الجمعة، 1 يوليو 2011

عودة إلى آدم

::


هل سمع أحدكم بـ فرانسس كولينز Francis Collins ؟
الأرجح أن القلة القليلة منكم قد سمعت به، ولكن هذا تعريف موجز له على أي حال:

هو طبيب وعالم جينات أمريكي، ذاع صيته بعدما أكتشف الجينات التي تسبب بعض الأمراض الوراثية، وترأّس بعدها المشروع العلمي الإنساني الهائل لفك شفرة الجينوم البشري الذي تم تحقيقه سنة 2003. ويعتبر فرانسس كولينز اليوم أحد أكبر علماء هذا العصر وأشهرهم، وقد عينه براك أوباما عام 2009 رئيس لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية  NIH، والتي تعتبر أحد أكبر وأهم معاهد الأبحاث الطبية في العالم.

الدكتور فرانسس كولينز كما ترون غني عن التعريف كشخصية علمية عموماً وكعالم جينات خصوصاً وسمعته تمتد دولياً، فعندما يدلي هذا العالم بتصريح يرتبط باختصاصه، وهو علم الجينات، فهو يدرك بالضبط مايقوله، ومايقوله ينبثق من قمة الهرم المعرفي في ذلك المجال.

ولكن بالإضافة إلى كون فرانسس كولينز عالم تجريبي متألق، فهو أيضاً مسيحي متدين حتى النخاع، يؤمن بألوهية وصحة مايرد في الإنجيل، ويؤمن بالثالوث!!!

عجيب! نعم، في منتهى العجب والغرابة، لأن العلم والدين يرتطمان ببعضهما رأساً برأس، وإن دل تدين هذا العالم على شيئ فإنه يدل على قدرات عقل الإنسان في تكييف الأفكار والمفاهيم المتناقضة التي تحقنها فيه ثقافاته البيئية والأكاديمية معاً، وتقبلها مهما أختلفت طبيعتها وغزرت الفجوة بينها. إنما يبقى الإنسان في حالة ذهنية متذبذبة نتيجة لذلك تجعله يتخبط في حيطان الحيرة بين صلابة الدليل التجريبي الدامغ ولامعقولية ماتجرعه من تراث.

ولكن تدين فرانسس كولينز وإستعدادات عقله على خداع نفسه ليس محور هذا الطرح، إنما تصريحاته العلمية عن آدم وحواء هي المحور. إقرأوا هذه التصريحات مترجمة حرفياً ليزداد إستغرابكم. لعل العيون تتفتح والغمامة تنقشع عن عالم الأسطورة والخرافة الذي يكتنف ويبتلي مجتمعات البشر.

في مقالة نشرت على إحدى المواقع المسيحية تجدونها هـنـا، عبّر كولينز عن رأيه العلمي لأصل البشر من المستدل الجيني وتعارضه الصارخ مع قصة آدم وحواء كما جائت في التراث الإنجيلي/القرآني بقوله:

"لاأستطيع أن أتصور كيف يصل الإنسان [إلى التنوع الجيني الحالي بين الأفراد] من خلال مرورهم في ممر ضيّق يتمثل في فرد واحد [أي آدم، لأن حواء خلقت من ضلعه]. لأن [ذلك] يتطلب إنتقال التنوع، وإنتقال التنوع يحتاج إلى جماعة ..." (وسوف أكمل تصريحه هذا بتعليمه بالأحمر لأهميته البالغة):

"... لايمكن أن يحدث هذا [أي وجود التنوع الجيني الحالي الملاحظ في البشر] من خلال فرد واحد كسلف للبشرية".

وتفاصيل مايعنيه فرانسس كولينز من هذا التصريح، وهو منشور في نفس المقالة، هو أن هناك عدة فصائل بشرية عديدة (إنقرضت)، منها النياندرتال  Neanderthal والدنيسوفان  Denisovan ، وهاتان الفصيلتان تشتركان مع فصيلتنا نحن، هومو سابيين  Homo sapien،  في نسبة كبيرة من جيناتنا وتختلف في بعضها، وهذا التنوع المشاهد يتطلب أسلاف تبلغ أعدادها بالآلاف، ولايمكن أن تصدر من فرد واحد ...

