الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

هكذا مشت جدتنا

::

سوف أطلعكم على أحد إهتماماتي التي لم أصرح بها لأحد قبل الآن:

أنا شغوف بمراقبة كيف يمشي البشر!

الإنسان كائن حي منتصب القامة. من ضمن أعضائه وأجهزته الكثيرة التي تكوّن بنيانه أن له عضوان طويلان يحملانه موجودان أسفل قامته (أعتقد أن المصطلح العربي الدارج لتمسيتهما هو: رجلين). فعندما يريد أن ينتقل من مكان إلى آخر، يمد أحدهما أمام الأخرى ثم يرتكز عليها بينما يرفع الأخرى ليمدها أمام الرجل الأولى ويرتكز عليها بدروها. وهكذا يحرك كل من رجليه، الواحدة تلو الأخرى، يرفع ويمد ويرتكز على كل واحدة منهما بطريقة ميكانيكية متتابعة، وبسرعات متفاوتة حتى يصل إلى البقعة التي يريدها.

وهذه الحركة العجيبة لتنقل الكائن الحي ضمن محيطه تثير إهتمامي.

فعندما أجلس في مكان عام (كما أجلس الآن في مقهى، أتدفأ بشرب الكابوتشينو بمحمى من البرد والمطر في الخارج، وأراقب الناس كيف تمشي بينما تتدفق الأفكار من خلال أناملي إلى اللابتوب لتحضير هذا البوست) أحاول من خلال تفرّسي بمشية المارّة أن أتحسس إيقاعات سيمفونية هذه الحركة الساحرة التي تشترك في أدائها آلات عضوية كثيرة مكوّنة من عضلات وألياف وأعصاب وعظام، تنسجم وتتزامن كلها بأسلوب متناغم منتظم باهر، لتقدم أداء رائع وبديع يثير الدهشة والإعجاب في كل من ينتبه إليه.

فكيف تطورت هذه الحركة إذاً؟

لاشك أن بعض القراء سوف يهتف: "سبحان الله على خلقه" معزياً هذا التناغم الجميل في الحركة إلى قدرة ماورائية وهبت الإنسان (والحيوان) هذه الخاصية المدهشة فور خلقه. إنما البحوث العلمية تشير، مرة أخرى، إلى تطور متدرج وليس إلى خلق فوري.

توجد الكثير من الأدلة الحفرية التي تبيّن أن جميع الكائنات البرية التي تمشي على أربع (ومنها أسلاف الإنسان) قد تطورت من حيوانات مائية، وكان الإعتقاد السائد بين العلماء أن هذه الحركة في المشي والتي تتطلب إمتداد كل رجل أمام الأخرى بتتابع منتظم، قد تطورت مع تطور الأطراف (الأرجل الأمامية والخلفية)، ربما خلال مرحلة تردد هذه الحيوانات المائية الإنتقالية، كـ التيكتاليك، إلى المياه الضحلة قبل صعودها إلى اليابسة.

ولكن الباحثة الأمريكية هيثر كنغ من جامعة شيكاغو نشرت دراسة مؤخراً تشير إلى أن هذه الحركة في المشي ربما سبقت تواجدها في الحيوانات البرية، إذ أن نفس حركة المشي هذه موجودة في الواقع في ...

السمك!

نعم، هناك فصيلة من السمك تنتقل من مكان إلى آخر بواسطة المشي على قاع البحر، وذلك بتحريك زعنفيتها الخلفية بتتابع منتظم تماماً كما تحركها الحيوانات البرية عندما تمشي. وهذه الأسماك، وتسمى الأسماك الرئوية  Lungfish ، لاتزال موجودة، وقد أجرت الباحثة هيثر كنغ دراسة على طريقة حركتها بتصويرها من عدة زوايا، لتصل إلى إستنتاج بأن حركة مشي الحيوانات البرية، وتشمل حركتنا نحن البشر، قد تطورت في السمك قبل تواجدها في الحيوانات البرية.

شاهدوها هنا في هذا الفيديو كليب المصاحب لدراسة هيثر:
::
::


هذه دراسة جديدة سوف تضيف إلى معلوماتي وتزيد من شغفي في مراقبة حركة مشي البشر، وتسبغ عليه بعداً آخر. فكلما رأيت إنساناً يمشي من الآن فصاعد، فسوف أشير إليه بأصبع ذهني وأسأله:

هل تدري بأن مشيتك المتناغمة الجميلة هذه كانت تؤديها جدتك السمكة؟
وأدري لو سمعني فالأرجح أنه سوف يستنكر علي هذا السؤال.


مقالة سابقة مشابهة:

لماذا لم تأكل السمكة
::
::
* * * * * * * * * *

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

موضوع جميل جدا!!!
وكتابات ومصطلحات منسجمة
شكر كبير
وارجو التواصل
facebook.com/croixgamme

basees@bloggspot.com يقول...

سعيد بمرورك وإستحسانك للبوست، وسوف يسعدني التواصل معك على الفيسبوك.

خالص تحياتي

Unknown يقول...

من المحتمل انو التطور حصل بشكل منفصل بين الانسان وهالنوع من السمك مو ضروري نكون ورثناها منها