الخميس، 27 يناير 2011

إقترب يوم البعث

::
لو كتبت لائحة قبل أسبوع بجميع بقاع الأرض التي أنوي، أو أتمنى، زيارتها، لوضعت اليابان في آخرها.

لماذا؟ سوف يسأل سائل ... مابها اليابان حتى تستحق هذه المرتبة المحرجة؟
وأجيب بأنه لايوجد سبب محدد، بل هذا فقط ماأشعر به ... لاأكثر ولاأقل.

إنما هذا الأسبوع فقد أنقلب رأيي على رأسه وقفزت اليابان إلى أعلى اللائحة.

لماذا؟ سوف يسأل سائل، وربما نفس السائل الحائر أعلاه ... مالذي غير رأيك وعكس رغبتك؟
وأجيب، ... وهذه المرة سوف تصاحب إجابتي إبتسامة مبتهجة واسعة تمتد من الأذن إلى الأذن، بأن:

علمائهم على موعد لبعث أحد الأموات، وأريد أن أتواجد هناك لأشاهد المعجزة.

لابد أن القراء الأحباء المتابعون لهذه المدونة قد قرؤوا عدة مواضيع نشرتها في السابق على هذه الصفحات الإلكترونية تتحدث عن قدرة خارقة كانت تعتبر طوال التاريخ وإلى قبل بضعة سنوات فقط من الخصال الربوبية. إنما اليوم فقد بدأت المخلوقات البشرية بممارستها، وهي القدرة على البعث من الموت والخلق من الجماد.

فهؤلاء علماء شركات اللحوم يعيدون إحياء البقر بعد ذبحهم هـنـا
وحتى خلق الحياة من الصخر يجري العلماء البحث فيه هـنـا 

والآن، فقد شرع طاقم من العلماء اليابانيون بقيادة البروفيسور أكيرا إيريتاني من جامعة كايوتو اليابانية بخطة لإعادة أحد الحيوانات المنقرضة إلى الحياة بواسطة إستخدام الأحماض النووية DNA المتبقية من رفاته. وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أشعر بأنه من الضروري أن أزيل بعض الحواجز الذهنية التي ينصبها بعض القراء دوماً وتلقائياً حول عقولهم لمنع إستيعاب المعنى الحقيقي لمثل هذه الإنجازات.

لقد تذوقت كوكتيل كريه من الحجج والتبريرات، منها الواهي ومنها السخيف ومنها المضحك ومنها المخزي، تتكون كلها من لوي للحقائق وتشويه للمنطق وكذب وتلفيق، تستهدف تضليل الذات عن حقيقة ساطعة سطوع الشمس في محاولة بائسة لإقناع النفس، أو الأصح لخداعها، بأن تلك الإنجازات الإحيائية الخلقية ليست في حقيقتها بإنجازات إحيائية خلقية ... لماذا؟

حتى لاتوضع القناعات الموروثة تحت مجهر الفحص والتمحيص.

العلماء اليابانيون سوف يشرعون بعملية إحياء فيل الماموث المنقرض، وفيل الماموث حيوان قد مات منذ 4500 سنة، ولم يتبقى منه سوى بعض الجثث المتجمدة التي عثر عليها تحت الثلوج السايبيرية. فأرجو ألاّ يأتيني أحد بحجج بهلوانية يحاول فيها إثبات أن الماموث لايزال حي أو أن إستنساخ الميت لايعني إحيائه.

مات يعني:
مات، فنقش، إنتهى .. 
وإستنساخ الميت يعني:
إحيائه، بعثه، إعادة خلقه ... أوكي؟
ومن له رأي مختلف فليأتينا بالبراهين العلمية التي تؤيد رأيه.

