الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا

::
 
 
قبل حوالي سنتين، كنت أمر بشكل روتيني يومي على مجتمع نشط وموهوب وثري الفكر من المدونين العرب. كانت أجوائه أشبه ماتكون بزحام سوق عكاظ الذي نقرأ عنه في التاريخ، تجتمع فيه مواهب صحفية وأدبية وشعرية وفنية وعلمية وسياسية، يقدم كل متواجد فيه طبقه المميز بطعمه ولونه ونكهته المختلفة، وكل طبق تنعكس فيه قدرة ومستوى صاحبه على الإنتاج والإبداع الفكري.
 
كنت أمر على أكثر من مئتي مدونة عربية خلال الأسبوع، وأوزع وقتي المتاح عليها كلها، واحدة واحدة، لأتلذذ بقراءة تلك الأفكار المنطلقة الجريئة الحرة التي لاتحدها سياج قوانين النشر والبث التقليدية.
 
ثم لأسباب عديدة انقطعت عنها تماماً لمدة سنتين. ولكن حين عدت إليها مؤخراً، لم أجد مكانها إلاّ خرائب مهجورة، أشبه ماتكون بأنقاض حضارة سادت لحقبة من التاريخ ثم خمدت وبادت، لم يبقى منها اليوم إلاّ جدران منتصبة، تحيط بساحات تخلو من علامات الحياة، فيما عدا بعض البقاع الحية التي تعد على أصابع اليدين.
 
فما تلك الكارثة التي حلت بذلك المجتمع العربي الثري خلال تلك السنتين؟
وأين ذهب سكان تلك الحضارة المزدهرة؟
 
هاجروا أزرافاً وأفواجا، من غنى معمار التدوين ليستقروا في فقر خيام التويتر. وهذه هجرة غير مبررة ومؤسفة حقاً.
 
قارنوا مايحدث للتدوين العربي مع مايحدث للتدوين الأجنبي. فقد كنت أيضاً لفترة طويلة، ولازلت إلى اليوم، أمر في نفس الوقت على حوالي ثلاثين مدونة أجنبية أيضاً. ولكن من تلك الثلاثون مدونة، لم تتوقف عن التدوين إلاّ مدونتين منها فقط، وظلت الغالبية مستمرة يتزايد عدد قرائها بمرور الوقت، بعكس تماماً ماحدث للمدونات العربية. فما الذي تؤشر عليه هذه الظاهرة؟
 
هذه الظاهرة تكشف الفرق في طبيعة التفكير والإستعداد الذهني بين المواطن العربي والأجنبي. فالتدوين يوفر ساحة واسعة ويجبر المدون إلى حد ما على تبني منهج صحفي منسق يتطلب تفكير وتحضير مسبق للأفكار المعتزم طرحها، وتنظيم وصياغة وتدرج في الطرح، وعناية في اختيار المفردات المناسبة، واتباع أسلوب واضح في المخاطبة، والإلتزام به. أي باختصار، تتطلب جهد ذهني لطرح ما يجول في البال.
 
أما التغريدات على التويتر، فهذه لاتتطلب سوى بعض العبارات والجمل المبعثرة هنا وهناك من تعليقات وردود قصيرة، لاتتعدى في أغلب الأحوال سوى بضعة كلمات، ولايهم إن كانت بالعامية أو بالفصحى. ورغم أن المدونين الأجانب لايقل استخدامهم للتويتر عن قرائنهم العرب، إلاّ أنهم لم يستبدلوا التدوين بالتغريد كما فعل العرب.
 
هو تأكيد آخر على أن المخ العربي كسول يلتمس الراحة، وينفر من المهام التي تتطلب منه جهداً أكبر إذا أتيح له بديل آخر بجهد أقل. وهو الفرق الفاصل بين عقلية المجتمع المنتج النشط والمجتمع الإستهلاكي الخامل.
 
* * * * * * * * * *
 


هناك 11 تعليقًا:

غير معرف يقول...

