الاثنين، 4 أبريل 2011

الكرة الأرضية .. بطاطسية

::
 بعدما بدأت فكرة الإنفجار الكبير الذي انطلق منه الكون تتبلور كنظرية وتحصل على دعم متزايد من العلماء في ساحة الأبحاث الفيزيائية الكونية في النصف الأول من القرن الماضي، أعلن البابا الكاثوليكي بايوس الثاني عشر في تصريح رسمي له عام 1951 بأن نظرية الإنفجار الكبير، والتي تصف ظهور المادة وتواجد الإشعاعات، قد شهدت بصحة  Fiat Lux   - أي أنها قد تطابقت، حسب تفسيره، مع الآية الواردة في سفر التكوين من الإنجيل والتي تصف بدأ الخلق بقولها: "فليكن هناك نور"، إشارة للإشعاعات الكونية في تلك الحقبة المبكرة لنشأة الكون.

وبذلك التصريح ربط البابا حصيلة العلوم التجريبية مع أقوال النصوص الثيولوجية ... وهذا الربط للنصوص المقدسة مع المنهجية العلمية وإستنتاجاتها لم يعجب أبداً جورج لومتر  Georges lemaitre، القسيس البلجيكي الكاثوليكي والعالم الفلكي النابغة، مؤسس تلك النظرية الذي استنبطها من خلال أبحاثه العلمية المبكرة عن كيفية ظهور المادة، وجسدها فيما بعد بمفهوم الإنفجار الكبير الذي تناوله في كتاب له نشره عام 1927.

فلماذا عارض القسيس لومتر أقوال سيده ممثل الله على الأرض البابا بايوس بشدة ونفى أي علاقة بين قصة الخلق التوراتية (وضمناً القرآنية أيضاً لتشابه الإثنان) والإستدلالات العلمية الفلكية، بالرغم من أن مافعله البابا هو مجرد توثيق لنصوص الكتاب المقدس بالعلم؟ أليس هذا مايفعله الدعاة دوماً؟

لأن لومتر كان يدرك مالايدركه الكثيرمن المؤمنين، حتى البابا "المعصوم" نفسه، وهو خطورة تعريض العقيدة الدينية للتمحيص العلمي بربط الإستدلالات العلمية الحديثة بنصوص قديمة كتبها بشر كان يعرف عنهم ويعترف، بالرغم من منصبه كرجل دين، بأنهم لم يتجاوزوا في معلوماتهم علوم أزمنتهم. وهذه الخطورة لاتنحصر على التوراة والإنجيل فحسب بل تمتد إلى القرآن أيضاً والذي بدوره لاتتعدى معلوماته علوم البشر في زمانه.

هناك آيتان في القرآن تصفا شكل الأرض يستخدمهما دعاة الإعجاز في كل فرصة لدعم ألوهية القرآن، غير مدركين أو ربما حتى غير عابيئين بخطور مثل هذا الربط على مصداقية كتاب يمثل أساس لعقيدة يؤمن بها الملايين، ولو حصروه ككتاب للعبادات والأحكام فقط لكان أسلم للعقيدة من أن يعرضوه لمشرط التمحيص العلمي ... لأن هذه هي النتيجة:

الآيتان هما:

الأولى: "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" (الزمر - 5). وهذه هي الآية التي يستخدمها دعاة الإعجاز كدليل على كروية الأرض في القرآن. أي أن إستخدام كلمة "تكوير" تثبت، حسب أقوالهم، أن القرآن يشبه الأرض بالكرة. والآية الثانية: "والأرض بعد ذلك دحاها" (النازعات - 30). وهذه كدليل على شكلها البيضاوي كونها  Oblate spheroid  (لاتوجد ترجمة عربية للمصطلح) ويعني أنها كروية مفلطحة عند القطبين. وبالرغم من أن الشكل البيضاوي الذي يزعم الإعجازيون أن الآية تشير إليه بحد ذاته غير صحيح لبعده عن شكل الأرض، إنما سوف نعتبره مقبول جدلاً لأنه لن يغير من هدف الموضوع.

فإذاً حسب زعم الإعجازيون فشكل الأرض كروي بيضاوي ثابت في نصوص القرآن!

ولكن ماذا سيفعل الإعجازيون الآن بعد أن أتى غوس ليثبت لنا أن كلا الوصفين غير دقيق. وغوس  GOCE  هذا هو ساتالايت أوروبي مزود بأحدث الأجهزة الألكترونية أطلق في مدار حول الأرض قبل سنتين لقياس حقل الجاذبية الأرضية ومدى تأثيرها على الكرة الأرضية ككتلة.

وغوس قد أنتج لنا صورة رائعة عن الشكل الحقيقي لما كان يسمى بالكرة الأرضية والذي أتضح الآن حسب المعلومات التي وفرها لنا ذلك القمر الصناعي أنه ليس بكروي وقطعاً ليس ببيضاوي بل بطاطسي في حقيقته، أي يشبه البطاطس التي ليس لها شكل منتظم.