أي ماتؤكده الدراسات الجينية ويقبله الغالبية العظمى من العلماء وحتى المتدينيين منهم كفرانسس كولينز هو أن المعتقد الذي ينسب البشر لفرد واحد، وهو آدم (حيث أن حواء إنحدرت من ضلعه، أي حملت نفس جيناته)، وينص على أن الأحداث التي وردت في النصوص الدينية عن كيفية خلق البشر هي أحداث تاريخية وقعت في السابق، فهذا المعتقد ليس له أي سند علمي، بل أن علم الجينات قد أكد خطئه.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يمكن لفرانسس كولينز وغيره من العلماء المتدينيين (وهم قلة جداً بالمناسبة) التوفيق مابين هذه الحقيقة العلمية وإيمانه بالإنجيل (سفر التكوين في العهد القديم) الذي ينص على نفس قصة آدم وحواء (والتي جائت بحذافيرها تقريباً في القرآن أيضاً)؟

الجواب بسيط:

بالبهلوانية اللغوية المسماة بالمجاز، بإستخدام قرص التؤيل الذي ينقل معنى النص من محطة تفسير إلى محطة تفسير أخرى على مزاج السيدة أم عمة خال مرة أبو إبن الجيران، المفسر الفضائي الجبهذ. أو أي شخص آخر طالما أرتدى عمامة أو غطى وجهه بلحية ورمى على رأسه غترة. فتصبح قصة آدم وحواء بجميع تفاصيلها الواقعية مجرد قصة مجازية وليست تاريخية حقيقية حدثت في بداية الخلق. وهذا في الواقع موقف الكنيسة الكاثوليكية التي تمثل نصف الكتلة المسيحية في العالم، وموقف كبار الأبولوجيستس والثيولوجيين من المذاهب المسيحية الأخرى:

تقهقرت قصة آدم وحواء الآن بعد أن واجهتها الكثرة في الأدلة لتختفي خلف ستار المجاز، ليصبح أبونا آدم وأمنا حواء مجرد فكرة ثيولوجية وليست حقيقة تاريخية.

فوالا، تلاشى التناقض وتبخرت المشكلة؟

همممم ..... لأ، لأنهم لايزالون يتمرغلون في حيص بيص.فاللجوء إلى أسلوب اللوي والتأويل باستخدام المجاز لإبقاء القصة وبالتالي إبقاء العقيدة، لا يدمر فقط قصة خلق آدم بجميع تفاصيلها بل يدمر جميع القصص الأخرى الموجودة في هذه الكتب أيضاً.

فإذا قبلنا أن هذه القصة مجازية، كيف نعرف إذاً أن قصة موسى وفلق البحر وقصة نوح والطوفان وقصة لوط وسدوم وقصة أهل الكهف وغيرها الكثير من الأحداث والشخصيات ليست هي بدورها مجازية أيضاً؟ إذ لاتوجد أي دلائل آركيولوجية أو سجلية تشهد على صحتها. وإذا كانت كلها مجازية فلم لاتكون الرسالة برمتها مجازية ... والإله معها أيضاً؟

قبول الأدلة العلمية (ولايوجد مهرب من قبولها كما أكد فرانسس كولينز وغيره الكثير من كبار العلماء) يترك خيارين فقط: إما أن القصة مجازية أو أنها خرافية ... هل ترون فرق؟

* * * * * * * * * *

هناك 10 تعليقات:

Pure يقول...

مرحبا

قضية هامة
لا أعني قصة أصل الإنسان
ولكن أن يتمسّك العالم بالخرافة
رغم وجود الدلائل التي تكذب الخرافة

أعتقد أنها مسألة قرار
أن يأخذ هذا العالم قرار الإيمان
وتصديق كل ما هو مرتبط بالفكرة
لكي لا يظل حائرًا في دوّامة التفكير

هل شاهدت المناظرة بين داوكنز والعالم جون لينيكس؟

سأضع لك رابط منتدانا الذي يحتوي المناظرة مع التعليقات

http://3aallmanny.com/forums/showthread.php?1815-مناظرة-ريتشارد-دوكنز-وجون-لينكس-هل-دفن-العلم-الله؟

غير معرف يقول...

الدين كله خرافه واكاذيب وتزييف للحقائق وضحك علي عقول البسطاء هاذا اللي عرفته بعد سنين من التدين والعباده اكتشفت اني انسان ضحكوووووو علي الاغبياء باسم الدين والاله وما زالو يضحكون علي شاكر لك تنوير الناس

basees@bloggspot.com يقول...

العزيزة بيور ،،

تمسك الكثير بمعتقداتهم الموروثة بصرف النظر عن مدى لامعقوليتها، وتجاهل الدلائل الكثيرة التي تثبت عدم صحتها هو هو ظاهرة محيرة فعلاً. ولكن الآن بدأت تظهر عدة دراسات تكشف الأسباب، وأساس هذه الأسباب لا بتعلق بصحة فكرة أو معتقد أنما يعود إلى طريقة عمل المخ وكيف تطور عبر العصور. وهذه العمليات الدماغية التي تؤدي إلى الإيمان بإله مشروحة في كتاب إسمه "لماذا نؤمن بالله؟" أصدره عالم النفس أندي تومسون مؤخراً.

