::
عندما سألت مجموعة الأصدقاء والمعارف الحاضرين في إحدى الديوانيات قبل بضعة ليالي إن كان قد سمع أحدهم عن الإكتشاف العلمي الأخير المسمى بـ "الدينيسوفان" Denisovan، لم أتوقع أن مجرد سؤال إستطلاعي بريئ مثل هذا سوف يدفع بعض الحضور، الذين كانت تظهر عليهم علامات المدنية والوداعة وقسط وافر من الوقار قبل طرحه، إلى تعبأة عسكرية بعد طرحه بدقائق تستهدف نسف الحوار الهادئ السائد الذي كنت أأمل أن يستمر، وتحويله إلى سجال متفجر يتصاعد في النهاية إلى تبادل النيران بتراشق الولاّعات وعلب السجاير، وبعض الحلويات والفواكه أيضاً، بين إثنين من "وجهاء" ذلك المجلس الموقر .... الذي فقد في تلك الليلة كلا وقاره وحلوياته! (الديوانية = مجلس لتجمع الأصدقاء والأقارب)
ربما كان علي أن أعي قبل أن أطلق سؤالي من فمي بأن مثل هذه التساؤلات تحمل طبيعة إنفصامية، تكون وديعة تارة وملغمة تارة أخرى، تُهدء أو تهيج المشاعر حسب المناخ الذي تُطرح فيه. ولكن هناك صعوبة بالغة في التعرف على المؤشرات المشؤومة التي تسبق عادة مثل هذه الطروحات، فأجراس الإنذار لاتقرع كل مرة لتمنع الإنسان من الخوض فيما لايرغب وماقد يؤدي إلى الدخول في معركة لفظية من الممكن أن تؤدي إلى إصابات في كرامته، وإن كانت في الديوانيات، أيضاً إلى تدمير لملابسه بالذخائر التي تتواجد في العادة هناك من حلويات وفواكه وشاي وقهوة، كما حدث في تلك الأمسية. (ولحسن حظي أني لم أكن طرفاً في ذلك القتال السجائري، بالرغم من أني أنا الذي بدأت الحوار البريئ الذي أدى إليه).
فمالذي سبب كل ذلك الصخب والعصبية التي نثرت السجاير والحلويات على السجادة ولطخت الملابس؟
دعوني أشرح لكم أولاً ماهو، أو الأصح، من هم الـ "دينيسوفان":
هم مجموعة مختلفة من البشر لم تكن معروفة سابقاً، إنقرضت قبل حوالي 41000 سنة وأُكتشف بعض عضامها في كهوف دينيسوفا في روسيا مؤخراً. وعندما يشار إليها كـ "مجموعة مختلفة من البشر" يُقصد بتلك العبارة أنهم فصيلة مختلفة Sub-species من البشر. فحيث أن فصيلتنا نحن تُصنف بـ Homo Sapiens Sapiens ، تصنف فصيلة الـ دينيسوفان بـ Homo Sapiens Denisovan وهذا التصنيف الذي يعكس الإختلافات الجينية المميزة بين الفصيلتين يعتبر في غاية الأهمية في تعقب أسلاف البشر ومعرفة أصولهم.
والخوض في نقاش عن مضمون تلك العبارة الأخيرة الملونة بالأحمر مع ناس ترفض الإعتراف بانتسابها إلى المملكة الحيوانية الكبرى التي تشمل القرود والخنازير المذمومة وتفتخر بسلالتها الأصيلة التي تبدأ بآدم الأول هو الذي سبب المشكلة التي أدت إلى كل تلك الضجة.
والمشكلة هي هذه:
أن العلماء تمكنوا من فك الشفرة الجينية الكاملة لهذه الفصيلة البشرية المكتشفة واتضح أنها تختلف جينياً عن فصيلتنا نحن وتختلف أيضاً عن فصيلة النياندرتال والتي بدورها تختلف جينياً عن فصيلتنا. فهناك إذاً ثلاث فصائل بشرية تختلف عن بعضها في الجينات بمقدار يميز كل منها عن الآخر ويحتم تصنيفها علمياً على أنها فصائل Sub-species مختلفة عن بعضها.