تصدق معاك حق ... مش عارفه أنا غيه حكاية التوقف والتردد وأنصاف المشاوير التي نقطعها في كل شيء وليس فقط في التدوين ؟ نفسنا قصير أوي ومفيش فايدة
كمبادرة شخصية مني هفتح مدونة جديده وهكتب كل لي نفسي فيه وهقول رأيي

مرسي لأنك موجود ولأنك لسه بتكتب
بجد مرسي

شوشي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزتي شوشي ،،

أتمنى لك النجاح في خطوتك هذه، مع خالص تحياتي

غير معرف يقول...

تعرف انا حااقولك حاجه يمكن تصدقها يمكن لا .مدونتك بتقرا وجابت نتيجه .خايفه في يوم تزهق من الكتابه وتفل زي غيرك تحياتي لك

لسان عربي يقول...

مداخلة قاسية :

أستعجب ,

من توجيه اللوم إلى المتلقين , لا إلى المدونين

و أقولها ,

الخلل ,
من

المدون , الذي يتوقعون أنه بسبب كتاباته , سيمشي بالشارع فيصادف ملحدين من أتباعه

و هدفه بحد ذاته , لطيف ,

و لكنه لا يتحقق بالتدوين ,

إذا لنتوجه إلى وسائل أخرى أجدى من حيث حجم الشريحة المتلقية , نقطة

غير معرف يقول...

تحية أخ بصيص

بل حتى المدونات الإسلامية سنيين مضت ولم تُجدد مواضيعها تنقصها فقط حفلة تأبينية ، يتبادر لذهن المتصفح للمدونات التي ذكرتها بشكل عام والإسلامية بشكل خاص انها ضربت بوباء ما أو حلت عليها مجاعة كالمجاعة الكبرى التي ضربت الصين قبل عشرات السنين والتي حصدت حياة الملايين .

ثقافة القص واللصق أصبحت هي السائدة ، فما ان تناقش ( المعني طبعاً المسلم ) أحد ما في موقع ما واذا به يأتيك بجرائد يلصقها في الموقع ليثبت على انه على صواب ، فردودهم المتدنية تعكس الأزمة التي نعيشها، فلا اجد غرابة من أنهم هاجروا أو أرتحلوا للتغريدات والفيس بوك وتلك التعليقات المقتضبة لأنها تلائم والعصر الذي نعيشه وتلائم عقول البعض مِن الذين لا يستسيغون التفكير لكن أن يحشوها بسمومهم فهنا تكمن المشكلة .

أما بالنسبة لترك البعض للتدوين فأنا أشبهها بحالة أزمة منتصف العمر العرضية ومن يدري ممكن البعض يرجع للتدوين والبعض الآخر في أستراحة محارب أو أحتمال هو الكسل كما تفضلت وهو الأرجح .

أصبحت المعلومة ضرورية كضرورة الطعام ( بأستثناء تلك المعلومة والتي عمرها ١٤٣٣ سنة خلت ) فإن لم تأكل فسوف تأتيك وخزة الجوع أو ما يسمى Hunger pang .

أدناه مدونة وجدتها بالبحث يدعي صاحبها أنه ينسف الإلحاد وكالعادة تمخض الجبل فولد فأراً :

http://antishobhat.blogspot.de

وشكراً

مع التقدير

basees@bloggspot.com يقول...

الأخت الكريمة غير معرفة (التعليق الثالث) ،،

أن أزهق من الكتابة احتمال غير وارد طالما هناك من يقرأ ما أكتبه.

خالص تحياتي

***************************

أخي الكريم لسان عربي ،،

لم أفهم تعليقك، فلم أوجه اللوم إلى المتلقين أبداً بل كان الإنتقاد للمدونين.

***************************

وشكري للأخ/ت غير معرف/ة (التعليق الخامس) على مشاركته، مع خالص تحياتي

Unknown يقول...

أخي الان الأغلب ذهب لمواقع التواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك
لم يعد الكثير يقرأهنا ..
مدونة رآآقت جدا
دمت بود ..

غير معرف يقول...