قد تطرقت من قبل إلى إمكانية إحياء فيل الماموث في هذا البوست ، وذكرت فيه بأن العالم ستيفان شوستر في جامعة بنسلفانيا الأمريكية قد تمكن من إستخلاص 80% من الأحماض النووية للماموث من رفاته المتجمدة، وأن إحتمال إحياء هذا الحيوان المنقرض سوف يكون في مقدور العلم في المستقبل القريب. ولكني لم أتصور بأن ذلك المستقبل القريب قد وصل بهذه السرعة!

فسوف يبدأ العلماء اليابانيون عملية الإحياء هذه السنة، ويُتوقع أن تنتهي بإعادة خلق الماموث بعد حوالي خمس أو ست سنوات. وسوف يُستخدم في تلك العملية منهج الإستنتساخ المشابه للعمليات التي تكلمت عنها في هذا البوست الذي يشرح كيف يقوم علماء شركات اللحوم حالياً بإعادة إحياء البقر الميت. والفرق بين العمليتين، أن الأحماض النووية المستخدمة لاستنساخ البقر مستخلصة من خلايا طازجة بالرغم من أنها ميتة، بينما الأحماض النووية المستخدمة لإحياء الماموث قد تم إستخلاصها من خلايا ميتة وجامدة وقديمة، ربما تعرضت لشيئ من التلف خلال الأربع أو الخمسة آلاف سنة من تجمدها، مما يسبب مشكلة تقنية في إستخداماتها.

ولكن الباحثون يعتزمون على تطبيق نفس المنهج الذي طوره عالم ياباني آخر، تيروهيكو واكاياما، حين نجح من خلاله في استنساخ فئران من خلايا قد تم تجميدها قبل 16 سنة بدرجة برودة مشابهة لدرجة البرودة التي أبقت جثة الماموث طوال هذه السنوات. والمنهج بسيط من حيث المبدأ، فهو لايختلف كثيراً عن الإجرائات المتبعة في عمليات الإستنساخ العادية والتي تتم بواسطة إستبدال نواة بويضة حيوان حي بنواة الحيوان الذي يراد إستنساخه، إنما قدم الخلية التي يراد إستنساخها وتعرضها للتجميد هو الذي يسبب الصعوبة.

وهذه هي الطريقة التي سوف تستخدم في إعادة فيل الماموث إلى الحياة بعد إنقراضه بـ 4500 سنة، إذ سوف يتم إستبدال نواة بويضة فيل حالي بنواة خلية مستخلصة من رفات ماموث موجود في أحد المختبرات الروسية، وسوف يتم حقن البويضة في رحم أنثى الفيل على أمل أن تلد الماموث المنقرض.

لايوجد من حيث المبدأ أي مانع لعدم نجاح هذه المحاولة، وإن كانت هناك مصاعب أو فشل في تحقيق هذا الهدف فسوف تكون الأسباب تقنية يتكفل الوقت في حلها. إنما لاشك بأن نجاحها، بالإضافة إلى ماتم تحقيقه إلى الآن في مختبرات أخرى كأبحاث كريغ فنتر وغيره تمثل كلها إرهاصات تبشر بالإقتراب من حقبة سوف يكون الموت فيها مجرد مرض يمكن معالجته.

هذه جثة مايعرف بـ "رجل الجليد"  المشهور والذي أطلق عليه إسم أوزي. أكتشفت في ثلوج جبال الألب.
وأشارت الفحوصات بأن هذا الرجل قد مات قبل 5000  سنة، أي خلال فترة مقاربة لموت الماموث المتجمد
الذي يحاول العلماء إستنساخه. فهل من الممكن إعادة إحياء هذا الإنسان أيضاً كما يحاول العلماء إحياء الماموث؟
ممكن من حيث المبدأ، إذا كانت خلاياه لاتزال صالحة للإستنساخ.

* * * * * * * * * *

هناك 4 تعليقات:

Duo يقول...

