقة الدماء إستجداءً للسماء هي ممارسة تنافي القيم الأخلاقية في عصرنا هذا.
ولك خالص تحياتي
إرسال تعليق