الاخ بصبص
تخيل انك لديك مدونةوتقوم فيها بكتابة موضوع تبذل فيه الجهد الكبير ويقرأه الف شخص فقط ويقوم 7 الي 9 اشخاص منهم بالرد عليك باسماء غير معرفة او مستعارةولا يمكنك التواصل معهم وغالبا يكونو نفس القراء اللادينيون اصلا
اننا هكذا ندور في حلقة مفرغة ( بنكلم نفسنا ) ونادرا ما تلقي كلماتنا صدي خارج اطار اللادينين

ثم تخيل في المقابل ان صفحة علي الفيس بوك
http://www.facebook.com/Science.IBS?ref=ts&fref=ts
تسمي i believe in science

هي صفحة باللغة العربية بها الان 42 الف مشترك
اغلبهم باسمه وصورته وتستطيع التحاور معه ومناقشته وعمل طلب صداقة لديه وليسو غير معرفين او باسماء مستعارة

صفحة اخري هي صفحة نظرية التطور بها 35 الف مشترك الان
http://www.facebook.com/TheTheoryOfEvolution

هذا بخلاف الاف الاشخاص المتابعين لهذه الصفحات ويخشون الاشراك بها حتي لا ينكشف موقفهم الالحادي

انها قوة شبكات التواصل التي بدأت تكسر حاجز الخوف فقدوجدت انك لست وحدك بل هناك فلان من بلدك وفلان اكتشفت انه صديقك وفلان عرفته يوما ما مشترك بها

طبعا تلك الصفحات تتستر بالعلم فقط بدون نقد الاديان اما الصفحات التي تنتقد الاديان فتكتفي بانتقاد الفكر السلفي والاسلام السياسي والدعوة للاسلام المودرن العلماني

الميزة الان انك تصل للدينيين افضل

عندما كنت مسلما (وهذا ليس ببعيد منذ ان حولت تعليقي الي مقالة حرية من غير هباب ) كنت اخشي وارتعد اذا فتح متصفحي صفحة الحادية اوتنتقد الدين

الحمد لله :) لقد تغلغلت اللادينية كثيرا في مجتمعاتنا و ستطفو الي السطح قريبا

اسف للاسلوب الركيك

basees@bloggspot.com يقول...

الأخت الكريمة الجوري الحمراء ،،
الأخ الكريم غير معرف (التعليق الثامن) ،،

كلاكما تتناولا نفس المحور.

لاشك أن وسيلة التواصل بين الأفراد على الفيسبوك أكثر فعالية من التدوين، وفعالية التغريد على التويتر يفوق كلاهما مجتمعان. ولكن ليس القصد من طرح الموضوع هو انتقاد وسائل التواصل بحد ذاتها، فهذه لها دور هام وضروري في نشر الأفكار. إنما نقد ظاهرة استبدال التدوين تماماً بهتين الوسيلتين. فتصميم وطبيعة التويتر والفيسبوك يستهدف التخاطب والتواصل بين الأفراد، أما التدوين فهو مصمم لإبراز الإنتاج الفكري. وللمؤسف أن الكثير من المواهب المبدعة التي كنت أمر عليها توقفت عن الإنتاج عندما انتقلت إلى التويتر لتركز على الدردشة.

مع خالص تحياتي

rai يقول...

صدقت يا عزيزي ولا استطيع ان ازيد على ماتفضلت به لكن حاليا قد حولنا نشاطاتنا الى ارض الواقع من خلال الندوات والمناقشات الحية بالمجتمع من خلال الكوميديا السوداء وبعض الحقائق الصادمة ، والتويتر بالحقيقة لا يغني عن حلاوة المدونات والدليل انني متابع لاغلب اصدقائي المدونين وانت منهم والبعض الاخر قد تشرفت بمعرفتهم شخصيا

basees@bloggspot.com يقول...

أهلاً بك عزيزي راي. أنا أدرك الأسباب، وأدرك أهمية وفعالية قنوات التواصل الإجتماعي في نقل الأفكار. ولكني في نفس الوقت أتأسف على غياب الثراء الفكري المنظم الذي تقدمه المدونات.

خالص تحياتي