طيب، ومالمشكلة في ذلك، قد يسأل سائل فكلهم بشر على أي حال؟
وأقول له أن المشكلة ضخمة، ليس للعلماء إنما للمتدينين. وهي:
إذا كانت فصيلتنا نحن تنتسب إلى آدم وحواء، فلابد أننا قد توارثنا جيناتهمأ أيضاً. فجيناتهما إذاً تتطابق مع جيناتنا، وأي اختلاف بيننا نحن البشر الحديثين وبينهما هو اختلاف ضمن النطاق الطبيعي لفصيلتنا. ولكن حيث أن فصيلة الدينيسوفان وفصيلة النياندرتال كل لهما جينات تختلف عن بعضهما وثختلف بدورها عن جيناتنا نحن، فهذا يعني أن جينات تلك الفصيلتان تختلف عن جينات آدمنا وحوائنا أيضاً. فإذا سلمنا بأن البشر ينتسبون إلى فردين، فالإختلاف الجيني بين الفصائل يحتم وجود لكل من تلك الفصائل البشرية الثلاثة آدمها وحوائها اللذان يختلفان جينياً عن آدمان وحواتان الفصيلتان الأخريتان ....
مما يعني أن هناك ثلاثة أوادم وثلاث حوات!!!
على الأقل ...
على الأقل ...
لأن الأمر لايتوقف عند هذا الحد، فمع أي أكتشافات جديدة في المستقبل لأصناف أخرى من البشر الذين يختلفون جينياً عنا، فعدد الأوادم والحوات لابد أن يزداد!
جينياً، مشكلة آدم وحواء غير قابلة للترقيع وغير خاضعة للتبريرات، فهل تستغربون إذا أطلقت علب السجائر والحلويات من الأطراف المعارضة لتنزل على رؤوس الأطراف المؤيدة في الديوانية؟
ضمن المجتمع العلمي، هذه الحقيقة ليست جديدة. فقد أثبت علم الجينات، وخصوصاً بعد فك شفرة الجينوم البشري، أنه من غير الممكن أن ينحدر البشر من فردين فقط، إذ أن الأدلة الجينية تشير إلى أن نسب البشر يعود إلى بركة من الجينات تحوي خليط من عدة فصائل وليس لفردين فقط. (بركة بالمفهوم المجازي. والمقصود هو خليط من الجينات).
مفهوم إنتساب الإنسان إلى فردين، أدم وحواء، تناقضه الأدلة الجينية، وكلما ظهر إكتشاف جديد أكد هذه الحقيقة كما أكدها إكتشاف الدينيسوفان الأخير. والصورة الأدق للأصول البشرية تشابه الصورة أدناه. فالبشر، كما هو الوضع مع باقي الحيوانات، تتداخل أصولهم كما تتداخل قنوات المياه عند المطر، فلايمكن نسبهم إلى قطرتين نزلتا من السماء بل إلى بركة تكونت هنا على الأرض وتفرعت إلى عدة قنوات مميزة:
الدينيسوفان أحدها ..
والنياندرتال أحدها ..
ونحن أحدها.
الصورة في أعلى البوست لمواطن مالانيزي يرقص رقصة الحرب التقليدية. وجينوم العرق المالانيزي يشترك بنسبة 4.5% مع جينوم الإنسان الـ دينيسوفان المنقرض.
والصورة في أدنى البوست هي فروع لقنوات مياه، تتداخل تارة وتندمج تارة وتتفرع تارة، وتعكس بدقة أكبر أصول الإنسان التي لايمكن نسبها جينياً إلى أصل بشري يتكون من فردين فقط.