فعلى الإعجازيون الآن البحث عن كلمات في النصوص المقدسة تشير إلى بطاطسية شكل الأرض، وهذه مهمة ستكون مستحيلة لأي مفسر ذو ضمير حي وصادق لعدم معرفة سكان الجزيرة العربية لهذه الثمرة أو شكلها قبل خروجها من أمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر، ولكني أتصور أنه سيكون بحث سهل لخبراء علم الكذب واللوي والتلفيق المسمى أيضاً بعلم المجاز حيث يحول بواسطته الخشب إلى ذهب والهواء إلى ماء والصخرة إلى صخلة(1)، ولن يمثل تشبيه شكل الأرض الجديد لهم أي مشكلة ... حتى في غياب البطاطس عن النص. 

وأدناه رابط لصورة تبين شكل الأرض الحقيقي كما كشفته أجهزة ساتالايت غوس، والصورة مبالغ فيها لهدف التوضيح. ولكن تأثير الجاذبية على كتلتها يجعل شكلها الحقيقي هكذا:

إضغط هنا

(توجد مسطرة تحت الصورة في المقالة يمكنك تحريكها من اليسار إلى اليمين وبالعكس لتحصل على صورة مجسمة الأبعاد للأرض).

(1)  صخلة = معزة
* * * * * * * * * *

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

مساء الخير
الشكل الظاهر في الصورة هو تشويه للشكل الكروي الذي نراه دائما في الصور الفلكية الملتقطة عبر الاقمار الاصطناعية واعتقد انه يرمز للجاذبية وليس لشيء آخر !! اننا نرى القمر حين اكتماله دائريا ومكتمل الاستدارة فهل هذا خداع بصري أم ماذا ؟ وانا هنا لا اتحدث عن التفاسير الدينية فهذا الامر لايعنيني في شيء لكن لا استطيع تخيل شكل الارض هكذا فقد تكون الارض بيضاويه نعم لكن بصورة جميله !!!

تحياتي لك

basees@bloggspot.com يقول...

يامساء الخيرات عزيزي/عزيزتي غير معرف/ة ،،

كما ذكرت في البوست، أن شكل الأرض في الصورة المنشورة مبالغ فيه لهدف التوضيح. وشكل الأرض للعين المجردة كما ترى من الفضاء الخارجي هو كروي، وشكلها الأدق حسب القياسات السابقة هو كروي مفلطح عند القطبين (ولكن ليس بيضاوي أبداً، فهذا تلفيق الإعجازيون). ولكن قياسات ساتالايت غوس الأخيرة لتأثير الجاذبية عليها أظهر أن شكلها الحقيقي غير منتظم، أي كالبطاطس. وهذا الشكل الغير منتظم ليس رمزي إنما حقيقي كما توضحه الصورة ولكن بشكل أخف بكثير. فالنتوئات والطعوجات المرئية في الصورة هي ليست تضاريس جيولوجية إنما تشويه لشكلها ككتلة، وهذا التشويه يأثر حتى على الماء، فمستوى سطح الماء أعلى بـ حوالي 180 متر في أعلى نتوء منه في أخفض نتوء.

أرجو أن الفكرة قد أتضحت أكثر.

ولك تحياتي

غير معرف يقول...

هذا يعني انه ليس هناك حقائق مجرده

هذا يعني بان كل حكايه تحمل شقين شق مضيء نراه وشق معتم نحن بحاجه للنزول اليه كي نتفقده

هذا يعني بان كل مانعرفه قابلا للتغير بمجرد ان نمط ابصارنا الى ابعد من انوفنا الى ابعد ممانعرف

اليس كذلك

ابو نور يقول...

تحياتي .
الاعجازيين يبنون توهمهم بالاعجاز الديني بان الارض كرة وليست مسطحوة من كلمة دحاها وهي مرتبطة بعش النعامة وبيضة النعامة التي تصنع الانحناء بالعش اي ان الاعجاز هنا قائم على الشكل البيضوي اي ما يعرف هندسيا ب.oval shape وهذا خطا اخر لان شكل الكرة الارضيه هي ليست من قريب او بعيد شكل بيضاوي مثل البيضه ولا هو اهليجيا اي ellipse ايضا وهنا لايبقى امام متوهي الاعجاز اي سبيل فالارض اليوم ليست هذا ولا ذاك الشكل بل هي حسب القمر غوس غير هندسية الشكل ..فسبحان الله الذي لم يتقن شكلا هندسيا وهو يخلق تلك الكرة الارضيه..فتامل .
مودتي وتقديري ابو نور

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي أبو النور ،،

شكراً لك على مرورك وتفاعلك مع الموضوع ..

تقبل خالص تحياتي

Unknown يقول...

لا يمكنكم اعتبار الارض أرض بالنظر إلى جزء دون الآخر .. ماذا عن المياه؟ والغلاف الجوي اللذان يكسيان ويحيطان بحبة البطاطا هذه فتتم الأرض لتشكل كرة..
كما تعرفون فإن العناصر الأثقل في نواة الأرض والأخف هي الغازات التي تشكل الغلاف الجوي .. وخارجه لا يوجد هواء فالغلاف الجوي جزء لا يمكن تجاهله ..كما لا يمن ان نعيش خارجه..فكيف بالمياه!!
الصور كما تلاحظون تعبر عن اليابسة فقط على أنها الأرض ..أما الحقيقة نحن نعيش (في) الأرض في الغلاف الجوي"كما الأسماك في البحار" ولا يمكن القول أننا على الأرض بل على اليابسة وهي اللتي صورتها ناسا. شكرا...