أما المناظرة التي جرت بين دوكنز ولينيكس فقد شاهدتها منذ فترة، وكانت إنطباعتي عنها أن لينيكس ربما كان أسوء أكاديمي واجه دوكنز، فقد كانت أفكاره ساذجة للغاية وحججه ضحلة ودائرية لاترتقي إلى مرتبة تفكير بروفيسور يعمل في جامعة أوكسفورد.

مع تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي/عزيزتي غير معرف/ة ،،

للأسف أن حياة الكثير من البشر تهدر وراء وهم لايستطيعون إدراكه والتخلص منه. إنما مع توسع المعرفة وتوفر المعلومات، فهناك أمل كبير بأن هذا التوسع المعرفي سوف يساهم في توعية الناس وتنويرهم. وهذا ما تسعى إليه المواضيع في هذه المدونة.

ولك تحياتي

Pure يقول...

مرحبا

لم لا يكون موضوعك التالي
تفصيلاً أكثر عن الكتاب الذي ذكرته؟

basees@bloggspot.com يقول...

العزيزة بيور ،،

كنت قد فكرت في طرح بعض الدراسات المذكورة في كتاب أندي تومسون ، ولكن لم يسمح لي الوقت لما يتطلب ذلك من جهد لتنسيق وتبسيط هذه المفاهيم لكي تصلح للنشر في المدونة. ولكن الفكرة لاتزال موجودة أرجو أن أتمكن من تحقيقها قريباً.

مع تحياتي

غير معرف يقول...

عندما وقعوا في مطب لا مرد له في آية تغرب في عينة حمئة،، قالوا نفس الكلام: إنه المجاز.

المؤمن عقله معطل، ويعطل هذا العقل منذ ولادته، ولا يجتمع العقل مع الإيمان، وإذا حاول أحد أن يجمعهما فحتما سوف يصظدم بهما.. وإذا اصظدم.. فلنتخيل ماذا يمكن أن يحدث؟!!

ما يحدث دائما هو مهزلة كهذه.

تحياتي.

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزتي/عزيزتي غير معرف/ة ،،

مشكلة التضارب والتعارض مابين العقل والإيمان هي مشكلة قديمة ومزمنة، وتزداد حدة مع التقدم العلمي وإكتشافاته. ومن الطبيعي أن تؤدي حدة هذا الصراع إلى بروز مواقف غريبة وعجيبة لكل من حاول التوفيق مابين هذين القطبين المتنافرين، ولعل موقف فرانسس كولينز أغربها.

لك تحياتي

غير معرف يقول...

طبعا فكره ان يظهر كل البشر على سطح الارض من بشر واحد هي فكرة في غاية التفاهة
لكن لا تتعجل هكذا وتعلن انتصارك
بيولوجيا انت محق فالنفق الذي يقترحه المتدينون اضيق من ان يصدق
لكن ما لا افهمه هو اعتراضك على المجاز
هل تتخيل معي لو ان الله وضع للبشر نظرية التطور بحذافيرها وبمصطلحاتها العلمية في الرسالات السماوية هل كان احد ليصدقها هل كان احد يؤمن بها
تخيل معي انك انت هذا الاله
ماذا تفعل لتفهم اهل الزمان القديم نشاة الحياة بطريقة يفهمنها هم وغيرهم ممن ياتي بعدهم
لا حل الا بالمجاز فيفهمه القديمين حرفيا ويفهمه المتحضرون مجازا
والمجاز في القران ليس بالطريقة البهلوانية التي تتحدث عنها
فهناك دلائل لغوية نرتكز عليها وكلمات معينة تصرف غيرها من الكلمات المصاحبة لها عن المعنى الاعتيادي
ولولا وجود هذه الكلمات التي تصرف المعنى الحرفي عن الاذهان لما استطعنا ان نقول بالمجاز
طبعها المجاز صعب في الكتب الخرى غير القران لانها لا تتواجد بلغتها الاصلية والحرفية
اما القران فموجود حرفا حرفا كما قاله الرسول
ويمكننا على هذا الاساس تقرير المجاز من عدمه وتقرير صحة المعلومات الواردة في القران من عدمها

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي/عزيزتي غير معرف/ة ،،

لقد تم الرد على تعليقك في البوست الجديد هنا:

http://basees.blogspot.com/2011/09/blog-post_21.html

مع تحياتي