الجمعة، 18 مايو 2012

لم تخرج دونا من الدنيا، بل ظلت باقية فيها

ناوَلني استكانة (كوب) الشاي قائلاً بنبرة لاتحمل أي اكتراث ملحوظ: "خَرَجَت من الدنيا".

كان ذلك رداً من زميلي خلال زيارتي له في مكتبه صباح اليوم على إبلاغي له بخبر وفاة المغنية الأمريكية، وملكة الديسكو في السبعينيات، دونا سمر التي أعرف أنه يعشق أغانيها (التي لاأميل شخصياً إلى نمطها).

خرجت أنا بدوري من مكتبه أحمل أثرين، أحدهما في فمي من مرارة طعم شايه الداكن، والآخر في ذهني وأنا أتفكر في عبارته: "خَرَجَت من الدنيا"!

تلاشى طعم الشاي من فمي بمرور اليوم، إنما ظلت عبارته تراود ذهني بين حين وآخر كالأسطوانة المشروخة، فقررت كتابة هذا البوست عنها لعلي أتخلص من شوشرتها لأفكاري.

ماذا تعني عبارة: "خرجت من الدنيا"؟

مضمونها يشير إلى عملية انتقال، من حيز إلى حيز آخر، كما يخرج الإنسان من بيته إلى الشارع مثلاً. فقائل العبارة يتوقع بالمِثل أن يخرج الـ "خارج" من الدنيا، أي الميت، ليذهب إلى مكان آخر.

وهذا اعتقاد خاطئ على صعيدين:

الأول لعدم توافر أي أدلة تجريبية على وجود حيز آخر، أو عالم آخر بالمفهوم الميتافيزيقي الذي تتضمنه العبارة، يخرج إليه المغادر من هذه الحياة ليذهب إليه. والثاني، ويعقب الأول بشكل طبيعي وتسنده الأدلة التجريبية، أن الـ "خارج" سيظل في الحقيقة باقي في هذا الحيز، وهذا واضح لعدم وجود أي سابقة اختفى فيها ميت من قبره بدون تدخل من الأحياء. فجسده سيظل باقياً وخاضعاً لعوامل الطبيعة، ليتحلل ويرجع إلى مكوناته الأساسية، الذرات والجزيئات، والتي ستظل بدورها موجودة ضمن هذا الكون إلى نهايته ...

بعد 100^10 (أي بعد فترة تعادل واحد على يمينه مئة صفر من السنوات).

فذرات وجزيئات دونا سمر، وغيرها من الموتى، ستظل طوال تلك الفترة في هذا الدنيا لتدخل في تركيب تكتلات أخرى من حيوانات ونباتات وبشر وسوائل وصخور، في دورات متكررة من الحياة والموت إلى النهاية الفيزيائية الحتمية، متى ماأتت تلك النهاية.

واختيار عبارة "خرجت من الدنيا" للتعبير عن الموت، هو تعبير موهوم يعكس كره وخوف البشر من الفناء ورغبتهم في البقاء. الرغبة التي بزغت ببزوغ وعيهم الإبتدائي. وهو وهم جميل يسنده الدين ويتشبث به أغلب البشر رغم غياب الدليل على وجود ذلك الحيز الأزلي الآخر.  

وهذا فيديو كليب لأحد أغاني دونا سمر الشهيرة. ودونا لاتزال طبعاً موجودة بيننا، بجسدها وليس بشخصها.
::
::  


* * * * * * * * * *

هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

الشيء الجميل الوحيد في الإيمان، هو وهم الخلود، وفي نفس الوقت، فإن الشعور بالفناء الكلي في الإلحاد، يشعرك أيضا بالأمان من قصص التعذيب بالنار لأنني اشتهيت امرأة مثلا.

الموت مشكلة بالنسبة للإنسان، سواء في الإلحاد أو في الإيمان، وربما أفضل إحساس هو من يعيش دون أن يفكر في الموت.

غير معرف يقول...

انا كنت فاكره انك زعلان عشان دونا .انت قاعد تحلل ..انا احبها مراهقتي كانت غالبيتها لاغاني دونا وماتت صغيرة لو فيه جهاز يخترعوه اثبت عمري على اللي اريده .وشويه كمان يعملوه معاه ريموت وننزلوه على العشرين والعشره ونعيد نعيش السنين اللي ضاعت من عمرنا وما نحقد على احد ونحب بعض .ياسلام .ارجوك لاتتضايق من كلامي خليني احلم

غير معرف يقول...

الى غير معروفة اللي سبقتني
كلامك قريب جدا من سيناريو فيلم Click لآدم ساندلر ... اذا ما حضرتيه بنصحك فيه

غير معرف يقول...

شكرا حدور عليه

غير معرف يقول...

احب اضيف نقطه انه في تلك الفترة مع بدايه ظهور الفيديو كان قيمه الشريط في البلاد الممنوعه 400 ريال للشريط الواحد والايجار لشريط الفيديو ب150 ريال تصوروه نزلت بعد كده قيمته بالتدريج حتى وصل 10 ريالات .طبعا هذا النزول اخذ فترة زمنيه تقريبا من 5 الى 7 سنين .يعني شريطين في اليوم قيمته 800 ريال .انا كل مااتذكر مني مصدقه حالي كانت الناس مرتاحه ماديا ونادرا ماتشوف فقير .ونادرا ماتشوف واحد مربي ذقنه .شوفوه مدى الاستفلال الحاصل .كنا اغنياء ومنا حاسيين .لكن مو خساره في اشرطه كانت تعتبر تلك الفترة من اهم المراحل انا اعتبرها الفترة الذهبيه اللي اتمنى انها تتكرر في الموسيقى.وكل شئ عندها يجينا جديد الاسعار والعه بعد كده تنزل قيمته .انظروه للجوال اول مانزل ماكن يتملكوه الا الاغنياء جدا اي السراقين بعدين سنين طويله نزلت قيمته