عرض رائع, ولدي سؤال :
"إذ سوف يتم إستبدال نواة بويضة فيل حالي بنواة خلية مستخلصة من رفات ماموث موجود في أحد المختبرات الروسية، وسوف يتم حقن البويضة في رحم أنثى الفيل على أمل أن تلد الماموث المنقرض."
أليس الحمض النووي للفيل الحالي يختلف عن الخاص بالماموث ؟
كيف سيحدث اندماج بين الحمضين ؟
وإن حدث أليس الناتج هجينا بين الماموث والفيل الحالي ؟
تحياتي لك, وأتابع دائما ما تكتب, فأرجو منك المواصلة على هذا النمط دوما :)

غير معرف يقول...

بالنسبة للمادة المتضررة اعتقد ان العلماء سيجدون حلا لها مستقبلا والسبب بسيط جدا فالمادة الوراثية مكتوبة بتسلسل رياضي او منطقي وقد يعجز العلماء عن فك لغز التركيب ولكن مستقبلا سيصبح هذا ممكنا وهذا يعني ان التلف في المادة الوراثية سيتم تعويضه لاحقا.. انها بالضبط كما لو حصلت على ورقة مكتوب عليها اشتقاق لمعادلة رياضية وهناك تلف في اجزاء منها بحيث هناك اختفاء لارقام او رموز معينة .. فاي شخص متخصص سوف يستطيع استرجاع الارقام .. او كما هو الحال مثلا في لعبة سودوكو ولكن ليس من عشرة ارقام بل من آلاف او ملايين من الارقام، واكيد سيلعب الكومبيوتر دورا هاما في المسألة .. اما بالنسبة للاستنساخ البشري فالسبب في بطء البحوث يعود الى ما يسموه ـ اسباب اخلاقية ـ طالما هناك تخلف بسبب الاديان فلن نقطع الطريق بخطى واسعة .. اشكرك للموضوع وتقبل خالص تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي طالب ،،

صحيح أن هناك إختلاف بين الحمض النووي للماموث وبين الفيل الحالي، ولكن طريقة الإستنساخ لاتتطلب دمج الحمضين، بل تزال كروموسومات الفيل الحالي بإزلة النواة من البويضة وتستبدل بنواة خلية من الماموث بجميع كروموسوماتها، فجميع الكروموسومات هي للماموث.

يكون الحيوان الناتج هجين بين الماموث والفيل الحالي لو أضيفت بعض الجينات من الفيل الحالي إلى كروموسومات الماموث، ولكن حسب المقالة، يبدو أن هذا لن يحدث، ولم يذكر بالضبط ماهي الإجرائات التي سوف يتخذها العلماء لتعويض الـ 20% من جينات الماموث الناقصة. وتعليق العزيز نزار أعلاه يلقي بعض الضوء على منهج محتمل لحل هذه المشكلة.

أسعدني إستحسانك للموضوع ياعزيزي ..
ولك خالص تحياتي

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزي نزار ،،

لايبدو أن هناك حدود لما يستطيع تحقيقه العلم، وحل مشكلة تلف الجينات ونقصها سوف يتكفل به الوقت. والأمثلة التي ذكرتها كأساليب لحل هذه المشكلة هي توضيح جميل على مايمكن إنجازه.

واستنساخ الإنسان ممكن تحقيقه من حيث المبدأ إنما هناك، كما تفضلت، أمور أخلاقية يجب البت فيها أولاً، ولاشك أن الإعتراض الديني على رأسها. إنما هناك اعتراضات من جوانب أخرى خارج الدين أيضاً، مثل الأخطار الصحية المستقبلية على الإنسان المستنسخ. فمن السهولة إجراء تجارب على الحيوانات ولكن ليس من السهولة تطبيقها على البشر خوفاً من نتائج سلبية صحية محتملة. فيبدو أن الأضرار المحتملة المجهولة هي العائق الأكبر حالياً في إستنساخ الإنسان.

أشكرك ياعزيزي على إثرائك للموضوع ..
وتقبل خالص تحياتي