* * * * * * * * * *
ماهي أصول البشر؟ ماهو أصل آدم؟ هل خلق آدم من تراب؟ هل أصل البشر هو آدم؟ جينوم آدم.جينات آدم. هل جينات البشر نفس جينات آدم؟ مالفرق بين آدم والإنسان القديم؟ ماهو دليل أصل البشر؟ متى عاش آدم؟ أين عاش آدم؟ هل آدم شخصية حقيقية؟ هل الإنسان ورث جينات آدم؟ من هو الدينيسوفان؟ هل الدينيسوفان بشر؟ هل الدينيسوفان إنسان؟ أين عاش الدينيسوفان؟ متى عاش الدينيسوفان؟ هل الدينيسوفان أحد أسلاف البشر؟ هل الدينيسوفان أحد أسلاف الإنسان؟ هل الدينيسوفان كان يمشي على قدمين؟ هل الدينيسوفان كان يتسلق الشجر؟ أهل النياندرتال بشر؟ هل النياندرتال أحد أسلاف البشر؟ هل النياندرتال إنسان؟ هل النياندرتال أحد أسلاف الإنسان؟ أين عاش النياندرتال؟ متى عاش النياندرتال؟ لماذا انقرض الدنينسوفان؟ متى أنقرض الدينيسوفان؟ لماذا انقرض النياندرتال؟ متى انقرض النياندرتال؟ ماهي دلائل وجود الدينيسوفان؟
هناك 8 تعليقات:
كلكم لآدم وآدم من تراب
كلكم لبروميثيوس وبروميثيوس من اجاص؟
مقال جميل جدا في كل مرة يتقدم العلم ويكتشف قطعة من تاريخنا التطوري الجميل. قصة وجودنا أجمل من اي خرافة لادم وحواء و ربهم المصاب بانفصام الشخصية.
هنالك بعض الروايات عند الشيعة(الروافض) تذكر وجود عدة أوادم قبل آدمأبو البشر فما هو تعليقك يا أخ بصيص
أحب أقوللك أني أحب أتابع مدونتك أكثر من كل الملحدين العرب لأنك لا يمر عليك أسبوع دون كتابة موضوع أو أكثر كما أن مواضيعك رائعة
متى ستعيد كتابة موضوع (أخلاق بلاوازع) يا أخ بصيص فإني أنتظره منذ مدة بلهفة لأنني أظن بأنه يتكلم عن موضوع علاقة التطور بالأخلاق
عزيزي بندول ،،
أي آدم هو المقصود؟ يظهر أن هناك عدة نسخ منه!
لك تحياتي
عزيزي Godless ،،
أعتقد أن إنتساب البشر إلى بروميثيوس يجعلهم في مرتبة أسمى من إنتمائهم إلى آدم. لأن بروميثيوس إله ينتمي إلى عائلة ربانية إرستقراطية معروفة، إنما آدم فهو مجرد بشر عادي لاأب له حتى ولا أم.
أسعدني إستحسانك للمقال ياعزيزي ..
ولك تحياتي
عزيزي/عزيزتي غير معرف/ة ،،
هذه الروايات التي تذكر وجود سلسلة من الأوادم، لاتعزز قصة آدم وحواء بل تؤكد خرافتها. وهذا من السهل إثباته بهذه المعادلة الرياضية:
البشر قبلهم بشر قبلهم بشر قبلهم بشر = تهريف مابعده تهريف مابعده تهريف مابعده تهريف
الدلائل العلمية الموجودة تنفي نسب أصول البشر إلى شخصين ... نقطة.
وموضوع أخلاق بلا وازع لم يتسنى لي لأن أعيد النظر فيه، وقد نسيته في الحقيقة. أشكرك على تنبيهي له وسوف أعيد نشره قريباً.
كما أشكرك ياعزيزي على كلماتك اللطيفة نحو المدونة ومتابعتك لها. وأسعى دائماً لأن تكون المقالات المنشورة فيها على المستوى المنشود.
ولك تحياتي
مقال رائع , معا انى مش ملحد :D .
الموضوع كبير عن مخ الانسان (الى بنالسبالى استحالة مهما عدى ملايين السنين انة يتكون بالصدفة ) للاسف ومفيش اى معلومات كاملة فى ايدينا , بس الواحد هيعيش ويموت يدور على الحقيقة ومتهيقلى هيموت و هو مش عارف .
إرسال تعليق